عمّار ديّوب

أُغرقت الثورة السورية بالأسلمة كرؤية أصولية وسياسة طائفية؛ فالثورة تميّز في ممارساتها بين الدين، كشأن إيماني وأخلاقي ومسألة شخصية، وبين الممارسات الثورية المعبرة عن أهداف ثورتهم في العدالة الاجتماعية والديمقراطية والتخلص من النظام الشمولي. هذا الغرق الكريه كان بسبب سياسات النظام لدحر الثورة عبر أسلمتها، وبسبب سياسات المعارضة لاستجداء المال السياسي، ووهماً منها أن أسلمتها تفيد في تحشيد الطائفة السنية خلف الثورة وضد النظام، وقد لعبَ الإخوان المسلمون دوراً مركزياً في الأسلمة، والأتراك ودول الخليج دفعوا بهذا الاتجاه بشكل ثابت.

 

كلما تعاظم شأن الأسلمة كلما تضاءل البعد الشعبي للثورة، وكلما تعاظمت الحركات السلفية والجهادية كلما تضاءل شأن فصائل #الجيش_الحر كفصائل وطنية، ولاحقاً أصبحت جميعها ممولة وتخدم مصالح إقليمية ودولية. وفي الوقت عينه أصبح قرار النظام تحت الهيمنة الإيرانية ولاحقاً الروسية، لتتشكل في #سوريا جيوشٌ لصالح الخارج، وجيوش غير سورية لخدم الخارج ذاته.

انتهت الثورة ببعدها الشعبي كفعاليات وممارسات، وفرضت الأصولية والسلفية والجهادية ذاتها على كافة المناطق “المحررة”، فرضوا أنفسهم ليس بمواجهة النظام، بل بكسر عظم الشعب الثائر وفصائله الوطنية، وشكلوا بذلك سلطة شمولية دينية. ساد كل ذلك في العامين السابقين، حيث استنقعت الأرض السورية بشكل كامل. ثم أصبح التدخل الروسي حقيقة واقعية، ولكنه فشل بدوره، وكذلك فشلت الجهاديات والسلفيات في حسم المعركة ضد النظام.

هذا الواقع ساهم في البدء في لقاء #فيينا؛ إذ يعد من مصلحة حقيقية للدول الإقليمية والعالمية باستمرار الحرب، وجاءت التفجيرات الأخيرة في أكثر من دولة، ولا سيما #فرنسا، لتفاضل جزئياً  الإرهاب على النظام، وليُطرح موضوع محاربة الإرهاب أولاً ولكن مع حكومة جديدة ودستور جديد. يتأتى هذا على أرضية مرحلة انتقالية، والمفاوضات بخصوصها ما تنفك تتالى، فالأردن يساعد الأمم المتحدة في رفع قائمة عن التنظيمات الإرهابية في سوريا إلى مجلس الأمن الدولي، وكل دولة تقدم قائمتها للتفاوض، وهناك اجتماع للمعارضة في #السعودية لحسم تمثيلها في فيينا قبل منتصف الشهر القادم.

عقل #داعش، نعم عقل داعش، يقرأ جيداً لقاء فيينا، ولذلك سارع إلى التفجير بعدة دول والتهديد بالتفجير لكثير منها. يعلم داعش هذا، أن السكين الذي حز وقطع فيها رؤوساً كثيرةً ستوضع على رقبته كذلك، حالما تبدأ أية عملية سياسية في سوريا؛ أيضاً الحركات الجهادية والسلفية تعرف ذلك. الخلاف الإقليمي حول إدخال حركة أحرار الشام أو جيش الإسلام أو حركة #النصرة في هذه القائمة أو عدم إدخالها، لا يسمح بوجود أصوليين وتكفيريين في سوريا وليسوا ضمن لوائح الجماعات الإرهابية حالما يبدأ الوقف الشامل لإطلاق النار. هذا الأمر يدفع التنظيمات الإسلامية نحو التخفيف من رداء الأسلمة والعودة إلى أعلام أو شعارات الثورة مجدداً.

طبعاً التنظيمات الإسلامية ممسوكة من الخارج، والأخير هو من يدفع بها للتغيير سريعاً. إذاً انتهت مرحلة الأسلمة الواسعة وصار لا بد من فرز القوى، وتقاسم الكعكة السورية وفرض وصاية كاملة على سوريا. هذه مشكلتنا نحن السوريين ولكنها تخدم المصالح الخارجية ومن يدور في فلكها من النظام والمعارضة بآن واحد.

إذاً هناك احتمال كبير لتغييرٍ قادم،ٍ وربما لأول مرة يحدث ذلك بإرادة دولية. فكافة مبعوثي الأمم المتحدة  السابقين أقروا بغياب تلك الإرادة. مع فيينا توضحت معالم نهاية الحرب المفتوحة في سوريا، واقتربنا من النهاية.

بإمكان الإسلاميين التمييز بين المشروع الدعوي والمشروع السياسي، وتنفيذ مشيئة الداعمين، ومن يرفض هذا الخيار ستعلن الحرب عليه. التمييز، يتلاقى مع رؤية الغرب وروسيا بل والدول المحيطة بسوريا، الرؤية التي تنطلق من الديني في فهم السياسة. ما هو مرفوض هو الطائفي في هذا الموضوع، فتجارب #لبنان و #العراق و #ليبيا وكذلك #اليمن، تقول بضرورة إقامة هذا التمييز؛ فدون ذلك ليس من نهاية للوضع السوري والحروب المستمرة والنزيف المستمر والتفجيرات في مختلف دول العالم. هذا الأمر معروف للروس جيداً، الروس الذين سيتعرضون لعمليات انتقامية في حال بقاء الحرب مفتوحة أكثر مما سيتعرضون له في حال بدء العملية السياسية. إذاً الخيار المناسب لمصالح الدول المعنية بالشأن السوري إنهاء الصراع المسلح وتبني الصراع السياسي، وتوظيف الدين في ذلك، ولكن مع التخلي عن مفهوم الدولة الإسلامية، الذي ترفعه الكثير من الحركات الإسلامية ومنها #جيش_الإسلام وحركة أحرار الشام. ربما تجربة تركيا “الإسلامية” ستكون أفضل السبل وفقاً لما سيتم الإجماع عليه في فيينا، مع تسييس للدين أكثر، ووفقاً للأكثرية الدينية والأقليات.

التغيير المقترح دولياً لسورية يبدو أنه بدأ، وكافة القوى السورية الفاعلة تتحرك وفقاً لمشيئة الخارج. هذا الأمر وإن كان يعبر عن تحكم الخارج بالشأن السوري، ولكنه كذلك يعبر عن انسداد الأفق الداخلي.

التغيير الذي ينصف السوريين يجب ألا يتناقض مع أهداف الثورة في: تحقيق العدالة الاجتماعية والقضائية ومحاسبة كافة الموغلين في دماء السوريين، من النظام والفصائل المسلحة، وتشكيل نظام ديمقراطي استناداً إلى شرعة حقوق الإنسان السياسية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية والثقافية وسواها، وتفكيك الأجهزة الأمنية وإعادة تشكيلها بما لا يسمح بتحويل الدولة مجدداً إلى دولة ممسوكة بسلطة أمنية ولا بسلطة عسكرية. التغيير المتوافق مع مصلحة السوريين يكمن في رفض الخيار الليبرالي كخيار مهيمن في الاقتصاد وتفعيل الاقتصاد الدولتي إضافة للاقتصاد الليبرالي وبما لا يتعارض مع التخطيط الكلي للاقتصاد والنهوض بسوريا مع إنهاء مظاهر الفساد وتفعيل دور النقابات والاتحادات ومنظمات الطلاب، وإطلاق حرية الصحافة والتعبير والسياسية. هذه القضايا ستكون بداية حقيقية نحو سوريا تحافظ على تنوعها القومي والديني والسياسي بل والاقتصادي.

إذاً الانقسام الإسلاموي لصالح رؤية حداثية للمجتمع تتحقق حالياً، وبما يؤسس دولة لكافة السوريين وينهي الحرب ولا يتناقض مع الدين كرؤية أخلاقية للأفراد بل وللجماعات؛ هذا مسعى السوريين في عام 2011 و2012، ويُفترض أن تتأسس الدولة الجديدة وفقه. هذا ليس مطروحاً في مشاريع الدول التي تتوافق على الحل السياسي لسوريا. ولكنه الحل الجدّي الذي ينهي الصراع العسكري ويؤسس لصراع سياسي في سوريا. التغيير في سوريا إما أن يكون نحو تحقيق أهداف الثورة أو ستكون سوريا تحت وصاية خارجية أو حرب مستعرة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.