سيناريو تنظيم “داعش” الإرهابي يعود للظهور مجددا في العراق، بعد تحذيرات عدة أطلقت من قبل خبراء ومختصين في المجال الأمني والعسكري، حول نشاطات مختلفة لعناصر التنظيم المتشدد في مناطق مختلفة من البلاد.

في التاسع من شهر كانون الأول/ديسمبر عام 2017، أعلنت الحكومة العراقية، تحقيق النصر الكامل على التنظيم، واستعادة جميع المناطق التي كانت له بمختلف محافظات ومدن العراق.

بين فترة وأخرى تشن خلايا التنظيم سلسلة هجمات على مناطق كركوك ونينوى وأطراف ديالى وجلولاء، في 15 من تشرين ثاني/نوفمبر الحالي، هاجمت مجموعة من عناصر التنظيم، قرى وادي الشاي بالقرب من قضاء طوز خورماتو شرقي محافظة صلاح الدين، واشتبكوا مع قوات الجيش العراقي، ما أدى لسقوط قتلى وجرحى في صفوف القوات الأمنية.

معسكرات تدريبية

مصادر أمنية كشفت عن وجود معسكرات تدريبية لعناصر”داعش” في صحراء محافظة الأنبار غربي العراق، وعلى الشريط الحدودي مع سوريا، حيث أكدت القيادة المركزية الأميركية أن، “التنظيم ينمو بشكل متسارع في مخيم الهول، شمالي سوريا، وأن نصف سكان المخيم من العراق”.

الجنرال مايكل كوريلا، قال في بيان إن “كارثة تلوح في الأفق بمخيم الهول، وتتطلب حلا دوليا لا عسكريا، ويجب أن تأخذ الدول رعاياها وتعيد تأهيلهم”.

هناك أكثر من 56 ألف قاطن بمخيم “الهول”، 90 بالمئة هم نساء وأطفال، وأكثر من نصفهم عراقيون، كما هناك أكثر من 80 ولادة شهريا داخل المخيم، وفق كوريلا.

في الثالث من شهر شباط/ فبراير من العام الحالي، أعلن الرئيس الأميركي، جو بايدن عن مقتل زعيم تنظيم “داعش” عبد الله قرداش.

التنظيم اعتاد على التكيف بسرعة استثنائية مع الصدمات التي ألمت به بعد مقتل أمراء وقيادات كبيرة منه، لذا من الضرورة فهم العوامل التي يستند عليها هذا التنظيم، والتي تبقيه متماسكا كلما انحدر نحو الهاوية، وخسر أحد معاركه الكبيرة أو سقط أحد قيادات الصف الأول لديه.

استغلال الانسحاب الأميركي

مراكز بحثية تشير لوجود جيل جديد من عناصر “داعش” يعرف بـ “الجيل الرابع”، بات ينتشر في مناطق صحراء الأنبار، وتحديدا مناطق جزيرة راوة وغرب الرطبة والحسينية.

بعد انسحاب القوات الأميركية من قواعدها المنتشرة في محافظات الأنبار وصلاح الدين ونينوى، يبدو أن الجو بات خصبا لانتشار خلايا التنظيم، كون القوات العراقية لا تمتلك القوة الجوية الكافية لردع خلايا “داعش”.

التنظيم وجيله الجديد يتخذون من المناطق الصحراوية والوديان المعقدة جغرافيا، مكانا لانتشار عناصره وتدريبهم. لذا فأنه من الصعوبة ملاحقتهم والقضاء عليهم، فالقوات العراقية ماتزال محدودة القوة جويا، وكانت تعتمد بدرجة عالية على قدرة قوات التحالف الدولي. “التنظيم يعتبر المرحلة الحالية فرصة ذهبية لإعادة نشاطه للواجهة”، وفقا لتقرير صادر عن مركز “البيان” للدراسات الأمنية.

نشاط في هذه المناطق

خلايا “داعش” تنشط الآن في ثلاث مناطق رئيسية في العراق، هي جزيرة الأنبار، الممتدة من وادي حوران وصولا لصحراء الرطبة؛ والمنطقة الثانية هي تلال حمرين، وصولا لمناطق الحويجة وجنوب كركوك، أما المنطقة الثالثة فهي سلسلة تلال قراجوغ، الواقعة في قضاء مخمور شرقي محافظة نينوى.

قيادة العمليات المشتركة في العراق، أعلنت عن استكمال إجراءات بناء السياج الأمني بين العراق وسوريا، الذي “سيكون خطوة مهمة لمنع انتقال عناصر تنظيم “داعش” بين الدولتين، بحسب وصفها.

عناصر التنظيم هم في مرحلة الركود الآن، ولكنهم يهيئون لسلسلة هجمات جديدة تستهدف تجمعات بشرية ومناطق مختلفة، بحسب حديث الخبير العسكري عبد الله الجبوري، لـ “الحل نت”.

هناك بحدود 3 آلاف من عناصر التنظيم، أعمارهم تتراوح بين 13 عاما، و20 عاما، وفق الجبوري، أغلب هؤلاء من أبناء المعتقلين، الذي تعرض ذويهم للاختطاف من قبل الفصائل المسلحة أثناء عمليات تحرير المدن عام 2016.

“هؤلاء هم الجيل الجديد الذي يشعر بالظلم من قبل الحكومات العراقية المتعاقبة والفصائل المسلحة المرتبطة بإيران، وأيضا من العشائر السنية المنتشرة في المحافظات المحررة”، بحسب الجبوري، لذا فأن هؤلاء لجئوا للانضمام لـ “داعش”، بهدف الانتقام من الوضع الجديد، فعوائلهم محرومة من العودة لمناطقها، كما أن الحكومة لم تقم بجهودها لمعرفة مصير ذويهم الذين تعرضوا للاختطاف، وفق تعبيره.

صيف عام 2016، وأثناء عمليات تحرير المدن العراقية من سيطرة التنظيم، أقدمت مجموعة من الفصائل المسلحة على اعتقال الآلاف من أهالي محافظات الأنبار ونينوى وصلاح الدين وديالى، واقتادتهم لأماكن مجهولة، ولايعرف مصيرهم حتى الآن، بالرغم من المطالبات العديدة بالكشف عن مصيرهم، أو إنصافهم ماليا.

تحذير كردي

 رئيس إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني، حذر من “تنامي خطر خلايا التنظيم في المناطق المتنازع عليها بين بغداد وأربيل، مطالبا بزيادة التنسيق المشترك بين الجيش العراقي وقوات البيشمركة، لمنع تدهور الأوضاع الأمنية”، على حد تعبيره.

شورش إسماعيل، وزير البيشمركة في حكومة إقليم كردستان، أشار في تصريحات صحافية، إلى أن “السبب الرئيسي لعودة هجمات التنظيم بالعراق مؤخرا، هو الفراغ الأمني في المناطق المتنازع عليها”.

عدم تعامل الحكومة مع ملف عوائل تنظيم “داعش” بصورة إيجابية، ينذر بكارثة كبيرة، ستكون عواقبها على الملف الأمني.، بحسب حديث الخبير العسكري اللواء طارق العسل، لـ “الحل نت”.

الإبقاء على عوائل عناصر “داعش” في المخيمات وعدم إدراجهم في المجتمع وإعادة تأهيلهم، وخاصة من الأطفال والمراهقين، ينذر بكارثة أمنية كبيرة، فهؤلاء سيكبرون ويكبر معهم الحقد على الدولة العراقية والأجهزة الأمنية والمجتمع بشكل عام”، وفق تعبيره.

الحل الوحيد لمنع الانتشار السريع للجيل الجديد من عناصر التنظيم، بحسب العسل، يتمثل في إعادة تأهيل عوائل المخيمات، وخاصة مخيم “الهول”، وإجراء صلح عشائري، وتعويض المتضررين من الحرب مع “داعش”، وإدخال أطفال عناصر التنظيم المتشدد في دورات تدريب ودمجهم في النظام التعليمي.

“من غير المعقول أن، يتم حرمان الأطفال من التعليم والعمل، وسجنهم في مخيم، ومنعهم من الخروج”، يقول العسل، كما أن الخدمات المقدمة في المخيمات سيئة جدا، وهذه العوامل كلها، تزيد بنقمة الأطفال، والجيل الجديد على الأوضاع الحالية، ما يسهم بتكون جيل متشدد يريد الانتقام بكل الطرق، على حد وصفه.

القوات العراقية تنفي قدرة تنظيم “داعش” على النهوض مجددا، وتشكل قوة جديدة، فيما تؤكد أن الأرقام التي تظهر عن أعداد عناصر التنظيم مبالغ بها.

تعليق من القوات العراقية

اللواء تحسين الخفاجي، المتحدث الرسمي باسم قيادة العمليات المشتركة العراقية، نفى “قدرة عناصر التنظيم على الظهور والانتشار مجددا في محافظات البلاد”، حيث أوضح بأن “العمليات، التي قامت بها القوات الأمنية، أجبرت عناصر التنظيم على التراجع، ووجودهم حاليا في مناطق صحراوية، لا يشكل تهديدا على الوضع الأمني إطلاقا”، على حد قوله.

مختصون حذروا من أن عدم التعامل بالمنطق والحكمة مع قضية عائلات مخيم “الهول”، سيؤدي إلى كوارث مستقبلية على الأوضاع الأمنية في العراق. كما سيساهم مساهمة كبيرة في تغذية التطرف لدى الأطفال الذين يسكنون داخل المخيم.

في صيف العام الماضي بدأت الحكومة العراقية أولى خطوات إعادة عائلات مخيم “الهول”، وتم إسكانها بمخيم “الجدعة”، الواقع جنوبي محافظة نينوى، ويبلغ عدد العوائل التي أعيدت من مخيم “الهول” أكثر من ألف عائلة، الغالبية منهم تم إسكانهم بمخيم “الجدعة”، فيما تم إسكان العوائل المتبقية بمخيمات العامرية والحبانية في محافظة الأنبار غربي العراق.

 جهات عشائرية حاولت في وقت سابق، الاعتداء على مخيم “الجدعة” الذي تقطن به عوائل عناصر التنظيم، لكن القوات الأمنية العراقية منعت وقوع مثل تلك الحوادث، وحصّنت المكان بشكل كبير. حوالي 18 ألف عراقي يسكنون مخيم “الهول”، ويشكلون نسبة 45 بالمئة من سكان المخيم، وينتمي أغلبهم لمحافظات نينوى والأنبار وصلاح الدين وأطراف العاصمة بغداد، بحسب إحصائيات لمنظمات مختلفة.

المنظمات الدولية المختصة، تعقد بين فترة وأخرى، مؤتمرات للتعايش السلمي، وإنهاء مشكلة عناصر “داعش”، وقد ساهمت تلك المؤتمرات بإعادة مجموعة من العائلات، من خلال عقد الصلح بين عوائل التنظيم المتشدد وعوائل الضحايا.

لكن شهود عيان في مناطق مختلفة، يؤكدون أنه لا يوجد تقبّل لوضع تلك العائلات، في المناطق التي عادت إليها، وينظر لها الناس بعين الريبة والشك، كما تخضع تحركاتها للمراقبة الأمنية، ويتم استدعاء أفرادها للتحقيق، حال وقوع أي طارئ أمني.

الفصائل المسلحة المقربة من إيران، تنتشر على الشريط الحدودي بين العراق وسوريا، وتحديدا في مناطق سنجار والقائم والرطبة وغربي محافظة الأنبار.

صحراء الأنبار ذات مساحة جغرافية واسعة، وكان التنظيم يتخذ منها مكانا لانطلاق عملياته نحو مدن العراق المختلفة، ومنها اتجه عناصر “داعش” للسيطرة على مدينة الموصل في العاشر من حزيران/يونيو صيف 2014.

بحسب المعلومات المختلفة، فأن الآلاف من عناصر “داعش” يتدربون بشكل يومي، في معسكرات كبيرة داخل مناطق وادي حوران والحسينية وجزيرة راوة، وطريق الثرثار الرابط بين محافظتي صلاح الدين والأنبار. يحاول التنظيم، تجهيز عناصره في الوقت الحالي، من خلال الجيل الجديد، وبعدها يبدأ بشن الهجمات المسلحة.

التنظيم فقد أغلب قادته الذين تعرضوا للاعتقال أو الاغتيال، في المدن العراقية والسورية، كما أن النكبات التي تعرض لها على آثر مقتل خلفائه، وفقدانه السيطرة على المدن السكنية والموارد المالية، زادت من إصراره على العودة بجيل جديد مبني على عقيدة قتالية متطورة، وتدريب وتأهيل متكامل.

قد يهمك: العراق.. اعتقال قيادات في “داعش” بعملية خاطفة

حكومة إقليم كردستان تطالب بإعادة انتشار قوات البيشمركة الكردية في المناطق المتنازع عليها بين بغداد وأربيل، والتي تعرف بمناطق المادة 140 من الدستور العراقي.

في 16 من تشرين الأول/ أكتوبر عام 2017، شنت القوات العراقية حملة أمنية على مناطق كركوك وباقي المناطق المتنازع عليها، عُرفت بخطة فرض القانون، فيما انسحبت القوات الكردية من تلك المناطق، بعد استفتاء الانفصال عن العراق الذي جرى في 25 من تشرين الأول ستمبر من عام 2017.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.