عمّار ديّوب

يبدو مسار #فيينا مساراً جاداً للتخلص من النظام القديم في سوريا والانتقال إلى نظامٍ جديد. الدول الوالغة في الشأن السوري متوافقةً على ضرورة الحل السياسي، وهذا ما دفع لتحركٍ دولي وإقليمي للوصول إلى مخرجات تتناسب معه.

 

قضيتان تتسلط الأضواء نحوهما؛ تصنيف القوى المسماة إرهابية واجتماع المعارضة في السعودية.

على هاتين القضيتين، ينعقد الكثير مما سيحصل في الأيام القادمة؛ الأولى ستكون حصيلة مشاورات دولية وإقليمية لكافة الدول الفاعلة في #سوريا، أي حلف #روسيا وحلف #أمريكا، وهذا يأتي بعد التدخل الروسي ومحاولته تغيير الواقع الميداني وفرضه على طاولات التفاوض بخصوص مستقبل الحكم في سوريا، وكذلك بعد التفجيرات الإرهابية التي طالت #فرنسا و #لبنان و #مصر؛ أقصد هنا أن دائرة القوى الإرهابية قد تطال قوى كثيرة، وربما تشمل قوى ليست محسوبة على الجهادية كذلك، وسيصدر قراراً دولياً وفقاً لهذا الإطار. هنا خوف من أن يتجاهل  هذا القرار قوات #حزب_الله وقوات #إيران في سوريا، بل وحتى قوات روسيا، وهذا سيزيد روسيا شراسة وبطشاً بالمناطق الخارجة عن سيطرة النظام، وستكون همجيتها برعاية أممية، وبالتالي يفترض بالمعارضة التدقيق في نتائج هذا الموضوع ورفض كل ما يصدر ما لم يتوافق مع أهداف الثورة السورية في نظامٍ يتمثل فيه كافة السوريين، وفي عدالة اجتماعية ينص عليها الدستور.

نريد القول، هناك أمران يمكن العمل وفقهما، رفض إدخال لفصائل وطنية تحت مسمى قوى إرهابية، والعمل من أجل قيادة موحدة للفصائل العسكرية والركون لاستراتيجية عسكرية وطنية وضبطها في إطار مؤسسة مدنية بقيادة قضاة أو محامين معروفين بالنزاهة والوطنية. وهذا ما سيسمح بأن تكون قواتها جزء من الجيش السوري القادم.

القضية الثانية وهي الأخطر، أي اجتماع المعارضة والوثيقة التي ستخرج عنها ووفد التفاوض. ما يشكل هنا خطراً حقيقياً أن هذه المعارضة كان لها دورٌ كبير في تفتيت قوى الثورة مدنية وعسكرية، وفي التهاون مع القوى الأصولية والجهادية ولا سيما حركة #النصرة، وبالتالي تفتقد لرؤية وطنية للثورة وللمشكلات التي ما انفك النظام يضعها لرفض الانصياع للحل السياسي والاستمرار بحلّه الأمني والعسكري.

يضاف في هذه النقطة تمثيل جزء من الفصائل العسكرية ذات النهج الإسلامي في مؤتمر #الرياض، والتي وبدلاً من أن يكون الدين مرجعية أخلاقية لديها فإنه يشكل مرجعيتها السياسية لشكل الدولة القادمة، وهذا ما يطرح ولأول مرة شكل الحكم القادم كشكلٍ طائفي! يعزز ذلك، أن الدول التي تعتبر راعية للمعارضة وأقصد #تركيا والسعودية وقطر ترى السوريين أدياناً وطوائف، والكرد كقومية! وهذا المنظار يتوافق مع الرؤية الاستشراقية للدول الكبرى، أي أمريكا وروسيا وفرنسا.

التعقيد هنا من شرعنة الطائفية بدلاً من أن تفكيكها؛ فالشرعنة ستساهم في تعزيزها، طبعاً إن خرجت الوثيقة السياسية للمعارضة بنصوص تفيد بهذا السياق، أو تمّ التوافق سراً بما يوافق ذلك. نضيف هنا أنّ كثيراً من المحللين السياسيين يتخوفون من الدور السعودي في اتفاق الطائف اللبناني، والذي كان اتفاقاً طائفياً بامتياز، وأبّد النظام الطائفي في لبنان، وأن يصار لتكرار الأمر عينه في سوريا.

ما قد يُفشل أعمال المؤتمر كذلك تلغيمه بـ”معارضين” يرسلهم النظام عبر الوفد الروسي للمعارضة؛ فروسيا الحليف الرئيسي للنظام منذ عام 2011، وهي تدخلت عسكرياً لإنقاذه، وتمارس تقتيلاً بقوى الثورة وتدميراً بالبنية التحتية وقتلاً للسوريين منذ 30 أيلول الماضي، ولم تشن عمليات عسكرية هامة ضد تنظيم داعش أو النصرة أو من يوازيهما في الجهادية. هذا خوف حقيقي، ولن تُضيّع روسيا هذه الفرصة مطلقاً.

يعنينا وفي حال نجاح مسار فيينا، ولو أحسنا النيّة بكل أعمال الدول المحيطة بسوريا وبالدول العظمى، وكي لا تضيع فرصة ثمينة لإيقاف الدمار والقتل واللجوء والحصار والاعتقال. أقول يعنينا التأكيد على ضرورة النهج الوطني للسياسة في سوريا، وأقصد، أن كل قوى المعارضة والفاعلين السياسيين والمثقفين السورين معنيون برفض أية فكرة أو مبدأ أو خطة عمل أو الحل السياسي بعموميته ما لم ينطلق من أن سوريا لكل السوريين، وبكل قومياتهم وطوائفهم ودياناتهم، وأن يكون الدستور القادم مبنياً على شرعة حقوق الإنسان ومبدأ المواطنة. وبالتالي العمل على تأسيسي دولة حديثة بامتياز، وألا يسمح بأية شروط للمرحلة الانتقالية وما يصدر عنها انطلاقاً من صحةِ أشكال الحكم في لبنان أو العراق أو أية دولة عربية أخرى.

سوريا التي عُرفت بالتعددية، وعُرفت بالتسامح الديني، وبانخفاض نزعة التشدد الديني، وبرقيٍّ عقلي لشعبها، ورفضاً لكل أشكال المحدودية، ويتطلع سكانها لما هو أوسع من المحيط العربي كذلك، وانطلاقاً من الثورة الصناعية والدمقرطة والعدالة الاجتماعية؛ سوريا هذه مشمولةً في أهداف ثورة السوريين. تجاهل هذه الحيثية في أية مفاوضات قادمة، سواء عبر فيينا أو سواها، سيؤدي إلى فشلها لا محالة. ونضيف، أن نجاح مؤتمر فيينا يتطلب الانطلاق مما ذكرنا، وأن يتوافق مع بيان جنيف لعام 2012 وما صدر انطلاقاً منه ومع وثائق المعارضة في مؤتمر القاهرة لعام 2012.

لسنا طوباويين فيما نذهب إليه، بل نحن نطالب بالحد الأدنى لحقوق السوريين؛ فالحد الأعلى تشكيل نظامٍ يكون بديلاً للنظام والمعارضة الحاليين، وعبر انتخابات شعبية، يكون مرجعيتها  دستورٌ يمنع كل أشكال التمييز بين أفراد الشعب. هذا غير ممكن حالياً، وبالتالي الممكن سياسياً البدء بمرحلة انتقالية، تشرف عليها الأمم المتحدة، ووفقاً لبيان جنيف وما صدر عنها من قرارات دولية ووثيقة مؤتمر القاهرة المذكور أعلاه، وبما يسمح بالوصول إلى نظام يحقق مصلحة كافة السوريين في نهاية المرحلة الانتقالية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.