عمّار ديّوب

ليس لدولةٍ سيادةٌ وطنية حقيقية ما لم يفرض نظامُها السياسي سيطرته على كامل الجغرافيا والشعب الذي تمثله. سوريا المنقوصة الجولان ولواء الاسكندورن دولةً بلا سيادةٍ وطنية إذاً. كان فيها نظامٌ يدّعي الوطنية، بينما هو، عدا عن الانتقاص المذكور، فرض سلطة شمولية مطلقة، وابتذل كل القيم والأفكار الإيجابية بادعاء الاشتراكية وسواها، وبالتالي لم يكن السوريون مواطنين أبداً ولا دولتهم وطنية من ناحية ثانية.

غياب هذا الشعور عن #السوريين، لم يفقدهم الوعي بضرورة تشكيل دولةٍ وطنيةٍ، ونيل حقوق المواطنة، والتخلص من الإفقار المهول الذي أغرقهم به النظام بسبب سياسته الليبرالية الجديدة، فكانت ثورتهم في عام 2011 تبتغي هذه الحقوق والوصول إلى مجتمع أفضل بكل النواحي. النظام الذي لا تعنيه الدولة ولا المواطنين، كان يعي خطورة الثورة، وبالتالي كان عليه أن يَسندَ ظهره دولياً، ليحتمي من تدخلاتٍ قد تسقطه كما جرى في #ليبيا و #العراق من قبل، وفي الداخل سيتولى هو استخدام كافة الطرق لقمع الثورة والإجهاز عليها. فعلاً تمّ تسليم حمايته دولياً للروس بالتحديد وداخلياً كان التنسيق مع #إيران، وهي الضليعة بقمع شعبها ولا سيما بعد ثورته الخضراء 2009، وبذلك أَجهزَ النظام على كل ما يسمى سيادةً وطنية؛ فسوريا ومنذ 2011 أصبحت تقريباً تحت الهيمنة الإيرانية أولاً ومعها حزب الله كأداة سياسية لها وثانياً من قبل روسية.

الشعب فَهمَ جيداً وضعية النظام هذه، والتي هي قديمة كما ذكرنا، وفَهمَ أنه سيواجَهُ بسياسات عنفية خطيرة، كما تمّ في الثمانينيات وكما عاش لعقود تحت السلطة الشمولية، وأن العالم لن يقف إلى جانبه. فمتى وقفت الدول العظمى إلى جانب ثورات الشعوب! من لم يفهم هذه الفكرة هي المعارضة، والتي هي الوجه الآخر للنظام، فكما هو تابعٌ كذلك هي، وبالتالي انحازت المعارضة بكافة تشكيلاتها إلى الخارج لحمايتها كما توهمت بغباء كارثي، ولإجبار النظام على التغيير أو إسقاطه، ولكنهما فشلا سوية في الحسم العسكري، ونجحا سوية في تسليم #سوريا بشكل كامل لمصالح الدول الإقليمية والإمبريالية.

المجلس الوطني لم يترك باباً إلا وطرقه لإسقاط النظام، وعمّم ذلك على أتباعه عبر مفاهيم الحماية الدولية والحظر الجوي والتدخل العسكري، ولم يكن هناك أية مؤشرات لتحقق ذلك! أي أربك الثورة الشعبية، وأدخل إليها مفاهيم ليست منها، بل تخونها في نظر كثير من أبناء الشعب الذين لديهم مصلحة في الثورة. هيئة التنسيق التي رفعت لاءاتها الثلاث ومنها ضد التدخل، ولكنها وبمجرد أن تدخل الروس بطلب من النظام سارعت مرحبة به على لسان قادتها، ولا سيما حسن عبد العظيم ومنذر خدام وآخرين.. إذاً كان اتهامهم لقيادات المجلس الوطني كاذباً، وها هم يفعلون الشيء نفسه مع الروس، وسقطت حجة الاستمرار بالأكذوبة نفسها، أي أن الروس قَدِموا لإيقاف تقدم داعش وإسقاط النظام! فالروس وبعد ثلاثة أشهر ونيف، كانت أهدافهم الأساسية تصفية الجيش الحر، والبنية التحتية من مشافى ومخابز، وسواها، وقتلوا آلاف المدنيين، إذاً أصبحت هيئة التنسيق من أنصار التدخل الخارجي. وبهذا يتوضح أن النظام والمعارضة المكرّسة يتصارعان على السلطة وليس لتحقيق مصالح الشعب وأهداف الثورة.

حين زار الرئيس السوري روسيا علّق أغلبية المحللين أن الزيارة افتقدت للبروتوكول المتعلق برؤساء الدول! الواقع يقول أن النظام أصبح متهالكاً ولم تعد تكفي المساندة في المحافل الدولية، وصار لا بد من تدخلٍ عسكري لإنقاذه. إذاً الدفاع عن النظام كان يتطلب ذلك التدخل، المفاجأة كانت بترحيب هيئة التنسيق بذلك، وبالتالي أعطت هذه الهيئة صك تنازل للدولة الروسية عن السيادة الوطنية السورية المنقوصة أصلاً وليس فقط النظام. تبين خطورة بنود الاتفاق بخصوص العلاقة بين الدولة السورية و #روسيا أن لا مهلة محددة لبقاء الطائرات الروسية في سوريا! وأن للضباط والجنود الروس حصانة كاملة لهم في سوريا، أي لا حقوق للدولة السورية عليهم، أو مقاضاتهم في حال ارتكبوا جرائم في سوريا! وكذلك في حال حدوث خلاف بين روسيا وسوريا، فحلّ الخلاف يتطلب دولة ثالثة، وهذه غير متوفرة، فروسيا هي الدولة الثالثة التي كانت تتدخل لحماية النظام، وفي حال وجود تلك الدولة فيتطلب خروج روسيا عاماً كاملاً؛ طبعاً هذا من سابع المستحيلات، فروسيا الآن أصبحت تسيطر على كثير من مطارات سوريا وتلعب دوراً مركزياً في العمليات العسكرية وتتحكم في قيادة الجيش السوري، وبذلك أصبح الأخير رهين الدولة الروسية.

إذاً، سوريا أصبحت شبه مستعمرة من قبل روسيا؟!

وبنظرةٍ واقعية للدعم الإقليمي والدولي لمختلف القوى العسكرية على الأرضي السورية وللنظام، يتبين غياب أيّ مظهر للسيادة الوطنية المنقوصة ذاتها؛ فالتحالف الدولي “يقصف” مواقع داعش وغير داعش وكما يشاء، والطائرات الروسية لها ملء الاختيار لأهدافها، وحتى #إسرائيل تتدخل في الوقت الذي تريد وتقصف الأهداف التي تشاء؛ وبذلك يستنتج أي عقل بسيط سقوط كافة حجج النظام عن السيادة الوطنية. وليست المعارضة بأفضل منه فهي تصمت بشكل كارثي عن كل هذه التدخلات بل وترحب بها! وبوجود هذه اللوحة يصبح الوضع السوري برمته حكراً على الدول الخارجية، ودورُ السوريين هامشياً بالكامل؛ القوى الإسلامية التي باتت تسيطر على كثير من المشهد السوري، لا تعنيها الوطنية بشيء، وبالتالي هي تبتغي مشروعاً إسلامياً وفقاً لخيالاتها القروسيطة.

بعكس كل ما تقدم، فالشعب، ورغم وجود كتلة وازنة فيه، أصبحت مشوشة تجاه القضايا الوطنية، وتفضل إما التدخل الروسي أو التحالف الدولي والإقليمي و #تركيا، فإن أغلبيته ومن كافة القوميات يرفضون كل هذه التبعية، وينتظرون انتهاء الحرب لإبداء موقف وطني رافض لكافة هذه التدخلات.

هذا الصوت يبدو خافتاً تماماً، وكذلك صوت تيارات من المعارضة غير المكرسة أيضاً.

الأشهر القادمة ربما ستأتي للسوريين بمرحلة انتقالية، وهذا يفترض ورغم حدّة التدخل الدولي في هذه المرحلة انتهاج طريقٍ وطنيٍّ لحل مشكلاتهم، وبما يتجاوز النظام والمعارضة معاً. دون ذلك ودون العودة لرؤية وطنية لحل كافة المشكلات فإن التخندق الطائفي والقومي والعشائري سيكون نيراناً تأكل الأخضر واليابس الذي لم يحرق بعد في سوريا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.