د.عبد الصمد اسماعيل:

 -اقتصادياً إذاً نستطيع القول أن الليرة السورية ما زالت تسير نحو التدهور.

-ما زال ارتفاع الأسعار يتجاوز 1200% على الرغم من انخفاض سعر الدولار.

– ما تزال الليرة فاقدة 93% من قيمتها بالرغم من الانخفاض السحري الأخير في سعر الدولار.

 

ما زال المواطن السوري يتحمل التبعات السلبية للسياسات النقدية الخاطئة التي انتهجها #المصرف_المركزي تجاه سعر صرف العملة المحلية والتي افقدت #الليرة_السورية أكثر من 93% من قيمتها على الرغم من الانخفاض السحري الأخير في قيمة #الدولار منذ حوالي الأسبوعين.

money (1)ولما كانت العملة المحلية تشكل إحدى أهم أسس الاستقرار الاقتصادي في البلاد وقوتها امام العملات الأخرى تشكل إحدى أهم عوامل الثقة بالاقتصاد الوطني من جهة، وبالحكومة القائمة والسياسات الاقتصادية والأمنية التي تتبعها من جهة أخرى.

جاء تهاوي قيمة الليرة ليبرز على السطح ضياع الاستراتيجيات الاقتصادية في البلاد وضعف السياسات النقدية التي اتبعها المصرف المركزي ومجلس النقد والتسليف بهدف الحفاظ عليها. ذلك أن استقرار قيمة #العملة_المحلية يعني استقراراً في الأسواق وفي مستويات #الأسعار، وفي القدرات الشرائية للأفراد.

إلا أن ما حدث وبعد خمس سنوات من الأزمة وكل المحاولات الفاشلة من قبل المصرف المركزي لوقف تدهور الليرة والسيطرة على سوق الصرف أن الليرة استمرت بالانخفاض والتدهور حتى بات الأمر يشكل خطراً اقتصادياً كبيراً على المواطنين الأمر الذي دفع بإمكانياتهم وقدراتهم الشرائية نحو الانخفاض الكبير مما دفع بمعدلات الفقر نحو الارتفاع كما أنها شكلت تهديداً خطيراً للركائز الأساسية للحكومة القائمة؛ ولكيانها الاقتصادي ولأحد أهم أسس ومقومات الحفاظ على بقايا الاقتصاد الوطني واستقراره.

كيف ولماذا تدهور سعر صرف الليرة؟؟

Photo taken on April 29, 2010 in Paris shows 100 euro and 100 dollar bills. The dollar fell against the euro in volatile trade yesterday, as the market lurched amid the latest moves to ease Europe's debt crisis and showed little reaction to a Federal Reserve decision to keep rates unchanged. AFP PHOTO / THOMAS COEX

يعود #التدهور في قيمة الليرة السورية إلى الكثير من العوامل الهامة تأتي في مقدمتها #الحرب التي تعيشها البلاد والتي أفقدتها معظم مقدراتها الاقتصادية والبشرية وأصابت الجهاز الإنتاجي فيها بشلل شبه تام والتي تضاف إلى العوامل التالية:

-ضخ كميات كبيرة من العملة المحلية في #السوق بدون أية تغطية لا إنتاجية ولا من العملة الصعبة أمام تزايد الحاجة إلى #القطع_الأجنبي لتمويل المستوردات وتغطية نفقات الدولة الخارجية مما ساهم بارتفاع حجم الكتلة النقدية في السوق وارتفاع الطلب على الدولار وبالتالي انخفاضاً في قيمة الليرة السورية.

-ومع تراجع سيطرة الحكومة على كبرى مناطق إنتاج #النفط ومنشآتها لصالح المعارضة المسلحة تكون قد فقدت الحكومة أحد أبرز موارد تأمين القطع الأجنبي لديها. لتبدأ مرحلة الاعتماد على الدعم #الإيراني المباشر وغير المباشر في تأمين احتياجات #الاقتصاد_الوطني سواء من النفط ومشتقاته أو من السلع والمواد المستوردة وفق اتفاقية خطي ائتمان وقعت مع الحكومة الإيرانية بقيمة 7 مليار دولار أواسط عام 2013.

– مع الاستمرار في القتال تزايد حجم #الإنفاق_العسكري وحاجة الحكومة لتغطيته بجزء كبير من القطع الأجنبي التي كانت تملكه مما سبب نزيفاً في احتياطيات البنك المركزي وشكل حالة من عدم الثقة في قدرته على التحكم بسوق الصرف الأمر الذي ساهم بانخفاض قيمة الليرة وتضعضع الثقة بها.

-وأمام سياسة ترشيد المستوردات التي انتهجتها #وزارة_الاقتصاد والتجارة الخارجية في #سوريا خلال سنوات الحرب فقد تنامت ظاهرة تهريب السلع إلى السوق الداخلية وهذا ما شكل ضغطاً إضافياً آخر على سعر صرف الليرة السورية.

-ويأتي ارتفاع نسبة #البطالة المقنعة إلى مستويات عالية بسبب #نزوح الكثير من العاملين من مناطق عملهم إلى محافظات أخرى واستمرارهم بقبض مرتباتهم كأحد العوامل التي تساهم بزيادة حجم المعروض من الليرة السورية بدون أية تغطية إنتاجية إلى جانب صرف #التعويض_المعيشي (4000ليرة) للعاملين في الدولة وأيضاً بدون أية تغطية إنتاجية أو تأمين أي مورد مالي حقيقي لتمويل الزيادة في الرواتب والمعاشات مما انعكس انخفاضا في قيمتها الحقيقية وارتفاعا في مستويات الأسعار.

– تحت ضغط الظروف الأمنية والمعيشية الصعبة وهرباً من الموت توجه واضطرار الكثير من المواطنين وأصحاب المؤهلات العلمية والكفاءات إلى الهجرة خارج القطر بأعداد هائلة غير مسبوقة خلال العام الماضي. نتيجة التسهيلات التي قدمتها العديد من الدول الأوربية وفتح باب اللجوء في ألمانيا أمام أفواج المهاجرين مما ساهم في ارتفاع حجم الطلب المتزايد على القطع الأجنبي لتغطية نفقات الهجرة إضافة لخسارة تلك العقول والخبرات الأمر الذي شكل عاملاً إضافياً في ارتفاع سعر الصرف وتراجعاً في قيمة الليرة السورية أمام الدولار الأمريكي.

الجفاف يصيب مصادر توفير القطع الأجنبيmoney

مع تقدم سنوات الحرب والتراجع الواضح في قدرة الحكومة السورية في السيطرة على كامل مساحة الأرض السورية عسكرياً والتضعضع الواضح في قدراتها الاقتصادية الهشة أصلاً وخاصة بعد فرض العقوبات الغربية عليها فقد فقدت الليرة السورية أكثر من 93% من قيمتها خلال سنوات الحرب.

لتشهد معها مستويات الأسعار ارتفاعات جنونية تجاوزت 1200% حيث سجل سعر صرف الليرة السورية مستوىً قياسياً جديداً أمام الدولار الأمريكي الشهر الماضي بتجاوزه حاجز 650 ليرة للدولار الواحد بعد أن كان بحدود ثلث هذا المبلغ في نفس الفترة من العام الماضي.

وكان لارتفاع سعر صرف الدولار أسبابه الواضحة تجسدت بتزايد الطلب عليه وانخفاض الكميات المتوفرة منه حيث فقدت البلاد جل مصادر توفير القطع الأجنبي لها والتي كانت تشكل روافداً للخزينة العامة ساهمت بتكوين احتياطيات لابأس بها من القطع الأجنبي بلغت حوالي 20 مليار دولار عام 2010 وقد تمثل فقدان هذه المصادر في ما يلي:

-عوائد #الصادرات_النفطية: شكلت إيرادات النفط في سوريا نسبة 50% من مجموع الإيرادات العامة في سوريا بين عامي 1990 – 2010 كما شكلت الصادرات النفطية نسبة 65% من مجموع الصادرات السورية قبل اندلاع الأزمة ففي موازنة عام 2012 بلغت عوائد النفط 439 مليار ليرة منها 343 مليار ليرة عوائد مباشرة وكانت نسبة مساهمة الإنتاج النفطي تبلغ 25% من الناتج المحلي في سوريا قبل بداية الأزمة ثم تلاشت بشكل شبه نهائي بعد سيطرة المعارضة المسلحة على كبرى #حقول_النفط في سوريا.

-إيرادات #قطاع_السياحة: تراجعت أعداد السياح القادمين إلى سوريا من 5 مليون سائح عام 2010 إلى 400ألف عام 2015 كان معظمهم من مندوبي المنظمات الدولية وزوار الأماكن الدينية من #إيران وقد كانت نسبة مساهمة هذا القطاع في الناتج المحلي 14% ويوفر فرص عمل لـ 13% من مجموع القوة العاملة في سوريا قبل بدء الأزمة إلا أن خسائره تقدر الآن بما يزيد عن 3 مليار دولار.

– عوائد التصدير: تراجعت #الصادرات السورية خلال سنوات الأزمة بشكل مريع فقد انخفضت من 13.5 مليار دولار عام 2011 إلى 1.2 مليار عام 2015 نتيجة التوقف الكبير في الإنتاج وانتقال الكثير من المعامل والمصانع إلى دول الجوار.

-#تحويلات المقيمين في الخارج: والتي أصيبت بتراجع واضح أيضاً لأسباب متعددة كان من أهمها العقوبات المالية على المصارف وشركات تحويل الأموال السورية ومنع التحويلات من الخارج إليها فضلاً عن تجميد عملية التعاقد مع السوريين وفق عقود عمل من قبل العديد من #الدول_العربية التي كانت تشكل وجهة للسوريين.

-توقف #الاستثمارات_الأجنبية في سوريا بعد فرض العقوبات الاقتصادية عليها من قبل #الاتحاد_الأوربي و #الولايات_المتحدة الأمريكية مما دعا حتى بالشركات العاملة داخل البلاد إلى سحب استثماراتها والتوقف عن العمل والإنتاج داخل سوريا حيث بلغ مجموع التراجع في #رأس_المال المستثمر 28 مليار دولار وبلغ حجم رأس المال المتعطل 27 مليار دولار في حين بلغ رأس المال المتضرر 78 مليار دولار حتى نهاية عام 2014 بحسب المركز السوري لبحوث السياسات.

يضاف إلى ذلك خسارة الاقتصاد الوطني للكثير من رؤوس الأموال الوطنية التي خرجت من البلاد هرباً من الأزمة وتداعياتها والتي بلغت 22 مليار دولار فضلاً عن قيام الناس العاديين بتحويل ممتلكاتهم النقدية إلى عملة أجنبية أو مصاغ ذهبي قبل خروجهم من البلاد بهدف الهجرة أو البحث عن ملاذات آمنة للحياة والعيش.

وبذلك فإنه مع اشتداد الصراع المسلح واتساع دائرته، وتحول البلاد إلى ساحة قتال مفتوحة، الأمر الذي أدى إلى توقف نسبي كبير في عجلة الإنتاج الوطني نتيجة توقف الكثير من المعامل والمصانع الإنتاجية وتدمير البنية التحتية للاقتصاد الوطني والخراب والدمار الذي لحق بكبرى المدن الصناعية في سورية وبكل من محطات وشبكات الكهرباء والطرقات والجسور وشبكات المياه مما أدى إلى انخفاض الإنتاج من السلع والمواد الأساسية. الأمر الذي دفع بالحكومة نحو الاستيراد من الخارج، لتغطية حاجة السوق المحلية من السلع والمواد وخاصة الوقود والمحروقات الأمر الذي شكل بداية نزيف الاحتياطي النقدي للمصرف المركزي، ليتراجع إلى أقل من 2 مليار دولار العام الماضي بحسب تقارير دولية ثم ليبدأ بالتلاشي لأقل من 700مليون دولار الآن بحسب آخر تقرير للبنك الدولي حول #الاقتصاد_السوري الأمر الذي تسبب بسخط شديد لدى الحكومة السورية وادى برئيس وزرائها للقول أنه لا أزمة اقتصادية في سورية وإنما هناك حرب وإرهاب ممنهج في تصريح له لجريدة الوطن القريبة من الحكومة.

تراجع وهمي في قيمة الدولار أمام الليرةmoney

شهد الأسبوعين الماضيين تراجعاً وهمياً ملحوظاً في قيمة الدولار الأمريكي في السوق السورية وصل لمستوى 325 ليرة في بعض المناطق قبل أن يعاود صعوده النسبي بعد ذلك لتتراوح قيمته عند حدود 500 ليرة وتعود أهم أسباب هذا الانخفاض إلى مايلي:

-علاوة على تدخله المباشر والاستمرار في سياسة بيع شرائح نقدية من القطع الأجنبي لشركات الصرافة ومكاتبها اتخذ المصرف المركزي إجراءات تدخلية أخرى في #سوق_الصرف حيث ألزمت كل شركة صرافة بشراء مليون دولار وكل مكتب صرافة بشراء 100 ألف دولار بهدف سحب أكبر كمية ممكنة من الليرة السورية من السوق حيث لم تسلم الدولارات مباشرة مما أدى إلى انخفاض كبير في كميات الليرة في السوق تزامناً مع استمرار #ضخ_الدولار في إليه مما أدى إلى ارتفاع قيمة الليرة أمام الدولار.

– مع تخفيض سعر دولار التدخل قرر المصرف المركزي تسليم #حوالات المقيمين في الخارج والمرسلة عبر شركات الصرافة النظامية بسعر 575 ليرة للدولار الواحد وكان أعلى من سعر السوق ذلك اليوم مع إمكانية الاحتفاظ بالرصيد لدى المصرف بالقطع الأجنبي وقبضه بالليرة متى ما شاء صاحب الحوالة الأمر الذي شجع المقيمين في الخارج على إرسال حوالاتهم عبر شركات التحويل والصرافة النظامية ساهم في ارتفاع عرض الدولار مما تسبب بحالة نفسية في السوق شكلت إرتدادات نقدية أدت إلى انخفاض قيمة الدولار أمام الليرة السورية في السوق السوداء.

– وبالتزامن مع هذه الإجراءات فقد اتفق المصرف المركزي مع كبار تجار العملة في السوق السوداء والذين حازوا سابقاً خلال السنوات الأولى من عمر الأزمة على كميات كبيرة من القطع الأجنبي عبر المزادات التي كان المصرف المركزي يبيع من خلالها الدولار بمائة أو مائة وعشرين ليرة بهدف السيطرة على سعر الصرف اتفق معهم على تخفيض سعر السوق السوداء لفترة وجيزة حتى تتمكن الإجراءات السابقة من عملها في السوق وهذا ما حصل بالفعل (وكان نوعاً من رد الجميل).

وبذلك تكون الليرة السورية قد فقدت معظم المقومات التي كانت تدعم استقرارها سابقاً وأبقت سعرها شبه مستقر أمام الدولار الأمريكي خلال السنوات التي سبقت نشوب الأزمة في البلاد.

اقتصادياً قيمة الليرة نحو التدهورdo

تتأثر قوة الليرة بالدرجة الأولى بقوة الجهاز الإنتاجي وتحسن ميزان المدفوعات وهنا نستطيع القول أن الليرة السورية ما زالت تسير نحو التدهور والدليل الأوضح على ذلك:

–  هو الارتداد المعاكس وبسرعة قياسية تجاوز الدولار حاجز الـ 500 ليرة مرة أخرى وبأقل من 24 ساعة يعد أن وصل لأقل من 325 ليرة

–  الارتفاعات المستمرة في مستويات الأسعار ودون هوادة حيث لم تشهد أسواق السلع والخدمات أية انخفاضات في الأسعار بل على العكس ما تزال الأسعار تنحو باتجاه الارتفاع ذلك أنه لم تحدث أية تحولات إيجابية في بنية الأسواق ولا داخل الاقتصاد الوطني لا من حيث توفر السلع والمنتجات ولا من حيث استقرارها أو ضبط حركتها ومراقبتها من قبل الجهات التموينية المختصة.

– إتمام الكثير من صفقات التبادل التجاري بالعملة الأجنبية كما في سوق العقارات أو السيارات أو الصفقات الكبيرة للمنتجات الغذائية، فضلاً عن تقدير قيمة نقل وشحن البضاعة بين المناطق السورية بالدولار ثم تحويلها إلى الليرة السورية.

خاتمة القول dollar4

ما يتبادر للذهن الآن هو لما كان لدى الحكومة من الأدوات السحرية والربانية في تخفيض سعر الدولار بهذه السرعة فلماذا تركت المواطنين يكتوون بنار الأسعار العالية التي ارتفعت لمستويات جنونية نتيجة تدهور قيمة الليرة أمام الدولار الأمريكي.

ما حدث في سوق الصرف خلال الأيام القليلة الماضية ما هو إلا نوع من المضاربة في السوق من قبل المصرف المركزي وكبار تجار العملة المتضامنين معه والمستفيدين من سياساته خلال سنوات الأزمة الماضية وجاء رداً على تقرير البنك الدولي الأخير الذي جاء فيه أن احتياطيات المصرف المركزي السوري وصلت لحدود 700 مليون دولار فقط وما قام به المصرف لم يكن إلا رد فعل غير عقلاني تجاه هذا التقرير بدلاً من الوقوف عنده واتخاذ الإجراءات الاقتصادية والنقدية اللازمة والكفيلة بتصحيح مسار الليرة ووقف تدهورها على أقل تقدير.

فالبلد تعيش حالة فوضى اقتصادية مريعة تدل مؤشراته الاقتصادية على الحالة المرعبة التي وصل إليها الاقتصاد السوري والذي وصلت خسائره حسب آخر تقرير للأمم المتحدة الشهر الماضي مبلغ 259.6 مليار دولار ولم تقدم الحكومة على أية إجراءات من شأنها إحداث استقرار نسبي في سوق الصرف فالصادرات لم تعد لسابق عهدها وحقول النفط ما زالت خارج سيطرتها والجهاز الإنتاجي يعمل بأقل من طاقته بكثير والعقوبات الغربية مستمرة كما أن الأسعار ما تزال تحلق عالياً عالياً. كل هذا أمام تراجع حجم الناتج المحلي لمستويات متدنية يتوقع أن تصل لحدود 15 مليار دولار فقط هذا العام وبالتالي نستطيع القول بأن الدولار سيعاود ارتفاعه مرة أخرى والهاجس الوحيد الآن أن يتصاعد سعره بتواتر أعلى مما كان.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة