عمار الحلبي – دمشق:

اضطرت نورا السالم لبيع قطعتين من الذهب كانت قد احتفظت بهما وغرفة الجلوس وبعض المعدات الكهربائية الأخرى، لإنقاذ حياة والدتها التي كانت تحتاج لعملية “قثطرة” سريعة، قبل أن تسافر مع والدتها إلى مدينة #اسطنبول التركية نهاية العام الماضي.

 

تقول الشابة البالغة من العمر 27 عاماً، أنها “لجأت لهذا الخير كحلٍ أخير، بعد أن أُغلقت بوجهي جميع الأبواب، حاولت الإستدانة دون جدوى والراتب الذي أتقاضاه لا يكفي لعشرة أيام من المعيشة فكيف يكفي لعمل جراحي؟”

تكنيك بيع المقتنيات

على غرار نورا اتجه السوريون لبيع المقتنيات الشخصية لهم، بدايةً بالاحجار الكريمة كـ #الذهب و #الفضة، مروراً بمفروشات المنازل وليس نهايةً عند الأغراض الشخصية والألبسة.

يعتبر العوذ الإقتصادي وفشل معظم السوريين بتأمين حياة معيشية كريمة أحد أهم الأسباب للجوئهم لبيع أغراضهم، حيث فشلت جميع الطرق الأخرى بما فيها زيادة ساعات العمل، والتقشف بالطعام والشراب والملبس، والاعتماد على المعونات الغذائية.

باع رأفت الماكيرويف والفرن الألي والمكوات والسيشوار ومكبس الشطائر، بغرض دفع مبلغ 120 ألف# ليرة لمعهد تعليمي خاص، لتدريس ابنه دروس خصوصية في الشهادة الإعدادية العلمية مطلع العام الحالي.

يقول رأفت، الذي يعمل حرفياً بمجال الكهرباء: “أتقاضى شهرياً 40 ألف، ويعتبر راتبي مرتفعاً مقارنةً بالموظفين العاديين، ورغم ذلك لم أتمكن من تأمين معهداً لدراسة ابني”، موضحاً أن “المبلغ ليس كبيراً لكن مستوى معيشته أصبح بالحضيض حتى انتهى المطاف به لبيع أدوات منزله الكهربائية”.

أسواق الكترونية

“للبيع غرفة نوم وأدوات مطبخ كاملة بداعي الحاجة لأموال وبسعر مغري، على من يرغب بالبيع التواصل على الخاص”، قد تكون هذه الجملة مثيرة للجدل، لكن إذا جلتَ بموقع “فيسبوك” ستجد المئات منها يومياً.

ومع ازدياد الرغبة ببيع المقتنيات الشخصية، غصًّ موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” بعشرات الصفحات والغروبات الخاصة ببيع الأغراض الشخصية، حيث يلجأ السوريون للموقع الأزرق لتسيير بيع ما يرغبون ببيعه.

تعرض هذه الصفحات والمجموعات كل ما يمكن بيعه، فلا يكاد يمرُّ يوماً إلا ويعرض به أدوات منزلية، أثاثات ومفروشات، انتيكا وزينة منازل وملابس وغيرها.

يقول آدمن صفحة “مستعمل” لموقع #الحل، والتي تحوي حوالي 14 ألف مشترك، أنه أسس الصفحة نهاية عام 2013 وحققت نسبة متابعة عالية.

يشرح الآدمن الذي رفض ذكر اسمه: “هناك عدة مزايا للصفحة، أبرزها عدم وجود وسيط بين البائع والمشتري، لأن عملية البيع والشراء تقوم على التواصل المباشر”، ويوضح أن “الناس يلجأون إليها أيضاً لكثرة العروض لمختلف الأغراض التي تحتويها من جهة، ومن جهة أخرى فإن معظم الأشخاص الذين يعرضون أغراضهم للبيع يكونوا بحاجة ماسة للأموال لذلك فإن نسبة البيع تكون مرتفعة جداً”.

لا يذكر الآدمن تماماً عدد المقتنيات التي تم بيعها عن طريق صفحته، لكنه وصفها بالهائلة بقوله: “تحولت الصفحة إلى سوق ألكتروني ضخم، يومياً لدينا أكثر من 50 عرض بيع لقطع وأدوات مختلفة بما فيها الألبسة والأحذية المستعملة.

النظام مستفيد

يقول عزام دعبول الحاصل على ماجستير علوم الاقتصاد لـ”موقع الحل”، إن النظام متسبباً في هذا الحال الذي وصل السوريون إليه لكن بشكل غير مباشر.

ويشرح الخبير، بأن النظام خفّض الدخل للسوريين مستفيداً من تهاوي قيمة الليرة أمام #الدولار، ما يجعل السوريين يقبضون أموالاً بعملة فاقدة أكثر من 80% من قيمتها الشرائية، وبالتالي فإن عليهم أن يتدبروا أنفسهم بالمعنى الحرفي للكلمة، عبر ما يُعرف اقتصاد الحرب، الذي انتهجه النظام وفرضاً ظروفاً على المواطنين لانتهاجه هم أيضاً.

وأضاف دعبول: “مع مرور الوقت سيؤدي هذا النهج لتجمّع الثقل المالي السوري بأيدي شريحة معينة من جماعة معيّنة، بينما سيبقى السواد الأعظم من السوريين بوضع أقتصادي يرثى له”، موضّحاً أن تتبع مسار الدخل والإنفاق في #سوريا يكشف بكل بساطة أن وضع السوريين المعيشية سيء بشكل عام، لكن الأمر المختلف هو التراجع الواضح في مستوى معيشتهم حتى اضطروا في نهاية المطاف لبيع مقتنايتهم الشخصية وهو واحد من الحلول الأخير.

وتسائل دعبول: “بعد أشهر من بيع المقتنيات الشخصية ماذا بقي للسوريين من طرق يستخدمونها للعيش؟”، معتبراً أنه حتى مطلع 2017 ستبدأ البلاد تشهد بوادر مجاعات، ولو كان في مناطق محددة على أقل تقدير.

كساد الأسواق الأخرى

ومن ناحية أخرى، تسبب هذا النهج الذي اتبعه السوريين، بكساد واضح في أسواق المفروشات والأدوات الكهربائية وحتى الألبسة، فلم يعد من السوريين من يشتري البضائع الجديدة إلّا من لديه هامش دخلٍ كبير جداً، يستطيع من خلاله اقتناء حوائج المنزل الكبيرة كغرف النوم والجلوس والبراد والغسالة وغيرها من الأشياء التي يحتاجها السوريون في تأسيس بيوتهم الجديدة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.