منار حدّاد- دمشق:

تحوّل (سوق البزورية) وسط العاصمة #دمشق من سوق أثري لبيع التوابل والسكاكر والصابون، إلى عيادة طبّية ضخمة، وبات يقصده الناس للتداوي، بدلاً من شراء حلوى المناسبات.

 

السوق المتصل مع “شقيقه” الحميدية عبر السوق المعروف باسم (سوق تفضلي)، يحتوي على عشرات المحلات الخاصة ببيع #الأعشاب، التي كانت مصدراً رئيسياً للتداوي والطبابة، حيث كان بائع الأعشاب يُسمّى “عطّاراً”، لكن هذه المهنة اندثرت بعد تقدّم الطب بشكلٍ كبير، لتعود اليوم إلى #دمشق وتصبح مصدراً للأدوية من جديد، ولا سيما للمواطنين الفقراء، نتيجة الارتفاع الكبير الذي طال سعر #الدواء وفقدان أنواع كثيرة، إضافة إلى أجور #الأطباء والمعاينة في #سوريا.

أعشاب لكل الأمراض

“لا يوجد داء إلا وله دواء”، على هذا المثل الشعبي كان العطارون يعملون قبل مئات السنين، وعلى المبدأ ذاته يعملون اليوم، فالأعشاب متوفّرة لكل الأمراض على اختلاف أنواعها، وفقاً لما يشرح أحمد هلال، وهو بائع توابل وأعشاب في سوق البزورية بدمشق.

هلال قال في حديثه لموقع #الحل: “نستطيع تقريباً تغطية جميع أنواع الأمراض وتأمين علاج بالأعشاب لها، وتمكّنا من علاج الكثير من المواطنين الذين هجروا الصدليات وجرّبوا الأعشاب، ليعودوا لاحقاً لشرائها وذلك لمداواة معارفهم وأصدقائهم”.

وأوضح أنه “يوجد عشبة (الحلبة) الخاصة بعلاج مرض الجهاز التنفسي والربو والسعال وأمراض الحلق والحنجرة والصوت، إضافة إلى عشبة (الحنظل) المتخصّصة بأمراض الجهاز الهضمي، وبإمكانها علاج أمراض المعدة وتقرّحاتها والتهاب الأمعاء ومعظم أمراض الجهاز الهضمي الأخرى”.

وبيّن بائع التوابل أنه “توجد عشبة (الذنيان) المخصّصة للأمراض التناسلية والعقم عند الرجال والمهبل عند المرأة”، متابعاً الحديث عن عشبة (السنا) التي تقوم بتنقية الدم والتخلّص من الفطريات في الجسم والفتك بالفايروسات، ويضاف إليها عشبة السدر الخاصة بالأمراض الجلدية ولئم الجروح والتقرّحات والتشوّهات، بحسب تعبيره.

الأدوية والأعشاب علاج واحد

لا يجد هلال فرقاً كبيراً بين طب الاعشاب وطب الأدوية المتطوّرة، إذ كشف أن معظم أنواع الأدوية الحديثة التي تُباع بمبالغ مادية كبيرة، تم استخلاصها من الأعشاب التي يبيعها.

ويضيف أنه “شخصياَ وعائلته يتداوى بالأعشاب منذ نحو عشرات السنين ونادراً ما يتجه لشراء الأدوية”.

من جهة أخرى، اعتبر أنها “صحّيةً أكثر من الأدوية التقليدية واحتمال سرعة العلاج بالأعشاب أفضل من الأدوية العادية”.

أرخص من الأدوية العادية

على الرغم من طفرة ارتفاع الأسعار التي شهدتها #سوريا خلال السنوات الماضية، والتي أدت إلى ارتفاع معظم السلع، نتيجة انخفاض سعر صرف #الليرة_السورية مقابل #الدولار أكثر من عشرة أضعاف، غير أن الأعشاب تُعتبر حتى اليوم دواءاً رخصياً نوعاً ما فيما لو قارنناه بباقي الأسعار، أو اسقطناه على سعر الأدوية العادية، فالأعشاب تُباع بمبالغ بسيطة وبإمكان المريض أن يحصل على كفايته فقط كون هذه الأعشاب تُباع حسب وزنها بالغرام الواحد.

إذ يبلغ سعر الـ 100 غرام من من عشبة البابونج 60 ليرة سورية، وهو يكفي للشرب ثلاث مرات، وفقاً لما يوضح تاجر في سوق البزورية لموقع “الحل السوري”، فيما يبلغ الـ 100 غرام من عشبة الحلبة 180 ليرة، والحنظل 250 ليرة والسنا 300 ليرة سورية، وهي مبالغة يستطيع أصحاب الدخل المحدود دفعها والحصول على الخدمة الطبية.

جنون الاستطباب

في مقابل رخص أسعار الأعشاب فإن الطب في سوريا بات متاحاً للطبقة الميسورة مادياً، فمعاينة الطبيب بلغت ما بين 2000 إلى 4000 آلاف ليرة، في حين أن إجراء التحاليل والصور الإشعاعية بات صعب المنال، حيث بلغ ثمن صورة (الإيكوغراف) 9 آلاف ليرة، والرنين المغناطيسي 15 ألف والطبقي محوري 35 ألف ليرة، وارتفعت معها أسعار الدواء بنسبة أكثر من 50%، ما جعل اللجوء إلى الأعشاب أمراً طبيعياً، في ظل انخفاض القوة الشرائية.

إقبال كبير

التاجر أحمد هلال قدّر خلال حديثه مع “الحل” معدّل المبيعات للأعشاب بأنها ارتفعت ستة أضعاف، مؤكّداً “وجود إقبال واضح من المواطنين عليها”، وهو أمر تؤكّده ميساء، التي لجأت للمرّة السادسة على التوالي لشراء الأعشاب كأدوية.

تقول ميساء لـ “الحل”: “عالجتُ أسرتي كلها هذا الشتاء من التهابات الجهاز التنفسي من سوق البزورية، وقبلها ساعدت شقيقتي على شراء أعشاب بعد تعرّضها لمغص شديد في المعدة نتيجة مرض هضمي.

من جهة أخرى يؤكّد عمر، وهو مواطن سوري يعيش في مدينة #صحنايا بريف #دمشق أنه “وجد بديلاً عن زيارة الأطباء في طب الأعشاب واصفةً إياه بالأكثر صحياً”.

وقال عمر لـ “الحل السوري”: “كنت أحاول أن أداوي أولادي بطرقٍ تقليدية، فأدعهم يشربون الكمون عندما يعانون من ألمٍ في المعدة، أو مشروبٍ آخر خلال التهاب الصدر، والبن خلال الجروح ومعجون الأسنان خلال الحروق هرباً من شراء الدواء”.

أدوية غير فعالة

معظم الأدوية حالياً والمنتجة محلياً، أصبحت غير فعالة بحسب استطلاع موقع الحل للعديد من آراء المواطنين، حيث تقول هند وهي (ربة منزل) “الأدوية اليوم أصبحت غير فعالة، فمثلاً (حب السيتامول) المسكن لآلام الرأس، أصحبت اليوم اتناول 10 حبات دفعة واحدة دون نتيجة، والأمر هذا يسري على أدوية الالتهاب والمسكنات العامة”.

هذا الأمر أكده أحد مستوردي المواد الخاصة بصناعة الأدوية محلياً، والذي فضل عدم الكشف عن اسمه حيث قال: “نتيجة ارتفاع سعر الصرف والإجراءات التي تفرضها حكومة النظام وارتفاع #الجمارك والتدقيق الشديد والصعوبات في الحصول على #إجازات_الاستيراد، تحولنا في استيراد المواد الفعالة الخاصة بتصنيع الأدوية من #الدول_الأوروبية إلى #الدول_اللاتينية و #روسيا و #الهند، والتي تعتبر أقل جودة”، معتبراً أن الأمر ليس من مسؤولية النظام وحده، حيث قال “العقوبات الأوروبية على سوريا ساهمت في تفاقم هذه الأزمة”.

لكنه في المقابل أكد أن “شركات تصنيع الأدوية محلياً، ونتيجة عدم استجابة حكومة النظام لرفع أسعار الأدوية، لجأت إلى التخفيف من المواد الفعالة في هذه الأدوية لتتمكن من تحقيق هامش ربح مناسب لها”، مشيراً إلى أنه “في بعض الأدوية تأخذ شريط حب كامل ولا تحصل على النتيجة المرجوة من هذا الدواء”.

وتبقى تصريحات مسؤولي النظام هي الدليل الدامغ على الأزمة التي يعاني منها هذا القطاع اليوم، وهروب المواطنين إلى بدائل بأقل تكلفة وبنتائج أفضل، حيث كانت آخر تصريحات نقابة الصيادلة التي أكدت  “وجود نقص شديد في العديد من الزمر#الدوائية في السوق المحلية وارتفاع أسعارها، على الرغم من صناعتها محلياً”.

وكان نقيب صيادلة ريف دمشق عبد الوهاب قسيمي قال مؤخراً  إن “نسبة فقدان شربات السعلة والمضادات الحيوية للأطفال بلغت نحو 90 بالمئة”، مؤكداً أن “الآلية الجديدة التي وضعتها وزارة الصحة للتسعير فشلت، ولم تحقق غايتها”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.