علي بهلول – الحل السوري

تعكس المشاركات السورية في مهرجانات سينمائية عالمية، مثل #مهرجان_كان (أولهاعام 2002 بفيلم “صندوق الدنيا” للمخرج أسامة محمد، وأحدثها بفيلم “قماشتي المفضلة” للمخرجة #غايا_جيجي المشارك في العام الجاري)، حقيقة الوضع السياسي والاجتماعي في سوريا.

فبين فترتين زمنيتين من تاريخ سوريا السياسي، (ما قبل وما بعد عام 2011)، أظهرت نوعية المشاركات السورية السينمائية مستوى القمع في الداخل السوري، ومقدار الاستفادة من هامش الحريات للسوريين المنفيين، فضلاً عن سوية الوعي السينمائي والفني لدى شريحة لابأس بها من السوريين.

كان” خارج دعاية النظام

من جهة النظام السوري الذي عمد إلى استغلال أي حدث من هذا النوع لتقديم نفسه للمجتمع الغربي كنظام منفتح قابل لتعدد الأصوات داخله، لم يختلف تعاطيه مع المشاركات السورية بعد الثورة في مهرجان “كان” عمّا كان قبلها، وفق حديث للناقد الفني أنس عدنان، للحل السوري.

فمنذ دخول فيلم “صندق الدنيا” إلى “كان”، تعامل النظام مع هذا الإنجاز بتهميش متعمد كون الفيلم حمل رسائل سياسية رمزية، إلى درجة منع عرضه في سوريا بينما كانت جماهير عالمية تحتفي به.

وبحسب عدنان فإن سياسة “فلترة” المواد الفنية والثقافية من قبل وزارتي الثقافة والإعلام، لم يطرأ عليها أي تعديل، بل أنها أصبحت أكثر تشدداً بعد “الثورة”.

وتقوم سياسة “الفلترة” على تصفية أي اسم أو عمل معارض من النتاج المسموح بعرضه وتداوله والترويج له في سوريا. وبعد “الثورة” ووصف المتفاعلين مع هذا النتاج بـ “الخونة”، ما أدى إلى تراجع مساحة الحرية بالتعاطي مع الأفلام السورية داخل سوريا نفسها، إذ ارتدع القائمون على الأمر عن محاولة تمرير بعض الأعمال والسماح بعرضها، وفق عدنان.

ويلفت عدنان إلى أن السماح لبعض المخرجين الذين يصفون أنفسهم بـ “المعارضين” بعرض أفلامهم في دمشق، مثل فيلم “حرائق” للمخرج محمد عبد العزيز (عرض في سوريا بعد أربع سنوات من عرضه حول العالم)، لا يمكن أن يجري أيضاً على الأفلام المشاركة في “كان”.

ويعود سبب ذلك إلى قناعة النظام بقدرته على تحطيم والتحكم بمونتاج أي فيلم تتم صناعته داخل سوريا حتى لو كان “معارضاً”، بحيث يستفيد من هدفه الترويجي بالسماح بعرضه في الداخل، دون أن يضر بخطاب النظام، وبناءً على هذه الأسباب يضحي النظام بالأفلام العالمية للسوريين في سبيل السير قدماً في دعايته، وفق عدنان.

سيرياتيل ونجدت أنزور في مواجهة “كان

ويوضح عدنان، أنه حتى مع السماح لبعض الأفلام “المعارضة” بالعرض في دمشق، يكون تناولها مجحفاً بحق قيمتها الفينة وعلى هامش النشاط السينمائي في سوريا، في حين ينصب اهتمام إعلام النظام على الترويج للأفلام التي تنطق بلسانه وتلمع صورته كالتي يخرجها نجدت أنزور، أو تنتجها شركة سيرياتيل، أو التي يعيش مخرجوها في سوريا، ولهم موقف سياسي واضح وداعم للنظام.

وهكذا يكسب النظام صورة خارجية منفتحة بسماحه بإخراج أفلام معارضة داخل أراضيه، في حين يحرم المخرجين من قدرة الترويج لأعمالهم كون جميع صالات السينما محتكرة من قبله، ولا وجود لسينما مستقلة تنجو من مقص الرقابة، وفق عدنان.

اختيار الأفلام السورية في “كان”

هذه الرقابة السياسية المشددة على الفن في سوريا، تسببت بضعف الوعي السينمائي، لدى صنّاع السينما وجمهورها وحتى وسائل الإعلام التي تتناولها في سوريا سواء في الداخل أو المهجر.

فمهرجان “كان” هو واحد من أهم المهرجانات التي تتيح منصة غير رسمية خارج المسابقة ولا تتدخل لجنة المهرجان في اختيار الأعمال المعروضة فيها، وتتيح لمن يرغب بعرض أفلامه من خلال إرسالها عبر الإنترنت مع رسوم مالية للمشاركة، لعرضها على من يرغب بمشاهدتها من جمهور المهرجان.

إلا أن الإعلام كثيراً ما يروج لأي فيلم سوري معروض في “كان” كإنجاز سينمائي، دون حصوله على أي جائزة أو اهتمام لافت من قبل النقاد، بسبب غياب هذه المعايير عن ذهن معظم المتابعين.

ويشير الناقد إلى أهمية وصول أفلام سورية مختارة بشكل رسمي إلى “كان”، في ظل غياب الوعي السينمائي هذا، وهو ما بات ملاحظاً بعد قيام الثورة، واصفاً إياه بـ”الإنجاز الحقيقي” مع ضرورة الأخذ بعين الاعتبار إلى عدم الانجرار إلى الترويج لأعمال غير مستحقة.

الأفلام الوثائقية تسيطر على المشاركات السورية

غلب الطابع الوثائقي على المشاركات السورية في “كان”، في حين كانت الأفلام الروائية التي حملت طابعاً إيديولوجياً أو فكرياً أو تحليلياً التي تناولت القضية السورية من نصيب إنتاج غير سوري، وهو ما يتعلق بالبيئة السينمائية المؤهلة للخوض في مثل هذه التجارب، فضلاً عن المساحة الهادئة والمريحة التي يستطيع معها المراقب الخارجي محاكمة الوضع في وسوريا.

من الناحية الوثائقية حققت الأفلام السورية الوثائقية نجاحاً لافتاً، إذ ساهمت البيئة السورية الحقيقية وعدم حاجتها لإعداد استديو تصوير، واعتمادها على ضحايا حقيقيين وليسوا ممثلين، بإيصال صوت أكثر ملامسة للإنسانية من الخبر، وقربت الجمهور من الوضع الإنساني في البلاد،  حسب وصف الناقد.

هكذا يمكن فهم سبب قوة بعض الأفلام الوثائقية السورية في مهرجان “كان” أو غيره، كونها قادمة من أرض الواقع، ممتلئة أساسا بالعناصر الحقيقية، ما ساعده بتوفير الشروط الفنية المطلوبة لهذا النوع من الأفلام.

أبرز المشاركات السورية في “كان

كما أشرنا سابقا، كان فيلم “صندوق الدنيا” عام 2002، أول عمل روائي سوري يشارك في مهرجان كان، ويناقش الفيلم موضوع السلطة الديكتاتورية في سوريا، من خلال نموذج عائلي مصغر لجد يقنع أفراد أسرته بإنجاب أطفال يختار أحدهم لحمل اسمه والحصول على إرثه، وتتم ولادة ثلاثة أطفال خلال فترة احتضاره، يعيشون دون اسم ريثما يختار الجد/القائد وريثاً منهم.

ليعود مخرج الفيلم أسامة محمد إلى المهرجان مرة أخرى بعد “الثورة السورية”، بفيلم “ماء الفضة” عام 2014، لكن بشكل توثيقي وأكثر صراحةً بتناول “وحشية النظام”.

وقام الفيلم على تجميع مقاطع الفيديو التي صورها ناشطون بكاميرات موبايلاتهم، أبرزهم الناشطة الكردية وئام سيماف بدرخان، وتناولت “الثورة” منذ أول مظاهرة في درعا، مروراً بدوما واللاذقية وبانياس، حتى حصار حمص الذي تولت بدرخان تصويره في حيي بابا عمرو والخالدية.

كان “ماء الفضة” هو الفيلم العربي الوحيد المعروض في “كان” عام 2014، ونال إعجاب الجمهور الذي أطلق عليه اسم “فيلم الثورة السورية”، بسبب أسلوبه المعتمد على التصوير البسيط واستغلال الإمكانات المحدودة (على اعتبار المصورين غير محترفين).

كما شهد عام 2016 حضوراً مميزاً للسوريين في “كان”، من خلال فيلم “المترجم”، للمخرجة وكاتبة السيناريو رنا كزكز، والمخرج والمنتج أنس خلف، الذي حصل على جائزة أفضل مشروع لفيلم روائي طويل، في الدورة 13 من ورشة عمل المؤسسة السينمائية “Cinéfondation” التابعة لمهرجان “كان”.

وتدور قصة الفيلم حول مترجم حصل على حق اللجوء عام 2000 في استراليا، خلال مرافقته للمنتخب السوري الأولمبي إلى هناك، لكنه عاد إلى وطنه بعد رؤية أخوه معتقلاً في أحد أشرطة الفيديو التي كان يعمل على ترجمتها لصالح قناة تلفزيونية محلية يعمل فيها.

أما الأفلام القصيرة فكان لها مشاركةً بارزة عام 2013، من خلال فيلم التحريك “قماش على مواد مختلفة”، للمخرج جلال الماغوط، والذي قدم من خلاله نظرة مختلفة للحرب بوصفها عاملاً في نشوء حضارات مثلما تساهم  في انهيارها أيضاً، كطرح جديد لفلسفة اليأس من قدرة البشر على إنهاء الحرب، وقام بتصوير الغراب كرمز موازي ونقيض لحمامة السلام.

كما أثار الفيلم القصير “البحث عن عباس كيارستامي” للأخوين ملص، عام 2015، سؤالاً في “كان” حول دور المثقف الإيراني بالوقوف إلى جانب مطالب الشعب السوري، من خلال بحث رمزي عن المخرج الإيراني العالمي كيارستامي.

في حين شكل فيلماً قصيراً آخر هو “رسالة إلى” عام 2016، سيناريو فدوى سيلمان وإخراج رامي حسون، إدانة للعالم الصامت حول وضع المعتقلين في سوريا، من خلال تصوير معاناة أربع معتقلات سوريات.

أما عام 2018 فشهد اختياراً رسمياً للفيلم الروائي “قماشتي المفضلة” للمخرجة غايا جيجي، ضمن قسم “نظرة ما”، والذي يطل على وضع النساء في سوريا بعد الثورة السورية من خلال قصة زواج تقليدي، تدفع ببطلته للبحث عن الحرية بأي وسيلة متاحة.

يتضح من خلال المشاركات السابقة المقبولة في المهرجان، اهتمام “كان” بإيصال صورة إنسانية من الداخل السوري، بالتركيز على الفئات الأشد ضعفاً من المجتمع لا سيما النساء والمعتقلين.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.