إن المتأمل في الأدب النظري المتعلق بهذه التيارات الدينية سيرى أن لديها بُنىً تنظيمية متنوعة، أولها البنية الهرمية، والشبكية، التي يندرج أسفلها نماذج من الخلايا الكامنة.

أكبر مثال على البُنى الهرمية هو “جماعة الإخوان”، إذ لها سلسلة رأسية محددة جيداً للقيادة والمسؤولية، حيث تتكون قاعدة الهرم من المؤيدين، وقمة الهرم تمثل القيادة.

المهم هنا هو الأجنحة داخل البناء الهرمي، فسنجد داخل “جماعة الإخوان”: الفرع الاقتصادي، وفرع النظام الخاص، والفرع السياسي، والفرع الدعوي، وفي كل هذه الأفرع تنظيم علني وآخر موازي سرّي كامن.

ويقول الدكتور محمود أبو السعود عن التنظيم الموازي: “أصبحت جماعة الإخوان مكونة من أُسر أو خلايا أو غير ذلك من الأسماء، تسير حسب النظام الذي اشترعه إخواننا، وهو نظام الجهاز، وهو نظام في صادق تصورهم خير ما يجب أن يكون عليه النظام، وذلك مبلغ علمهم فلا تثريب ولا تجريح”.

أما التنظيمات ذات البنية الشبكية، فهي ليس لها رأس تنظيمي محدد ولا هيكل واضح للقيادة والمسؤولية، وحتى تكون فعالة، تتطلب الشبكات فكرة موحدة، واهتماما، وهدفا أو أيديولوجية، ويسمح هذا الشكل المرن للتنظيم بقدرة أكبر على البقاء لفترات طويلة وفي ظل أوضاع مختلفة، كما يسمح لعناصر التنظيم بقدر أكبر من المبادرة وحرية اتخاذ القرار.

ثلاثة أنماط هياكل شبكية

هناك ثلاثة أنماط رئيسية من الهياكل الشبكية، تعتمد في تصنيفها على الطرق التي تتصل بها العناصر (العُقد) مع العناصر الأخرى داخل بنية الشبكة، وهي: التنظيم السلسلة، حيث يتّصل كل عنصر من عناصر الشبكة بالعنصر الذي يليه بشكل متتابع على شكل “سلسلة”، وتنظيم المركز والعجلة: وفيه تتصل العناصر التي تقع على الحافة الخارجية للشبكة، (إطار عجلة) مع عنصر مركزي واحد، وتنظيم القنوات المتصلة: وفيه تتصل جميع العناصر مع بعضها البعض. وتأخذ الشبكة شكلا “مسطّحا”، بمعنى أن القيادة والسيطرة موزّعة بالتساوي تقريبا بين عناصر الشبكة.

يرى البعض أن ثمة أنواعا من الخلايا، منها الخلية المركزية، ومنها الخلايا الكامنة

ويرى خبراء آخرون أن هناك أنواعا من الخلايا، أولا الخلية المركزية، وثانيا الخلايا الكامنة، وهي التي تنفّذ المهمات والأعمال الرئيسية للتنظيم بسرية تامة ومنها الأعمال التشغيلية والأعمال الخاصة بالمهمات الميدانية سواء التنفيذ للعمليات الإرهابية أو العسكرية، وأما الأعمال التشغيلية تتركز على الاتصالات وتمرير المعلومات الإدارية لعناصر الشبكة الإرهابية، والقيام بتجهيز وتدريب العناصر الإرهابية، وتأمين خطوط الاتصال بين عناصر التنظيم، وثالثا الخلايا اللوجستية.

بناءً على ما سبق تنتج لنا حالة الكمون مجموعة من البُنى والهياكل التنظيمية، أولا، الخلايا الفردية، وهي مجموعات غير مترابطة، وأفراد مجندينَ، عن طريق استغلال العاطفة، والمناخ الموجود في الدولة، والذي يدفع كله في اتجاه العنف، سواء عبر الممارسات السياسية الخاطئة، أو عبر الممارسات الأمنية الأشد خطأً، أو الملفات التي لم تُغلق بعد، مثل ملف اعتصام رابعة وما جرى به.

ويرى البعض أن هناك خلطا كبيرا بين الذئاب المنفردة والخلايا الإرهابية النائمة، وهما شكلان مختلفان تماما، فالخلايا النائمة هي خلايا تنظيمية مرتبطة بتنظيم إرهابي ويتم تدريبها ودعمها بالأموال والدعم اللوجستي والأوكار وكافة أشكال الدعم وتُزرع في بلد ما لفترة غير محددة حتى تتبدد الشكوك من حولها تماما، ثم في لحظة ما تصدر لها الأوامر بتنفيذ عمليات محددة بتوقيتات وأهداف لا تحيد عنها، وهي لا تعمل بشكل تنظيمي، ولا يوجد بينها رابط فكري، ولا تعلن عن نفسها تنظيميا، حيث تظهر في صورة مجموعات صغيرة من الإسلاميين، وتعقد اجتماعاتها بشكل منظّم، وتُعد الأكثر خطرا؛ لأنها يسهل تنشيطها للعمل المسلح ودفعها لتنفيذ عمليات جهادية بمجرد وجود مَن ينظّم أفكارها أو يوفر لها الدعم، سواء من ناحية التمويل أو التدريب؛ وبالتالي يمكن استغلالها بسهولة في تنفيذ عمليات ضد أيّة أهداف، وقد تكون مهمتهم توجيه ضربة خلفية لجبهات القتال الفاعلة والناشطة عملياً على أرض الواقع، فالسّرية بالنسبة للخلية النائمة، أمرٌ جوهري وضروري بل وحتمي، لتمكين التنظيم من البقاء بعيدا عن الأنظار.

أما ثانيا، المجموعات المنشطرة، وهي كامنة متوالدة عن طريق الانقسامات التي تحدث كل حين بين التيارات المختلفة، والتي تؤدي لتوالدها بأشكال جديدة، بنفس الفقه الجهادي، ودون محيط تنظيمي.

يطلق عليها البعض المجموعات العشوائية الكامنة، التي تتألف من عناصر تنطوي على العقيدة التي تُعد حجر الأساس لوجودها ويحولها التشرذم إلى خلايا سرية راقدة.

في كتابه “حرب العصابات” وضع أبو عبيدة البنشيري قبل غرقه في بحيرة فكتوريا، خطة مفادها أن الفكرة الجهادية هي الأساس في استراتيجية الجهاد، وبعدها تأتي بيعة الفرد للتنظيم، ليكون عضوا في خلية أو سرية، ليست بالضرورة أن تكون علنية، وبعدها يتم ربط كل أطياف الخلايا والسرايا والجماعات بـ 3 روابط، هي الاسم المشترك والبيعة، والعقيدة المشتركة، والهدف المشترك، عن طريق نشر فكر الجهاد المسلح، وتعبئة الشباب، وتوجيههم إلى ضرب الأهداف المعادية، وذلك لتحقيق المردود السياسي والهدف، ثم إرشاد الشباب إلى أن تعدّ كل مجموعة نفسها بنفسها، على ما يلزم من العمل العسكري، بدءاً من أساليب المقاومة الشعبية وانتهاءً بالعمليات الاستراتيجية المعقّدة، ومرورا بكل أشكال ومستويات عمليات العصابات سواء كانت فى المدن أو الأرياف.

على هذا تتكون كل سرية من فرد أو أكثر، وتكون وحدة مستقلة يرأسها أميرها ويدبر شؤونها، وتتجه للعمل العسكري مباشرة ولا تتجه لأى شكل من أشكال التنظيم والدعوة والتحريض وسوى ذلك من أعمال الجماعات السرية، بل تختار هدفها وتهاجمه، وتبلغ أي وسيلة إعلام باسمها الخاص الذي اختارته، وتعلن مسؤوليتها عن العمل الذي قامت به.

وقال البنشيري في كتابه الذي نشره موقع التوحيد والجهاد: إن الجماعة المسلحة تتشكل عبر 3 دوائر تنظيمية، الأولى: هي (السرية المركزية)، والتي مهمتها الأساسية الإرشاد والتوجيه والدعوة، والثانية دائرة التنسيق أو (السرايا اللامركزية)، وتتكون من العناصر التي أمكن التواصل معها وإخضاعها لدورات التأهيل الفكري والمنهجي والتربوي المتكامل فكريا وسلوكيا وعسكريا وحركيا من خلال التّماس معها، حيث يكون برنامج تلك العناصر الارتحال عن الجبهة، والانتشار في الأرض كلّ بحسب ظرفه وحياته، والعمل بشكل حرّ ومنفصل تماما عن السرية المركزية من الناحية الحركية بحيث لا يربطها إلا الاسم والهدف والمنهج العقدي والتربوي، وأما الدائرة الثانية فهي (سرايا الدعوة والتجنيد)، وتتكون من فرد إلى 3 أفراد، وهي المسؤولة عن ضم عناصر جديدة للتنظيم، ولا علاقة لها بأي عمليات عسكرية، وأما الدائرة الثالثة، فهى السرايا المسلحة العاملة، التي تقوم بعملية الإرهاب والتخويف، وتتكون من عنصر إلى 15 عضوا.

أما ثالثا، مجموعات اللجان المدنية، وهي التي تتحرك وفق مشروعية قانونية، من خلال بناء شبكات ومساجد وجمعيات، دون أن تعلن عن انتمائها، وأكبر مثال لها هو منظمات الإغاثة التي أنشأتها الإخوان، وتعتبر مثلاً واضحاً على كيفية العمل التنظيمي الكامن، وهي متواجدة في ثلاثين بلدا، وقد أنشئت في برمنغهام برقم 2365572، وأصبح لها أفرع في 28 دولة.

وقد أسست جماعة “الإخوان المسلمين” منظمات حقوقية تابعة مباشرة لها، وأسست أخرى لا تخضع لها ولا تتبعها تنظيميا، وظل أفرادها غير معروفين الانتماء، واستطاعوا أن ينسجوا العلاقات مع مدراء المنظمات الخارجية، ويوفّروا التمويل والأنشطة لبعض المنظمات بهدف السيطرة على أجندتها.

خطورة البُنى التنظيمية الكامنة

بالنظر إلى أن الخلايا الكامنة هي تلك العناصر التي تكمن لفترة قبل تنفيذ عمل عدائي مُنظّم يستهدف أحد الأهداف التي تُحدث تأثيراً وزخماً إعلامياً، او يغير زخم، كأن تكون قوة دفع خلفية، فإن لذلك خطورة كبيرة، مثال حادث الاعتداء على مقر صحيفة شارلي أبدو بالعاصمة باريس “أسفر عن مقتل 12 شخصا”، تفجيرات العاصمة باريس في تشرين الثاني/ نوفمبر عام 2015، والتي نفّذها البلجيكي من أصول مغربية/ عبد الحميد، وهي خلية كامنة.

يتصرف أفراد الخلية بشكل طبيعي في المجتمع ويمارسون حياتهم العادية دون قيود ويكون اتصالهم بمسؤول الخلية بشكل خيطي، أي لا يعرف أفراد الخلية أحدهم الآخر، ويتصل بهم مسؤول الخلية بين فترة وأخرى بشكل منفرد.

لذا تزداد خطورة الخلايا الكامنة في عدم القدرة على الوصول إليها، كما أنها من الممكن أن تستهدف أهدافا غير متوقعة، مما يكون له تأثير سلبي على عدة مستويات أبرزها الاجتماعي والاقتصادي والأمني والسياسي في بعض الأحيان.

فضلا عن تنوع الخلايا الكامنة من نوع منها تكون مهيأة من كافة النواحي اللوجستية والتدريب والتموين، ويبلَّغ أفراد الخلية بالعملية ونوعها ومكانها، وتنتظر ساعة الصفر، وبهذه الحالة يقطع عنها الاتصال، ولا يجوز لها استخدام الهواتف وأي وسيلة اتصال، ويتم التخلص من أجهزة الجوال ومسح كل المعلومات وإتلاف أجهزة الحاسوب ورميها في مكان بعيد عن الإقامة، وخفض تحركات الخلية.

ونوع ثانٍ قيد التدريب والتموين، ولا يوجد اتصالات إلا عن طريق رئيس الخلية، الذي يكون على تواصل مع الجهات التي تحدد له مهام التعبئة والتموين ومستلزمات العملية، ولا يجوز إطلاع عناصر الخلية على الخطة ولا عن مكانها إلا بعد إكمال التدريب.

وخلايا تشكلت، لكن لم تباشر بالتدريب، ولم تحدد لهم أي عملية، ويتصرف أفراد الخلية بشكل طبيعي في المجتمع ويمارسون حياتهم العادية دون قيود ويكون اتصالهم بمسؤول الخلية بشكل خيطي، أي لا يعرف أفراد الخلية أحدهم الآخر، ويتصل بهم مسؤول الخلية بين فترة وأخرى بشكل منفرد، وهذا النوع من الخلايا تمثل في تفجيرات باريس نوفمبر 2015 ومطار بروكسل آذار/ مارس 2016، أما موضوع تدريب عناصر الخلية المنفذة، فليس بالضروري أن يكون التدريب داخل المناطق التي تقع تحت سيطرة “داعش”؛ كون التدريب في الغالب يتم من قبل مسؤول الخلية والمتعلق بأمن الاتصالات والسلاح والمتفجرات، ما عدا الخبرات التي يكتسبها المنفذون من النت، والاشتراك في منتديات التنظيم الدعائية.

من هنا يمكننا أن نعدد أهم أوجه الخطورة في التالي، أولا اختلاف دوافع الخلايا يؤدي إلى تعاظم أعداد المستقطبين وعدم الوصول إليهم بسهولة، مثال خلايا النساء، اللاتي يهرّبن من حالة التهميش الذي تعيشه بعض الفتيات العربيات، ما يؤدي لوجود خلايا خطيرة تتنوع مهامها بداية من دعم الأزواج وتربية جيل جديد من المتطرفين إلى مجال الدعاية والترويج لأفكار التنظيمات الإرهابية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أو تنفيذ عمليات إرهابية، أو الاضطلاع بأدوار أخرى مثل توفير الدعم اللوجستي أو المالي أو توصيل الأسلحة والمعدات وإخفائها لاسيما فى ظل إمكانية مرور المرأة من الأكمنة والارتكازات الأمنية دون تعرّضها للتفتيش.

ثانيا، تشكيل شبكات جهادية لأن الخلية الكامنة تستطيع الحفاظ على استمرار التواصل المنتظم وتبادل المعلومات فى إطار عمل يهدف إلى الحفاظ على الكيان وانتشار الأفكار وتداولها والترويج لها.

ثانيا، تربية جيل غير معروف الملفات لدى الأجهزة الأمنية المختلفة، إذ إنهم يمكن أن يحملوا أفكار ومفاهيم التنظيمات الإرهابية سرّيا و يضمنون عدم اندثار الفكر الإرهابي مع الزمن.

رابعا، صناعة جماعات موازية غير معروفة أمنياً، وبالتالي من الممكن وجود جماعات إرهابية، حسب الطلب، وحسب الحاجة، وحسب المهمة، وبالمواصفات.

اختلاف دوافع الخلايا يؤدي إلى تعاظم أعداد المستقطبين وعدم الوصول إليهم بسهولة

خامسا، إمكانية قيام الكامنين دور التنسيق، حيث يمكنهم الاحتفاظ بروابط تنظيمية، وقنوات اتصال وركائز كتوفير الدعم اللوجيستي أو المادي، أو استقبال وإيواء بعض الكوادر دون أن يعرفهم أحد.

وهنا لا بد من حتمية لمواجهة تلك الخلايا، لكن السؤال الأول يتمحور حول البنية السلوكية التي يمكن من خلالها رصد العناصر، والسؤال الثاني فيدور حول ماهية ومعالم استراتيجية مواجهة هذا التنظيم الإرهابي.

طرائق عمل الخلايا الكامنة

تشير كل التقديرات إلى أن الخلايا الكامنة لها عدة خصائص أهمها أن كلّ منها له وحدة جذور واحدة، ووحدة مضامين الخطاب، ووحدة الاستراتيجيات والأدوات المعتمدة فيما بين الأطياف المستهدفة، ووحدة التكتيكات والخطط، وذلك باستخدامهم نفس التكتيكات الحركية، ويتشابهون أيضا في وحدة الغموض والسرية، ووحدة المآلات، ومن خلال كل هذا تعمل الخلايا عن طريق عدد من المحاور، أهمها:

العمل الجماهيري، وهو محور العمل الذي يتكلف باختراق الجماهير، والعمل في هامش المجتمع المدني، والتوزع على الأذرع الاستراتيجية والسياسية والنقابية والمالية والخيرية والروحية، وبهذه الطريقة يظهر التطور المنهجي الذي لم يمنع الاندماج بين كل الكيانات، وتبادل الأدوار، والانتقال إلى التيارات السياسية الأخرى، والتحول من استراتيجية الصدام الشامل مع الأنظمة إلى التكيف مع الواقع، وتجنيد الأتباع شيئًا فشيئًا مستخدمة في ذلك جميع الأساليب الممكنة، ومنها تقديم الخدمات العامة للمجتمعات، حين تجد هذه الجماعات لها موطئ قدم في أية منطقة، أو حتى دائرة ضيقة، عبر مجموعة من الفاعلين يشتركون في جملة من المقومات المظهرية والسلوكية، ويجمعهم هدف مشترك واحد.

كذلك، الخلايا المتوحّدة، أي التي تعمل بشكل منفرد دون رأس وقيادة، وتعتمد على على 3 مرتكزات رئيسية في عملها: ارتكازات مباشرة ومراكز دعوة غير مباشرة ومجموعة تجنيد.

والارتكازات المباشرة، مثل تلك المؤسسات القانونية كالمراكز الإسلامية، والجمعيات الدينية، والمنتديات والمؤتمرات، والمراكز السياسية الاستراتيجية، والوسائل الإعلامية، وأما غير المباشرة فهي الوسائل السابقة، دون تواصل مباشر مع التنظيمات، وأما مجموعة التجنيد، فهي تلك التي تنشط وسط الطلاب المهاجرين، وطبقات اللاجئين، وفي الأغلب تستخدمها التنظيمات الجهادية، حيث  تنخرط لنشر الفكر الجهادي، وضم المتعاطفين مع الجهاد، ويعتبر أول من نظّر لها هو “مصطفى ست مريم”، المكني بأبو مصعب السوري ، وهي من تفتح الإمكانية للمشاركة أمام المتعاطفين مع الجهاد، وتحويل نبضاتهم العاطفية إلى ظاهرة يتم توجيهها واستثمارها، ثم إنشاء خلايا متنوعة لا ترتبط تنظيميا، وتجمع ما بين المركزية على صعيد الانتماء والشعارات والرموز والأفكار، وبين عدم الارتباط المركزي بحيث لا يمكن إجهاضها، وتقريبا هذا ما جرى في أوروبا منذ عام 2011، وحتى الآن، فضلا عن هذا التجنيد الذي يجري بشكل غير مباشر عن طريق الفضاء الإلكتروني، وساهم بلا شك في عمليات استقطاب لعناصر أوروبية شاركت في عمليات القتال في الشرق الأوسط.

أيضا، الذئب الكامن، وهو تعبير يتم إطلاقه على العناصر الإرهابية التي تضطلع بتنفيذ عمل عدائي بأسلوب فردي دون إعداد أو تخطيط تنظيمي، وربما دون تحديد مسبق للضحية المستهدفة، وقد انتشرت هذه الظاهرة خلال السنوات الأخيرة بكثافة، خاصة بدول أوروبا وأمريكا حيث يقوم أحد العناصر الإرهابية بإطلاق النيران على بعض الضحايا أو طعنهم باستخدام سكين أو دهسهم باستخدام سيارة كبيرة.

وتُشير التحقيقات التي أُجريت في بعض الحوادث الإرهابية، التي تم تنفيذها بأسلوب الذئاب المنفردة، أن منفذيها يمثلون خلايا كامنة تم الدفع بهم للتسلل لهذه الدول بين المهاجرين غير الشرعيين واستقروا لفترة ثم نفّذوا الحوادث ليعلن التنظيم لاحقاً مسؤوليته عنها، وذلك بهدف إثارة الرعب والفزع بأوساط المواطنين الأبرياء، والادعاء أن هذه الحوادث ردا على العمليات العسكرية، التي استهدفت التنظيم وعناصره، كما أنها تُظهر قوة التنظيم وتُكسبه إعجاب العناصر الشبابية المفتونة بعملياته ونجاحاته المزعومة وقدرته على تصدير الخوف والفزع للدول العظمى بدعوى أنها تحارب الإسلام، وقد يستغل التنظيم هذه العمليات لمساومة الدول على عدم المشاركة في التحالف الدولي الذي تم تأسيسه لمحاربته، كذلك دفع المواطنين للضغط على حكوماتهم للانسحاب من هذا التحالف.

حتميات مواجهة الكمون

ترتبط مواجهة المجموعات الكامنة بصورة وثيقة بجهود مكافحة الإرهاب والحدّ من انتشار الأفكار المتطرفة في ضوء أنها هي التي تدفع الشباب إلى مناطق الصراع، لذا سوف تتضمن حتميات المواجهة بعض الأطروحات المتّصلة بتصويب الأفكار لدى الشباب للحد من عمليات استقطاب عناصر شبابية جديدة للتنظيمات المتطرفة والإرهابية، وذلك وفق خطة ترتكز على عدة محاور.

الأول وقائي، ويستهدف العناصر الشبابية والفئات العمرية الدنيا (أقل من عشرين عام) وذلك للحيلولة دون تأثّرهم بالأفكار المتشددة والوقوع في براثن التنظيمات الإرهابية وانخراطهم بصفوفها وتورّطهم بارتكاب أعمال عدائية وإرهابية وذلك من خلال عدة وسائل يتمثل أبرزها فيما يلي:

نشر وترويج رسائل قصيرة للشباب عبر الهواتف المحمولة وشبكة الإنترنت (الفيس بوك، تويتر) بالتنسيق مع شبكات المحمول تتضمن ردّاً على المسائل الخلافية (الجهاد، التكفير، التفجيرات العشوائية، الصدام مع أجهزة الأمن، ضرب السياحة) وتدعو لنبذ العنف، وذلك من خلال الاستعانة ببعض القيادات الدينية والدعاة ممن لهم ثقل شرعي وقبول لدى المواطنين.

تتضمن حتميات المواجهة تفعيل الدور الاجتماعي والفكري للحد من عمليات استقطاب عناصر شبابية جديدة- “أ ف ب”

وتفعيل الدور الاجتماعي والفكري من خلال (ندوات، رحلات، مناظرات، حلقات تحفيظ قرآن) بالمساجد، مع عمل دورات تدريبية لهم لتبصيرهم بكيفية التصدي للأفكار المتطرفة.

كذلك، إعداد برامج تليفزيونية ثابتة لتفنيد الأفكار المتشددة والمتطرفة وتحذير الشباب من مغبّة التّورط مع التنظيمات الإرهابية وتبصيرهم بصحيح الدين، وذلك من خلال الاستعانة بنخبة من القيادات الدينية.

أما المحور الثاني، فهو علاجي، معني بعمليات التأهيل الفكري، ووضع آليات للتعامل مع العناصر التي وقعت في براثن بعض الخلايا، وإعادة تقييم مواقفهم من خلال عقد لقاءات معهم لتفهم نفسيتهم ومحاولة احتوائهم وتحييدهم عن توجهات الجماعات الإرهابية، تمهيدا لعزل المتجاوبين منهم على أن يستتبع ذلك تنفيذ برنامج يستهدف التأهيل الفكري والنفسي. أما المحور الأخير، فهو تفكيكي، وهو المعني باسترتيجيات المواجهة الأمنية العسكرية المباشرة.

قائمة المراجع:

– محمد جمعة، الجماعات الإرهابية الجديدة، العدد 259 كراسات استراتيجية، مركز الأهرام للدراسات، 2015.

– هالة مصطفى، الإسلام السياسي في مصر من حركة الإصلاح إلى جماعات العنف، مركز الأهرام للدراسات السياسية، 1992، صــ26.

– العقيد حسان عبدالعزيز، أساليب داعش، المركز الأوربي، 7 أغسطس 2018.

– عبدالحميد ثروت، سيناء من الخلايا النائمة إلى تنظيم القاعدة، المركز العربي للبحوث، 29 ديسمبر، 2013.

– الخلايا النائمة معركة العالم المقبلة، موقع “فالصو”.

– أبو عبيدة البنشيري (علي الرشيدي) حرب العصابات، منشورات التوحيد والجهاد، صـ133.

– محمود بسيوني، كيف تسلل الإخوان لمنظمات حقوق الإنسان، منشورات مؤسسة روزاليوسف، 2019، صــ99.

– الخلايا النائمة والتنظيم الخيطي، مجلة المجلة، عدد 30 أغسطس 2016.

– عقيد عمرو الخولي، رسال ماجستير، كلية الدفاع الوطني أكاديمية الشرطة المصري، 2020.

– عبدالحق الصنايبي، الخلايا الإخوانية النائمة، صحيفة العين الإماراتية، 23/3/ 2019.

– بوعز غانور، الذئب الوحيد، المعهد الدولي لمكافحة الإرهاب، 7 أغسطس 2017.

– اللواء عمرو الخولي، رسال ماجستير، كلية الدفاع الوطني أكاديمية الشرطة المصري، 2020.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات