مدرسة الفن المسرحي.. هل تحقق ما عجز عنه المعهد العالي في دمشق

مدرسة الفن المسرحي.. هل تحقق ما عجز عنه المعهد العالي في دمشق

علي بهلول

نجحت #مدرسة_الفن_المسرحي بشق طريق أكاديمي جديد للشباب السوريين الراغبين باحتراف هذا المجال، بعيداً عن أروقة المعهد العالي للفنون المسرحية، والاختبار “الوطني” السنوي الوحيد للمعهد، والذي تطاله دوماً اتهامات بالمحسوبية والفساد.

لكن الطريق الذي تشقه مدرسة الفن ليس معبداً أو خال من العراقيل التي واجهت المسرح السوري خلال الـ50 عاماً الماضية، سواء على مستوى التمويل والدعم، أو الحريات ورقابة السلطة التي توئد أي محاولة إبداعية منذ تشكلها كفكرة في عقول السوريين.

“الحل السوري” تواصلت مع زينة الصفدي (اسم وهمي)، وهي إحدى المهتمات بنشاط المدرسة ومتابعة له عن كثب للحديث حول هذه التجربة.

القبول والمنهج الدراسي

بعد اختبار القبول في مقر المدرسة بمدينة #جرمانا بريف دمشق، يدفع الطلاب المتقدمون مبلغ 1000 ليرة سورية رسوماً له، تنتقي لجنة الاختبار المؤلفة من اختصاصيين، يرأسهم مؤسس المدرسة سمير عثمان الباش، الحاصل على دكتوراه بإعداد الممثل من روسيا، المجموعة الناجحة منهم التي ستنتقل لدراسة منهج “ستانسلافسكي” بشكل مكثف لمدة سنتين.

تتوزع دراسة الطلاب على خمس مراحل ينتهي كل منها بامتحان، وفي حال رسب الطالب بأحد المواد الأساسية (تمثيل – أدب مسرحي – غناء – ليونة)، فإن المدرسة لا تمنحه وثيقة التخرج.

وكانت شائعات تحدثت عن تحول المدرسة إلى #أكاديمية تجارية تسعى لزيادة دخلها متجاوزة شروط الالتزام والكفاءة لدى طلابها، لا سيما وأن أقساط الدراسة فيها وصلت إلى 25 ألف ليرة سورية شهرياً، وهو ما نفته الصفدي مشيرةً إلى أن عدد طلاب الدفعة الثالثة مثلاً كان 28 طالباً وطالبة، لم يتخرج منهم سوى 14، والدفعة الرابعة تألفت من 18 شخص لم يستمر منهم سوى 6 فقط، لاعتبارات تتعلق بالاجتهاد والتطور.

تُقدم المدرسة كذلك ورشات متنوعة لطلابها، تشمل مواضيع مثل الليونة والحركة المسرحية، الرقص والإيقاع، الإيماء التقليدي، خصوصية عمل الممثل والوقوف أمام الكاميرا، المكياج، القناع المحايد، وحتى اللغة العربية وغيرها، فضلاً عن ورشات لتعليم الأطفال فنون الأداء، وفق مصدرنا.

واعتبرت الصفدي أن تحرر المدرسة من الالتزام بوزارة الثقافة مكنها من اختيار الأساتذة المناسبين لموادها، ما وفر لها كادر تدريسي أقوى من الموجود حالياً في المعهد العالي، رغم أن المعهد يتفوق على المدرسة بمنح طلابه شهادة تخرج وليس وثيقة فقط، فضلاً عن حصوله على دعم رسمي يسهل عمله، بينما لا تنفك بلدية جرمانا عن مطالبة مدرسة الفن برسوم وضرائب.

إلا أن هذه الامتيازات التي يتمتع بها المعهد لن تشكل فارقاً يذكر في النتاج المسرحي بين المؤسستين كما سنرى مع شهادات أخرى لاحقاً.

مدرسة الفن والرقابة الذاتية

اختارت المدرسة نص “المنتحر” للكاتب الروسي نيكولاي أردمان، كعرض تخرج لطلاب الدفعة الثالثة في تشرين الأول 2017، الذي ترجمه وأخرجه الباش على خشبة مسرح الحمراء.

مهيار فرحات (اسم وهمي)، وهو طالبٌ في المعهد العالي، اعتبر أنه كان من الممكن اختصار ثلاثة أرباع العرض، بالرغم من الأداء العالي للطلاب.

أما فيما يتعلق بارتباط العرض بالواقع الراهن لسوريا، فالإسقاطات كانت محصورة بـ”تصوير الصمود الأسطوري للمواطنين في الأزمات”، وهو ما يتكرر في معظم الأعمال الفنية المنتجة تحت سلطة النظام، وفق تعبير فرحات.

وحتى الانتقادات السياسية المبطنة في عرض “المنتحر”، لم تتجاوز المألوف والمتداول في الشارع، وليست أكثر من الشيء الذي قد نسمعه في مسرحيات مثل “غربة” وضيعة تشرين” في سبعينيات القرن الماضي، لدرجة أن عرض “المنتحر” لم يجرؤ على الإشارة إلى سوريا أو حربها أو الديكتاتورية، وفق رأي طالب المعهد.

وبالرغم من ذلك اعتبر فرحات أن الرقابة على المدرسة قليلة مقارنةً بالمعهد أو المسرح القومي مثلاً، مشيراً إلى وصول البلاد إلى مرحلة الرقابة الذاتية سواء من قبل صنّاع المسرح أو الجمهور، وهو ما جاء موافقاً لحديث “الحل السوري”، مع المسرحي وخريج المعهد العالي وسيم الشرقي، حول نفس الموضوع.

واعتبر الشرقي أن تجربة المدرسة جيدة، لكن نتاجها مهما كان ناجحاً، سيبقى محصوراً بالسقف الذي حددته السلطة لكل عمل مسرحي، إما بسبب التمويل الذي لا يمنحهم الوقت الكافي للعمل على عروضهم، أو بسبب وضع الطلاب في ظل الظروف الأمنية في البلاد.

سعي النظام المحموم للسيطرة على هذه المؤسسات، قد يجعل مدرسة الفن تواجه مصير المسرح المحتوم في هذه البلاد مهما حاول القائمون عليها تقديم تجربة فريدة.

فها هو المسرح القومي يسيطر بشكل شبه احتكاري على العروض في سوريا، والمعهد العالي الذي درّست أسماء لامعة فيه على مستوى العالم مثل سعد الله ونوس، يتحكم النظام اليوم باختيار عميده، ويضيق على طلابه بشتى الوسائل المعرفية والمادية والأمنية، وإذا ما حاول أحد المسرحيين اتخاذ موقف إنساني مما يحصل في البلاد، فسينتهي به المطاف مثل مدير مسرح الحمرا سابقاً، زكي كورديللو، مختفياً في أحد أقبية المخابرات.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.