الوظيفة “لذوي القتلى”.. ومن لم يقاتل لا وظيفة له: كيف حرم النظام آلاف الموظفين من حقهم بالعمل وحولهم لمطلوبين أمنياً؟

الوظيفة “لذوي القتلى”.. ومن لم يقاتل لا وظيفة له: كيف حرم النظام آلاف الموظفين من حقهم بالعمل وحولهم لمطلوبين أمنياً؟

منار حداد – الحل

أجهز النظام السوري على أحلام الشباب السوريين في الحصول على وظيفة براتبٍ محدود، حيث فرض سلسلة قوانين للتضييق عليهم، اشتملت على ربط الحصول على هذه الوظيفة بالخدمة الإلزامية حصراً.

وتلّخصت قوانين النظام في قاعدة واضحة مفادها أن “من يخدم في جيش النظام يحصل على وظيفة أما من لم يخدم فلا فرصة توظيفٍ له”.

يوثّق موقع الحل في هذا التقرير، كيف تشتّت الموظفون السوريون الذين لم يؤدّوا الخدمة العسكرية، وباتوا متناثرين بين لاجئ خارج البلاد بحثاً عن فرصة أفضل للحياة بعدما فقد وظيفته، وآخر داخل البلاد يحاول جاهداً الهروب من الحواجز وإيجاد مصدر دخل من جهة أخرى.

بدء التضييق

استمرَّ حال الموظفين السوريين مستقرّاً حتّى دخل عام 2015، حيث بدأ النظام السوري بالتضييق عليهم عبر حصر الوظيفة لمن يؤدّي الخدمة الإلزامية.

في عام 2015، وبينما كان الموظفون السوريون على رأس عملهم، أصدر النظام السوري تعميماً يطلب فيه مطابقة بيانات الموظفين مع حضورهم، حيث يتوجّب حضورهم بشكل شخصي لإجراء مقابلة مع موظف مختص يأخذ منهم بياناتهم ويدرجها على الحاسب، وصورة عن الهوية، وقائم على رأس العمل من مديره المباشر يبين فيه تاريخ آخر يوم دوام له و”فيش” بآخر راتب قد تقاضاه.

وطُلب من الموظّفين حينها، إحضار بيان وضع من شعبة التجنيد في منطقته التابع لها، تبين أنه قد أدى الخدمة العسكرية الإلزامية أم لا، وهل هو مطلوب لتأدية خدمة الاحتياط في جيش النظام أم لا، وشكّل هذا القرار مصيدة اعتقال للموظفين.

عاد النظام في تشرين الثاني من العام الماضي 2017، وأصدر قراراً عن مجلس الوزراء أنهى بموجبه خدمة العاملين في مؤسساته الحكومية، المتخلفين عن أداء الخدمة العسكرية الإلزامية والاحتياطية.

وطالب قرار مجلس الوزراء، كل الوزارات والجهات العامة التقيد بمضمون التعميم السابق رقم “13601” عام 2016، والذي يتضمن إنهاء خدمة العاملين المتخلفين عن أداء الخدمة الإلزامية أو الاحتياطية.

وجاء في التعميم: “لما تقتضيه المصلحة العامة من الدقة والسرعة في إنجاز المعاملات، ولعدم إظهار الجهات بدور المساعد على استمرار العاملين المتخلفين عن أداء الواجب الوطني بخدمة العلم الإلزامية والاحتياطية، يُطبّق القانون على الموظفين الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و40 عاماً”.

الضربة القاضية

بعد هذه القرارات، جاء قرار النظام الأخير، الذي شكّل الضربة القاضية لجميع الموظفين، فبعد أن كانت القرارات السابقة تنطبق على الموظفين القدماء، بات شرط الخدمة العسكرية أساسياً للحصول على التوظيف.

وبحسب ما ذكرت صحيفة “الوطن” المحلية في مطلع شهر أيلول الحالي، فإن رئاسة مجلس الوزراء طلبت من الجهات العامة العمل على إدراج شرط تأدية الخدمة الإلزامية المقررة والاحتياطية للمتقدمين الذكور عند إعلان وزارات الدولة عن مسابقة أو اختبار لملء الشواغر أو عند التعاقد لديها.

وقالت الصحيفة: “إن رئيس مجلس الوزراء طلب من وزارات الدولة بتوجيه المعنيين فيها والجهات التابعة للوزارات لإدراج شرط تأدية الخدمة”، لكنَّ مجلس الوزراء السوري لم يصدر هذا القرار بشكلٍ مباشر.. ومصادر موقع الحل أكّدت أنه بات مُطبّقاً في مؤسسات الحكومة.

هروب داخلي

يلجأ الأربعيني السوري مجدي (اسم مستعار) إلى التسلّل في شوارع مدينة حلب للعمل في محل للدهانات، خوفاً من الحواجز العسكرية كونه مطلوب للخدمة الإلزامية.

لدى مجدي خدمة في إحدى مراكز جباية الكهرباء تزيد عن 11 عاماً، لكنّه غادر مكان توظيفه بعد “كبسة” للشرطة العسكرية على مقرّات الجباية لسحب الموظفين للخدمة الإلزامية، ولكنَّ الرجل يقول اليوم “إنّه يشعر بالارتياح لأنَّ عدد الحواجز نقص في المدينة مؤخّراً”.

يقول مجدي إنّه اضطر إلى مغادرة وظيفته في عام 2016 وبقي دون عمل لمدّة أربعة أشهر. موضحاً أنّه لم يتجرّأ خلال هذه المدّة على الخروج من المنزل والبحث عن مصدر رزق آخر، وأنَّ عائلته بقيت دون معيل طيلة هذه الفترة.

وأوضح أنَّ عدداً كبيراً من أصدقائه وزملائه الموظفين غاردوا وظائفهم منذ سنوات، ولازالوا حتّى الآن دون أي عمل ويلتزمون منازلهم.

لجوء

يُعتبر خيار اللجوء أحد آخر الخيارات التي يتوجّه إليها الموظّف الذي تمت ملاحقته للخدمة الإلزامية، وهو ما لجأ إليه الشاب السوري الثلاثيني أحمد فارس، الذي غادر سوريا منذ أن تم طلبه للخدمة الإلزامية في أواخر عام 2015، هارباً نحو تركيا.

وتمكّن فارس من الاستقرار في مدينة اسطنبول وإيجاد عملٍ مناسب في مجاله، بعد أكثر من ستة أشهر من المصاعب في غربته الجديدة.
ويقول فارس: إنه أُجبر على ترك وظيفته التي تعتبر أحد حقوقه الرئيسية. لافتاً إلى أن النظام السوري “حصر الوظائف على ذوي قتلاه فقط، وحرم بقية السوريين الذين لم يموتوا دفاعاً عنه من حقّهم بالحصول على وظيفة بمؤسّسات الدولة”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.