(الحل) – يعتبر الأطفال الفئة الأكثر تأثراً بمجريات الحرب والصراع الدائر في سوريا، إذا ما قورنت بالفئات الأخرى، حيث خلفت العمليات العسكرية المستمرة منذ أعوام ملايين الأطفال دون تعليم ورعاية صحية، وولدّت بداخلهم العديد من المشكلات والأمراض النفسية والجسدية، والتي أدّت بطبيعة الحال للعديد من المشاكل السلوكية التي لاتعد ولا تحصى، لكن السمة الأبرز منها كانت ميول الأطفال نحو العنف والعدوانية.
عشرات وربما مئات الدراسات نشرت عن الأطفال السوريين، والتي أجمعت على هول الكارثة، فذكرت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” أن نحو 3.2 مليون طفل حرموا من التعليم داخل سوريا بسبب العمليات العسكرية، كما حرم 60% من الأطفال اللاجئين من التعليم وتم استغلالهم في سوق العمل، في حين تقدر اليونيسيف أن هناك 8.4 مليون طفل (ما يعادل أكثر من 80 % من عدد الأطفال في سوريا)، يتأثرون من النزاع، سواء داخل البلاد أو كلاجئين في الدول المجاورة.

أطفال المخيمات الأكثر بؤساً
رصد موقع «الحل» عدداً من الحالات لأطفال نزحوا من مدنهم خلال فترة الحرب وتوجهوا للعيش مع علائلاتهم في مخيمات النزوح المنتشرة داخل سوريا وخارجها، فالطفل محمد (10 سنوات) المهجر من الغوطة الشرقية، والذي يعيش حالياً مع والده في مخيم (الشرقية) على أطراف مدينة الباب بريف حلب، كان شاهداً على موت والدته أمام أعينه خلال حملة النظام العام الماضي على الغوطة، ونتيجة لذلك أصبح يعاني من نوبات الرعب والرهاب، إضافة لفقدان قدرته على النطق.

يقول (هادي الحنفي) والد الطفل محمد “لايستطيع طفلي القراءة والكتابة بحكم تدهور العملية التعليمية بالغوطة، وعدم قدرة الأطفال للذهاب إلى المدارس، كما فقد قدرته على النطق بعد أن رأى جثة والدته التي قضت في قصف طيران النظام على منزلنا”، مضيفاً “تم الكشف عليه من قبل أحد الأطباء النفسيين الذي أقر بوجود مئات الحالات المشابهة، واحتمالات شفاء محمد بحاجة إلى وقت ليس بالقصير، إضافة إلى المتابعة المستمرة وإدخاله المدرسة التي تشكل عاملاً مهماً في فك عزلته وتشجيعه لاستعادة النطق”.
ولم يكن الوضع أفضل، في مخيمات اللاجئين السوريين بلبنان، حيث يشكل الفقر وانعدام الاحتياجات الأساسية الخطر الأكبر على أطفال تلك المخيمات، حيث تشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن النسبة الأكبر من السكان هناك هم الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين عامين و17 عاماً، فتقول (أم عادل) وهي أم لولدين “نزحت مع عائلتي من ريف حمص إلى لبنان عام 2012، وليس لدي معيل بعد اختفاء زوجي في سوريا، فكان خياري الوحيد هو إرسال أولادي للعمل رغم صغر سنهم (الأول 12 سنة، الثاني 15 سنة)”.

وعند سؤالها عن عدم إرسال أولادها إلى المدارس لإكمال تعليمهم، أجابت بتعجب “من سيدفع 50 دولار شهرياً فقط أجرة الخيمة التي نسكن فيها؟، وهل ستكفي سلة المعونات التي ترسلها المنظمات كل 4 أشهر مرة واحدة؟، جميع الناس يرغبون بإرسال أبنائهم للمدارس لكن (التعليم مابيطعمينا خبز بحالتنا)”، على حد وصفها.
وفي دراسة نشرتها (منظمة العدالة من أجل الحياة) بعنوان: “مشاكل الأطفال النفسية والسلوكية في ظل الحرب والنزوح” كشفت أن “حالات النزوح تعد من أهم العوامل المؤثرة على الأطفال، ويعود ذلك لتغير البيئة التي كان يعيش فيها الأطفال، وضغوط التكيف مع البيئة الجديدة، التي ليست بأفضل من المكان الذي نزح منه، إضافة إلى الضغط النفسي والمادي الذي تعيشه الأسرة النازحة التي تنعكس على الأطفال، ما زاد من حالات العنف الأسري وسوء المعاملة، وعدم الرعاية بشكل جعل قسم كبير من الأطفال يجنح نحو العدوانية والإنعزال والتردد وعدم الثقة بالنفس”.

خطوات خجولة
كانت جملة “تقصير المنظمات الدولية والمحلية” هي المقولة السائدة على ألسنة من التقيناهم في مخيمات النزوح، وهو ما أكدته المتطوعة في مخيمات اللاجئين السوريين في لبنان (ربى الشيباني) بقولها “يعود سبب تراجع عمل المنظمات والهيئات المدنية الخاصة بالأطفال بشكل عام لعوامل عدّة أولها طول فترة الحرب التي شارفت على إتمام 8 سنوات، إضافة لتذبذب الدعم وعدم وجود رؤية واضحة للعمل، فما قدم وما يزال يقدم غير كاف أمام المأساة التي يتعرض لها عشرات الآلاف من الأطفال داخل سوريا وخارجها”.
بدورها لفتت أخصائية علم النفس (تهاني العبد) في حديثها لموقع «الحل» إلى أن “معظم الحالات التي تصادفنا في عملنا بمخيمات اللجوء بتركيا تتراوح بين مشاكل النطق، والتأخر الدراسي والميل نحو العزلة والاكتئاب، إضافة إلى حالات السلس البولي واضطرابات النوم”، مشيرة إلى أن “هذه الاضطرابات والأعراض ربما ترافق الطفل لسنوات طويلة، إذا لم تلق العناية اللازمة، لأن أثار هذه الحالات تعمل بشكل أو بآخر على تعطيل القدرة على التفكير لدى الطفل، وتغّيب المحاكمة العقلية لديه، ما يؤثر على شخصية الطفل وترافقه عندما يكبر”.

وشددت الأخصائية على “ضرورة إعادة جميع الأطفال المتسربين إلى المدارس، وحفظ حقهم في التعلم، وتشجيع الأطفال داخل المخيمات على الذهاب لمراكز التعليم، فالمدرسة هي الحلقة الأهم التي يجب أن تحوي على برامج دعم نفسي للأطفال وتساعدهم على إعادة الإندماج داخل المجتمع بشكل يساعد الطفل على الخروج من عزلته والتخفيف من عدوانيته، وإزالة الأفكار الراسخة في أذهانهم عن مشاهد الحرب والقتل والدمار”، لافتة إلى أن “يجب أن تنعكس حالة الاهتمام بالأطفال داخل منازلهم من خلال دعم الأسر اقتصادياً ونفسياً، بشكل يحقق التكامل بين البيت والمدرسة”.

إعداد: حسام صالح – تحرير: رجا سليم

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.