بغداد – كرار محمد

يخوض الشباب في عراقِ ما بعد داعش، حرباً لا تقل ضراوة عن حروبهم مع التنظيمات الإرهابية، فتحرير البلاد من الكراهيات والحزازيات القومية والدينية، باتت تشكل أولوية لدى الشباب، حيث نظمت مجموعات من خلفيات ثقافية مختلفة في الآونة الأخيرة، نشاطات تتناول مستقبل التعايش والسلام بين المكونات العراقية المختلفة، والصعوبات التي تواجه هذه المكونات، وكيفية تعزيز ثقافة السلم والتعايش بين الجماعات الدينية والقومية المختلفة.

ويعترف بندر علي/22/ عاماً، وهو شاب من اأاقلية الشبكية التي تقطن سهل نينوى، أن «أفكاره قد تغيّرت من خلال هذه المبادرات التي يطلقها الشباب، فالصورة النمطية التي شاعت عقب اجتياح تنظيم داعش لمنطقته في نينوى، رسمت في أذهان الناس أن السُنة هم دواعش وإن لم ينتموا إلى التنظيم».

مضيفاً أن «ما شاهدناه في العاصمة يختلف تماماً، أتذكر كيف كانت مبادرات الإغاثة تسعفنا وتساعدنا، شبابٌ من السُنة ومن الشيعة ومن العرب ومن الكرد، واليوم ذات الشباب يبادرون لنشر ثقافة المصالح والتعايش، بما يؤثّر إيجابياً على تغيير أفكاره حول التعايش مع الآخر المختلف في بلاد ما بين النهرين».

هل للتعليم والمناهج الدراسية دورٌ في تعزيز التماسك المجتمعي؟

خلال مؤتمرٍ موسّع، عقدته منظماتٌ محليّة للمجتمع المدني، لمناقشة جدوى المناهج الدراسية في تعزيز السلم المجتمعي بين المكونات العراقية، دعت الأكاديمية في الجامعة العراقية، رفقة رعد، إلى عمليةٍ استراتيجية، اعتبرتها ضرورية في تعزيز التماسك بين المكونات.

وقالت إن «استراتيجية بناء السلام تحتاج إلى ممارسات يومية وتذكير مستدام من خلال المدارس والمعاهد والجامعات والمؤسسات التعليمية الأخرى».

مشيرةً إلى أن «العراق عانى كثيراً من نزيف الهجرة خلال السنوات الأخيرة خلال سيطرة داعش، وهذا بدوره ساهم في ضمور عملية السلام وإضعافها اجتماعياً وسياسياً».

واقترحت الأكاديمية العراقية، «البدء في تغيير المناهج وفق مبادئ السلام والتعايش السلمي من المراحل الابتدائية مروراً بالثانوية وحتى الدراسة الجامعية».

أما مستشار وزارة التعليم العالي في بغداد، محسن علي، فشدّد على ضرورة وجود علاقة وثيقة بين عمليتي السلام والتعليم، معتبراً الأولى من ثمار الثانية، بحسب رأيه.

وقال إن «أهداف التعليم لا تقتصر على الناحية التعليمية فقط؛ بل تقويم أنماط السلوك لدى المتعلمين وتطبيقها في مناحي الحياة العراقية لدى المواطنين».

وأوضح أن وزارته «ضمنت المناهج الدراسية خلال السنوات الأخيرة فقرات تتعلق بإشاعة ثقافة حقوق الإنسان والسلم والتعايش وتعزيز مفهوم المواطنة»، معتبراً أنها عوامل «تُجسّد سلوك فعلي يمارس في الواقع».

البهائيين العراقيين وأصدقائهم:

من أجل تعزيز الإخوة البهائية- الإسلامية، نظّم مجموعة من الشباب المسلمين والبهائيين، ملتقى شبابي لتعزيز المحبة والتضامن الاجتماعي بين الأقليات الدينية من جهة والأغلبية المسلمة من جهةٍ أخرى.

ويقول ميثاق رضوان /24/ عاماً، وهو شاب بهائي وأحد منظمي الملتقى، إن «الملتقى هو مبادرة لجمع الشباب الذي يؤمن بحق الآخر المختلف بالتعايش، وبناء قدراته، وتمكينه من إحداث تغيير في المجتمع المحلي، استناداً لتعاليم الدين البهائي، حول دور الشباب في بناء مجتمعاتهم».

مضيفاً «الملتقى مكان مناسب لحث الشباب بعضهم بعضاً، وخلق دافع معنوي يمكنهم من المضي قدماُ في بناء غدٍ أفضل».

ويتّفق الشاب المسلم عماد محمد /23/ عاماً، مع صديقه البهائي، وعند سؤاله حول كيفية تقبل تلقي تعاليم غير التعاليم الإسلامية، قال: «الإنسان عدو ما يجهل، وهذا الجهل بدوره يولد عنف والعنف يولد تفتيت مجتمعي، فمن هذا المنطلق يتوجّب علي معرفة صديقي، جاري، المختلف عني للتعايش معه».

مضيفاً «أنا مسلم والمسلم من سلم الناس من لسانه ويده، فرسالة الإسلام توجب التعايش مع أبناء الديانات الأخرى».

آفاق التعايش في عراقِ ما بعد داعش:

بعض الشباب العراقي ما زال يحمل مخاوف عميقة من الآثار التي تركتها الحروب والهجرة والحزازيات القومية والدينية، إذ ترى، ليديا يعقوب، /22/ عاماً، وهي شابة مسيحية نزحت من نينوى إلى الكنيسة السريانية في بغداد، أن «آثار الحرب في مناطقنا من الصعب محوها، ولو فرضنا جدلاً، تم إعادة بناء مدننا المنكوبة والمنازل المدمرة، مَنْ سوف يبني الثقة المفقودة؟».

مضيفة «الحياة هناك تعود شيئاً فشيئاً، لكن الفكر الذي خلّفه داعش وزرعه في عقول بعض أهالي الموصل ونينوى، يحتاج إلى جهدٍ كبير وسنوات طويلة لمعالجته».

من جهتها، ترى إحدى الشابات الإيزيديات المشاركات في النشاطات السلمية، وتُدعى، سلمى شيخ، /23/ عاماً، أن «الأنشطة الشبابية تعزز السلام، وتُخفف من الاحتقان الرافض للمسلمين الذي نشأ بعد الإبادة التي تعرضنا لها، فمن خلال هذه الأنشطة تبدلت نظرتنا للمسلمين، ومثل هذه الأنشطة كفيلة بإعادة بناء الثقة إذا ما تم دعمها بصحوة سياسية واجتماعية لتثمين التنوع».

في حين يرى، مصطفى الزهيري، /26/ عاماً، وهو شابٌ صابئي مندائي، أنه «بمجرد أن شارك في مبادرات تعزيز التعايش هذه، أصابني حماس كبير بأن العيش المشترك بين المكونات العراقية ممكن، وأنني استطيع التأثير في غيري أو مجتمعي المحلي، صحيح أن الماضي مؤلم، لكن التفكير بالماضي سوف يجعلنا سجناء كراهياتٍ لابد من أن نتحرر منها ونسير بما يمكن إصلاحه».

وفي الوقت الذي تواجه فيه بلدان الشرق الأوسط، مخاطر زوال تنوعها وأقلياتها الدينية والعرقية، لا سيما في العراق تحديداً، فإن الظروف التي نجمت عن اجتياح داعش وتهديده لتعددية البلاد، سهلت من جانب آخر إعلان الأقليات عن نفسها بعد أن بقيت في الظل لعقودٍ طويلة جراء الأنظمة الديكتاتورية السابقة.

وعلى الرغم من أن عراق ما بعد داعش، بات يخلو من الكثير من التراث الروحي للجماعات العراقية، إلا أن الشباب صار يدرك أهمية العمل معاً من أجل الانتصار في معركة تحرير العقول والقلوب، فالجيل الجديد بات يمثّل قوة لمد الجسور بين مكونات العراق لتحريره من الكراهيات.


تحرير- فريد إدوار

الصورة المُرفقة تعبيريّة من أرشيف غوغل

 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.