بغداد- الحل العراق

بـ”التنور الطيني” أو بخشب أشجار الصفصاف، وعلى نارٍ هادئة على شكلٍ دائري مع وضع أوتادٍ من الخشب الرفيع بارتفاعٍ أعلى من عرض السمكة على المحيط الخارجي للنار، تُجرى عملية طبخ أهم أكلة بغدادية، وهي “المسكوف”، حيث تُعلّق السمكة المطلوب شواؤها، ويتكفل المسؤول عن الشواء بالسيطرة على النار وقوتها بتقريبها أو إبعادها عن حلقة السمك، وبعد التأكد من أنها أصبحت جاهزة، يحين موعد تحضير “الطرشي” مع الرز الأحمر، أو “التمن”.

ويُعدّ سمك (المسكوف) من الأطباق الوطنية العراقية، التي تتفرّد المائدة العراقية عن باقي الموائد العربية، ولا تختلف طريقة تحضيرها من شمالي البلاد إلى جنوبه، إلا باستخدام التوابل، فالبغداديون مثلاً يحبون السمكة “المسكوفة” حامضة، لذلك يضيفون إليها عصير الليمون أو أقراص النارنج، أما في الشمال فيحبذونها “حارة” أو “حادة” بمعنى أن يوضع عليها الفلفل الأسود، لتصبح لاسعة، أما محافظات العراق الجنوبية فيفضلونها مالحة، لكن بطبيعة الحال لا تختلف طريقة الشوي.

ويكافَئ فقراء العاصمة بغداد وأغنيائها نهاية الأسبوع، بوجبة المسكوف وهو طبق السمك النهري المشوي في المطاعم المصطفة على طول شارع أبي نواس على شاطئ دجلة، وفي مناطق الكرادة والكاظمية والأعظمية، الذي يُقدَّم مع أنواع السلطات المختلفة والعنبة العراقية الحارة والمخلل والبصل الأخضر الطازج وخبز التنور الحار، ويؤكل المسكوف باليد بدون شوكة وسكين.

المسكوف البغدادي طبق الضيوف- عدسة الحل العراق

يتحدث أحمد يوسف، وهو صاحب مطعم في حي الكرادة الشعبي ببغداد، إن «طريقة شواء السمك في بغداد، مميز ويختلف عن باقي محافظات العراق، ففي البصرة مثلاً توجد الأسماك البحرية، لكن في بغداد ومحافظات الوسط أسماكنا نهرية ويغلب الكاريبي، لكثرته على بقية الأنواع التي يندر وجودها لدينا، أما عن سر مذاق المسكوف فبعد رش الملح الذي يتطابق به كل أنواع الشواء تضاف خلطة ونكهة خاصة قبل رفع السمك من الشواء».

وقال لـ الحل العراق، إن «سوق السمك يعاني من المستورد، الذي يزيد من الانتقاد لعملنا، مع العلم نحن لا نتعامل به، بالإضافة إلى خشية عدد غير قليل من المواطنين أن تخسر البلاد ثروتها السمكية، نتيجة إهمال السلطات الرسمية للجفاف الذي يصيب دجلة والفرات».

من جهته، قال حمزة الخيكاني وهو من أهالي الأعظمية، لـ الحل العراق، إن «أهالي بغداد يجمعون على حبهم لأكلة السمك المسكوف، حتى الفقراء في بغداد، ممن لا يقدرون على شراء السمك، ليسوا محرومين من الأكلة، إنما يمكنهم الاصطياد من النهر، والذهاب إلى صاحب مطعم الشواء».

وعن طريقة الشوي، يتابع الخيكاني، «شق السمكة طولياً من جهة الظهر وتنظيفها بالماء بعد إخراج أحشائها، ومن ثم تنظيف السمكة، ووضع التوابل».

وديع الدليمي، من حي المنصور، أشار إلى أن «الذاكرة البغدادية مليئة بجلسات العوائل على ضفاف دجلة، أو السفرات إلى محافظات الجنوب والتمتع بمنظر نهر الفرات، ولا أعتقد أن الخروج بمثل هذه السفرات، أن يغيب السمك المسكوف».

مبيناً لـ  الحل العراق، أن «بغداد تشهد حالياً زيادة بأعداد المطاعم، فبعد أن كانت أقل من عشرة مطاعم، تتوزع اليوم أكثر من /50/ مطعماً في عموم المدينة، وهناك زيادة كبيرة على الأسماك، وهذا يدل على أن الشواء البغدادي مميز، حتى أن الوافدين والأجانب الذين يزورون بغداد، ينبهرون بالطعم الفريد».

من جانبه، رأى الباحث في الموررث الشعبي العراقي، أحمد عبد الحميد، أنه «رغم اختلاف أنواع السمك وأسعاره، يعد إحدى الوجبات المفضلة لدى العائلة العراقية، التي تتنوع في طريقة طبخه بصيغ مختلفة، لكن المسكوف وعبر تأريخ العراق الحديث، ظل في مقدمة أهم الأطباق للعراقيين».

موضحاً لـ الحل العراق، أن «المائدة العراقية لا تخلُ من السمك المسكوف مع استقبال الضيوف، وهي بالأصل أكلة جنوبية، أي أن العمارة والناصرية والبصرة، هم أصل الأكلة، وانتقلت بعدها إلى محافظات الوسط إلى أن وصلت إلى إقليم كردستان».

وتابع، أن «هذه الأكلة الشعبية تواجهها تحديات خلال الوقت الحالي ومنها، الأمراض، وتسيطر منذ أشهر مشاعر الإحباط على قطاعات شعبية واسعة بعد مشاهدتهم آلاف الأسماك النافقة في نهر الفرات، بسبب تسرّب مادة سامة إلى المياه أدت إلى نفوق أعداد كبيرة، لذلك لابد أن تنتبه الحكومة العراقية إلى أن هذه الأكلة ليست فقط أكلة، إنما ثقافةٌ لمجتمعٍ كامل».


إعداد- ودق ماضي            تحرير- فريد إدوار

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.