محاولاتٌ شخصية لتأهيل المسرح الذي شيّدته شركةٌ فرنسية قبل نحو /40/ عاماً، بسبب تقاعس الحكومات العراقية المتعاقبة منذ 2003، والتي بدأت تساوم شركاتٍ خاصة حاولت تأهيل مسرح الرشيد.


بغداد – علي الكرملي

”كل ذكرياتي فيه، أجمل لحظات عُمري هناك، عمري كلّه في خانة، والثلاثة أعوام وعَقْدَيْن في خانة أُخرى مكانُها القلب الذي ما زال يئنّ على رحيل تلك الأيام، ويأمل طالما بقيَ فيه نبضاً أن تعود أيّام الألق إليه من جديد“، بتلك الكلمات يستهل رائد المسرح العراقي، الفنان سامي عبد الحميد حديثه لـ «الحل العراق».

رائد المسرح العراقي- الفنان سامي عبد الحميد- أرشيفية

أكثر اللحظات الراسخة في ذهنه هي وقت تكريمه كأفضل ممثل عن دوره في مسرحية «الملك لير» في مهرجان المسرح العربي الأول عام 1985 في بغداد، يقول عبد الحميد، ويضيف، بالإضافة إلى تلك المسرحية قدّمنا العديد من المسرحيات، منها «نُدمكم هذا المساء» التي من فرط إبهارها للجمهور، تم عرضها لاحقاً في «المسرح الوطني» لاتساع مقاعده أكثر من «#مسرح_الرشيد».

رغم نقلها إلى هناك، فقد كُسِرَ الباب الخارجي للمسرح نتيجة التزاحم الكبير من قبل الجمهور نحوه لحضور العرض يومذاك، الرائد المسرحي موضّحاً، ”من أجمل المسرحيات التي أِقيمت عليه هي «تفّاحة القلب» ونتيجة نجاحها المثلج حينها تمت دعوتنا إلى ألمانيا فعرضناها في «مسرح الرعب» عام 2001“ عبد الحميد يختتم حديثه عن ذكرياته مع «مسرح الرشيد».

مسرحٌ يشكو الإهمال منذ 2003 والحكومات هي السبب:

لم يعد المسرح الذي شيّدته شركة فرنسية عام 1980 على طريقة «تسليم المفتاح» كما سابق عهده، فالمسرح الذي كان يحتوي على صالة كبيرة مخصّصة للعرض المسرحي، وغرف خاصة بالعروض السينمائية، وقاعات أُخرى للإكسسوارات والملابس المخصصة للممثلين، ومعدات خاصة بالحيل المسرحية التي تقدم أكثر من مئتين من المؤثرات الصوتية والبصرية، يعاني الإهمال والدمار مذ 2003.

يقول عبد العليم البنّاء، مدير إعلام وعلاقات دائرة السينما والمسرح في تسعينيات القرن المنصرم لـ «الحل العراق»، إن الإهمال الذي يطال المسرح سببه الرئيس هو الحكومات المتعاقبة عليه مذ 2003 وحتى اليوم، ”الحكومة التي تبني المولات والعقارات والشركات التجارية، ليس من العسير عليها تأهيل مسرح لا يكلّف خزينتها المبلغ الضخم، ولكنها لا تفعل ذلك لعدم استلامها عنه أي مقابل“.

عبد العليم البنّاء، مدير إعلام وعلاقات دائرة السينما والمسرح- أرشيفية

شركاتٌ حاولت تأهيل المسرح.. ولكن!!

عبد العليم يبيّن، أن هناك العديد من الشركات التي أرادت إعادة إعمار المسرح، لكن الحكومات المتعاقبة على امتداد 15 عاماً كانت تساوم تلك الشركات على مبدأ «fifty&fifty» حتى تُعطي الضوء الأخضر لها، لكنها كانت ترفض تلك المساومات، والنتيجة هي خراب الرشيد المستمر دونما حل يُذكر.

ما كان يميز «مسرح الرشيد» هي خشبته، إذ كانت تلك الخشبة (دائريّة متحرّكة) جعلته فريداً على مستوى تقنيات العمل المسرحي، فـ احتضنت تلك الخشبة مسرحيات «شكسبير ويوسف الصائغ ومحيي الدين زنگنة، وهذيان عدنان الصائغ»، ومسرحيات «روميو وجولييت» و «مخفر الشرطة القديم»، فضلاً عن الأمسيات الموسيقية ومعزوفات «تشايكوفسكي وبيتهوفن وباخ».

من أجل إحياء تلك المسرحيات والأمسيات الموسيقية، قام مجموعة من الفنانين والموسيقيين والناشطين عام 2016 بمحاولات لإصلاح ما يمكن إصلاحه من وضع المسرح، وفي الـ 27 من آذار/ مارس في ذلك العام وتزامناً مع يوم المسرح العالمي، تم افتتاح «الرشيد» مجدداً في جوّ ماطر كانت تتساقط زخات المطر من سقف المسرح على الحضور آنذاك.

جهود شخصية لتأهيل (الرشيد) وقطر على الخط:

”لم يكن تأهيلٌ للمسرح كما اعتقد البعض حينها، قدرَ ما هي محاولة لإحراج الرأي العام ولفت انتباه السلطة الحاكمة نحو وضع المسرح المؤلم، فتأهيل المسرح وإعماره تحتاج لوقفة جادّة من قبل الحكومة والمؤسسات المعنية من قبيل وزارة الثقافة وغيرها“، يقول الممثل والمخرج جلال كامل لـ «الحل العراق».

”تلك المحاولة لافتتاحه كانت من جيب الفنان الخاص، وجيبه الخاص لا يكفي لإعادة ترميم مسرح متهالك، تلك هي مسؤولية الحكومة، والحكومة لم تقم سوى بإزالة الأنقاض عنه طوال الـ 16 عاماً الفائتة“، يُضيف كامل.

المسرح الذي قال بحقه الممثل المصري «نور الشريف» في إحدى مشاركاته خلال دورات المسرح العربي “لو كنا نمتلك صرحاً فنياً مثل «مسرح الرشيد» وما يحتويه من استوديوهات متخصصة، لتفوقنا على السينما الأميركية بأشواط عدة”، تكفّلت قطر (الخميس الفائت) بتأهيله وفق مواصفات عالمية.

أُستاذ العلاقات العامة الدولية في إعلام بغداد، د. علاء مصطفى يقول لـ «الحل العراق»، إن قطر لديها سيولة وفائض مالي كبير، وهي تبحث عن دور في المنطقة ومتعطشة للنفوذ، لذا فهي تسعى الى مغازلة المثقفين بـ هكذا مشاريع تكون نقطة إشعاع لمشروعها”.

مصطفى يلفت، أن ذلك هو جزء من الصراع السعودي – القطري على العراق بعد الأزمة الخليجية، فـ قطر وبعد أن كانت تعير للعراق أهمية كبيرة في الجانب الرياضي، تسعى لتوسيع حدّتها فيه، بخاصة بعد توجه السعودية نحو النّخبة الفنّية والجمهور عبر إطلاقها (mbc عراق)، لذلك تتجه قطر نحو ذات الأمر وما تكفّلها بـ «الرشيد» إلاّ البذرة الأولى في ذلك الاتجاه.


هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.