وكالات (الحل) – نشرت صحيفة التلغراف البريطانية مقالاً تحليلياً سلّط الضوء على كتاب “The Price of Paradise”، أو(ثمن الجنة)، لكاتبه “إيان أوفيرتون” الذي يتحدث عن تاريخ الهجمات الانتحارية. حيث يبين كيف أن التفجيرات الانتحارية بدأت من روسيا القيصرية وتطورت وصولاً إلى هجمات عيد الفصح في سريلانكا مؤخراً.
فقد كانت جماعة “إرادة الشعب” الوحشية إحدى الفصائل الثورية في روسيا في القرن التاسع عشر، وبعد أربع محاولات فاشلة منهم لاغتيال القيصر “أليكساندر الثاني” من خلال تفجير، إما بسبب عدم استخدام كمية كافية من المتفجرات أو بسبب استهدافهم القطار الخاطئ أو بسبب توقيت التفجير المبكر، قرروا في النهاية أن لا حل سوى قيام أحدهم بالتطوع لتنفيذ المهمة من خلال جعل نفسه “قنبلة بشرية”. ففي أحد أيام الربيع من العام 1881، حمل “إيغناتي غرينيفيتسكي”، عبوة ناسفة يدوية متوجهاً إلى العربة التي تقل القيصر في شارع سان بطرسبورغ متسبباً بتفجير أدى إلى مقتله ومقتل ضحيته. إلا أن القيصرية لم تسقط حتى الثورة الروسية عام 1917. وبالرغم من ذلك، ما يزال “غرينيفيتسكي” يحتفظ ببصمته في التاريخ كأول من قام بعملية انتحارية في العالم.

وفي الوقت الذي يستهدف فيه منفذو العمليات الانتحارية كل مكان بدءاً بحفلات البوب في مانشستر انتهاءاً بالكنائس في سريلانكا، أصبح من الواضح ضرورة معرفة المزيد عن الأسباب التي تدفع بالأشخاص إلى تفجير أنفسهم. حيث يشير “أوفيرتون” في كتابه الذي تناول تاريخ هذه المهنة القاتلة إلى صعوبة تناول هذا الموضوع لسبب بسيط جداً وهو أن كل الشخصيات التي تناولها كتابه قد ماتوا. فلا يمكن سؤالهم “عما إذا كانوا يشعرون بالندم أو إذا ما كان قد انتهى بهم الأمر في الجنة حقاً أم في مكانٍ آخر”.

ومع ذلك، لم تضعف رغبة “أوفيرتون” في الاستكشاف، فقد سافر إلى مواقع التفجيرات الانتحارية حول العالم خلال عام وصفه بـ “السياحة المظلمة”، بدءاً من تماثيل الطيارين الانتحاريين “الكاميكازي” في اليابان والنصب التذكاري لأحداث 11 سبتمبر في نيويورك ومناطق الحرب في لبنان وإسرائيل. وقد قابل أقارب الضحايا، والمقاتلين الإسلاميين من مختلف الفصائل. كما قابل نمور التاميل السابقين والذين استخدموا هذه العمليات مئات المرات خلال حربهم الانفصالية ضد الحكومة السريلانكية. وكمجموعة علمانية ذات صبغة ماركسية، كان النمور وحوش مختلفون جداً عن الجهاديين الذين يُشتبه بتورطهم مع منفذي العمليات الانتحارية الوحشية في أحد عيد الفصح في سريلانكا. والتي راح ضحيتها حوالي 300 شخص من ضمنهم ثمانية بريطانيين.

وبالرغم من رحلته الطويلة والمريعة، إلا أن “أوفيرتون” استطاع تمييز خيوط مشتركة بين معظم منفذي هذه الهجمات. إحداها أن الجماعات التي تستخدم التفجيرات الانتحارية لا بد وأن يروجوا لفكرة المدينة الفاضلة. سواء كانت برؤية الشيوعية الملحدة أو “خلافة” الدولة الإسلامية أو الدولة التاميلية المستقلة، حيث يحتاج المتطوعون بتنفيذ العمليات الانتحارية للشعور بأن هناك ما يستحق الموت من أجله. ومن المحزن أن القائمين بالعمليات الانتحارية يتسببون بنتائج مأساوية. فبإمكانهم التفوق على الجيوش المجهزة بأفضل المعدات بالرغم من استخدامهم لقنابل رخيصة. وكما يشير عنوان “أوفيرتون” إلى أن منفذو العمليات لا بد وأن يدفعوا “ثمن” مقابل دخولهم إلى الجنة. ومن أجل تمزيق قواعد الحرب، فإنهم يسمحون لأعدائهم بفعل الشيء ذاته.

فعلى سبيل المثال، طيارو الكاميكازي اليابانيون قد تسببوا في هجماتهم الانتحارية بمقتل ما يقارب خمسة آلاف جندي أمريكي في الحرب العالمية الثانية، وصدمة عقلية صعبة لما يزيد عن ذلك العدد. وفي نهاية المطاف، كان لتأثير الصدمة النفسية تلك أثراً عكسياً بشكل خطير. فبدلاً من مخاطرة الرئيس “ترومان” بحياة مئات الآلاف من الجنود الأمريكيين ضد عدو بدا سعيداً جداً بالموت، قام بإلقاء القنابل النووية بدلاً من دخول ساحة المعركة مباشرةً.

وبحسب “أوفيرتون”، فقد دفع نمور التاميل الثمن ذاته من خلال قصف القوات السريلانكية لهم في النهاية لتودي بهم إلى الجحيم في العام 2009. كما نوّه إلى أن “العمليات الانتحارية تقضي على كل أشكال الاعتدال وتحرض على ردود أشد قسوة”. إلا أن ذلك لم يمنع الإرهابيين من استخدامه لما له من أثر مدمر في الشرق الأوسط. ففي العام 1983، هاجم المقاتلون “الشيعة” ثكنات لقوات حفظ السلام الأمريكية في بيروت بشاحنتين محملتين بالمواد المتفجرة، الأمر الذي تسبب بمقتل 241 جندي أمريكي، في أكبر خسارة في الأرواح العسكرية الأمريكية بعد هجوم تيت في حرب الفيتنام. وقد انسحبت الولايات المتحدة من لبنان بعد الهجوم بستة أشهر.

وكان الهجوم الذي نفذه المقاتلون “الشيعة” خاضعاً لفتاوى “آية الله” الذي استنكر الهجوم على الأهداف المدنية. وعندما بدأ المقاتلون “السنة” بإتباع هذا التكتيك لم يكن لديهم أي ضبط للنفس لأن المسلمين “السنة” لا يعترفون بولاية الفقيه. ما جعل حماس حرة في بدء عمليات التفجير الانتحارية ضد المدنيين الإسرائيليين في التسعينيات، وكذلك تنظيم القاعدة في تنفيذ هجمات 11 سبتمبر. وهكذا أصبح القتل والذبح العشوائي اليوم، حيث يعتبر عمال الإغاثة والمدارس وحتى إخوانهم المسلمين أهدافاً مشروعة للقائمين بالعمليات الانتحارية من “السنة”. ففي عراق ما بعد صدام حسين، على سبيل المثال، تم تنفيذ هجمات انتحارية بمعدل ثلاث هجمات كل خمسة عشر يوماً في الفترة ما بين العام 2003 و 2010. الأمر الذي أدى إلى مقتل 12 ألف شخص على الأقل. وقد دفعت تلك الهجمات الانتحارية بعض العراقيين إلى وشم أسمائهم وعناوينهم على أجسادهم خشية أن يكونوا ضحية أحد التفجيرات المفاجئة ويصبحوا جثةً يصعب تمييزها.

أما عن قدرة كل من تنظيم القاعدة وتنظيم داعش على جذب هذا الكم الهائل من الانتحاريين، فيرى الكاتب أن السبب لا يزال غير واضح حتى اليوم. فالفقر والجهل لا يفسران السبب بشكل كافٍ. فبالنسبة للشباب الذين نشؤوا في المجتمعات الإسلامية المحافظة اجتماعياً، فإن الوعد بالفوز بـ 72 عذراء في الجنة ربما يكون سبباً لجذبهم. لكن أحد الأسباب الهامة أيضاً، وبحسب الكاتب، هو تعدد الزوجات لدى بعض الرجال المسلمين، الأمر الذي يؤدي إلى بقاء رجال آخرين عزّاب وغير مرتبطين بالتزامات، ما يتيح لهم فرصة للانجذاب إلى تلك التنظيمات.

وتنهي التلغراف مقالها بالإشارة إلى أن كتاب “The Price of Paradise” كان مهمةً صعبة لكاتبه. ويبدو أن محاولات أوفرتون لتصوير الرواية التاريخية المسببة للتفجير الانتحاري في عهد القيصر وهؤلاء الانتحاريين في العصر الحديث بعيدة كل البعد عن الحقيقة. إلا أنه استطاع أن يكتب بشكلٍ جذاب. وعلى ضوء الأحداث الأخيرة الوحشية في سريلانكا، فمن الواضح أن الانتحاريين ما يزالون موجودون وسوف يستمرون. وربما كان الكاتب محقاً في تحذيره من أن الغرب وبحماية نفسه من التهديدات الإرهابية, يعرض نفسه لأن يصبح دولة أمنية بشكل مبالغ فيه.

تحرير: رجا سليم

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.