وكالات (الحل) – نشرت مجلة Slate الأمريكية تقريراً عن المنافسة الدائرة بين روسيا وإيران، حليفي نظام بشار الأسد الرئيسيان، للهيمنة وبسط النفوذ على سوريا بعد ثمان سنواتٍ من الحرب. فالحليفان الوفيان للنظام السوري منذ عان 2011 قد فعلا كل ما بوسعهما للحفاظ على “جزّار دمشق”: بدءاً من إرسال المرتزقة والسلاح ومن ثم التدخل العسكري المباشر واستخدام حق الفيتو في مجلس الأمن الدولي لمرات عدّة. هذا بالإضافة إلى الدعم المالي وغيره من أشكال الدعم الذي قدماه لهذا النظام. واليوم كل من الحليفين اليوم يطالب بحصته من الكعكة السورية بعد أن أنفقا مليارات الدولارات في حربٍ تكاد تقترب من نهايتها، لكن دون أن يراعي أحدهما عدم المساس بحصة الأخر.

فعلى مستوى النفوذ العسكري، فإن “الإخوة الأعداء” في صراع كسر العظم اليوم. حيث تريد موسكو أولاً الحفاظ على مكتسباتها. فهي لديها من قبل قاعدة بحرية في مدينة طرطوس الساحلية تعود إلى عام 1970، وكذلك قاعدة جوية في مطار حميميم في ريف اللاذقية، تم تجهيزها بعد التدخل العسكري الروسي المباشر في سوريا عام 2015. وقد أبرمت موسكو اتفاقاً مع دمشق في شهر كانون الثاني من عام 2017 لاستثمار مرفأ طرطوس لمدة نصف قرن من الزمان قابلة للتمديد. وفي المقابل، فإن الشرطة العسكرية الروسية قد انتشرت في عدد كبير من المناطق التي تم استردادها من قبل النظام السوري وحلفائه في السنوات الأخيرة من أيدي المعارضة المسلحة. حيث بات نظام الأسد اليوم يسيطر على ثلثي الأراضي السوري.

وقد ترأس الروس وبشكلٍ مباشر المفاوضات مع المعارضة المسلحة في هذه المعاقل المناهضة لنظام الأسد بهدف تنظيم علميات نزع السلاح وإخلاء المدنيين وكذلك المقاتلين بموجب اتفاقيات استسلام أطلق عليها اسم “المصالحات”. فسواء في الغوطة الشرقية بالقرب من دمشق أو في المحافظات الجنوبية في درعا والقنيطرة التي تم استرجاعها في العام الماضي، فإن الدوريات الروسية تتعايش مع قوات النظام السوري. كما أن الروس قد أنشئوا ثمانية مراكز مراقبة في الجزء السوري من مرتفعات الجولان غير بعيد عن الحدود الإسرائيلية. ولتعزيز شرعيتها في هذه المناطق, فقد شجعت موسكو تجنيد المقاتلين الشيشان المسلمون السنة، وفقاً لتقرير حديث صادر عن مركز عمران للدراسات الاستراتيجية. حيث كان هدف روسيا من وراء ذلك كسب تعاطف الشعب السوري ذو الغالبية السنية (75% قبل الحرب) في مواجهة إيران الشيعية بامتياز.

ويبين التقرير بأنه وبالإضافة إلى الانتشار العسكري على الأرض، فإن الروس يعملون على فرض وصايتهم على الأجهزة الأمنية المتعددة والمؤسسة العسكرية للدولة السورية من خلال الإصرار على تعيين الموالين لهم في مراكز القرار والمسؤولية. والهدف من ذلك هو اختراق مؤسسات الدولة السورية وفرض هيمنتها على هذه المؤسسات من جهة، وسد الطريق أمام أي ازدياد محتمل للنفوذ الإيراني في دوائر القرار الرئيسية في سوريا من جهةٍ أخرى. وبحسب التقارير المتواترة، فإن بشار الأسد قد عين في منتصف شهر نيسان الماضي، وبضغط من روسيا، جنرالاً موالياً لموسكو على رأس هيئة الأركان. حيث صدر قرار التعيين هذا وسط صمت في وسائل الإعلام الرسمية السورية.

أما فيما يتعلق برئيس شعبة المخابرات العسكرية، اللواء محمد محلّا، فقد تم إحالته إلى التقاعد بضغطٍ من روسيا كذلك قبل أن تتدخل إيران وتطلب تعيينه مستشاراً للأمن في القصر الرئاسي (الجمهوري). وقد وصل التحدي بين حليفي الأسد لدرجةٍ دفعت بمحمد باقري، رئيس الأركان الإيراني، للذهاب إلى دمشق في شهر آذار الماضي للإشراف على نقل محلّا إلى منصبه الجديد. بالإضافة إلى ذلك، فإن الروس يستهدفون رئيس إدارة المخابرات الجوية، اللواء جميل حسن، المقرّب من طهران.

من جهةٍ أخرى، فإن المنافسة بين روسيا وإيران قد امتدت لتشمل وحدات جيش النظام السوري. فالفرقة الخامسة من الجيش السوري، والتي قام بإنشائها الروس، تندرج تماماً ضمن إطار استراتيجية موسكو التوسعية ومنافستها لطهران. وبتعدادٍ يتجاوز الأربعين ألف مقاتل، فإن هذه الفرقة الشبه مستقلة عن الجيش السوري تضم اليوم ميليشيات مؤيدة سابقاً للنظام السوري ومجندين فرّوا من الخدمة العسكرية الإلزامية أو الاحتياطية وجنودٍ روس، بالإضافة إلى مقاتلين سابقين لفصائل المعارضة المسلحة المنهارة والذين كان عليهم أن يسلّموا أنفسهم.

من جهتها، فقد وقّعت طهران اتفاقاً للتعاون العسكري مع دمشق في شهر آب من العام الماضي. وهي تعتمد بدورها على الحرس الجمهوري الذي يترأسه بشكلٍ مباشر ماهر الأسد، الشقيق الأصغر للرئيس السوري والمقرّب من الحرس الثوري الإيراني (جيش النُخبة في طهران).
وفيما يتعلق بالميليشيات العاملة على الأراضي السورية، فإن “الأخوة الأعداء” مستمرون كذلك في التنافس ومناصبة العداء على مستوى هذه الميليشيات. وبحسب المرصد السوي لحقوق الإنسان، فإن الروس قد أطلقوا في عام 2016 حملة لحل الميليشيات الموالية للنظام السوري في جميع أنحاء البلاد أو وضعها مباشرةً تحت سلطتهم، كما حدث مع الميليشيا الفلسطينية “لواء القدس”. حيث سيتم تدريب هذه الميليشيات الموالية لروسيا من قبل شركة عسكرية روسية أوكرانية خاصة اسمها “فيغا”، كانت قد وضعت قدمها في وقتٍ ليس ببعيد على الأراضي السورية.

وفي المقابل، يتمتع “لواء الباقر” المدعوم من إيران بنفوذٍ قوي في مدينة حلب وريفها في الشمال ومدينة دير الزور في الشرق السوري. حيث يقود هذا اللواء الميليشيات العسكرية ويكتسب ممتلكات وأراضي. مسلحةً ومدعومةً من الحرس الثوري الإيراني والحشد الشعبي العراقي, فإن هذه الميليشيا يتم دعمها كذلك من قبل جيش المهدي في حلب وهي تشكل مع بقية الميليشيات المنضوية تحت المظلة الإيرانية – بما فيها حزب الله اللبناني (في حمص وريفها وعلى الحدود السورية اللبنانية) وكتيبة الإمام الحسين (في دمشق وضواحيها) وكتيبة أسد الله الغالب التي تم زرعها في ريف اللاذقية في الغرب، معقل النظام ومهد عائلة الأسد – عقبةً أمام الهيمنة الروسية على كامل الأراضي التي استعادها النظام السوري اليوم من أيدي المعارضة المسلحة.

كما يشير التقرير إلى أن كلا الحليفين هما اليوم في سباقٍ من اجل إبرام الاتفاقيات الاقتصادية مع النظام السوري والسيطرة على البنية التحتية في بلدٍ لا تزال فيه عملية إعادة الإعمار بانتظار الدعم المالي الدولي والمتوقف على الاتفاق مع القوى الغربية حول الحل السياسي للصراع. الأمر الذي يشكّل قضية مادية وجيو اقتصادية حقيقية. وفي هذا السياق، فإن وتيرة إبرام الاتفاقيات الثنائية مع دمشق من قبل حليفيها اللدودين تتسارع. ففي نهاية شهر شباط الماضي، أبرمت طهران مع دمشق أحد عشر اتفاقية ومذكّرة تفاهم، بما في ذلك اتفاقية تعاون اقتصادي “استراتيجي وطويل الأمد”. حيث شملت هذه الاتفاقية الأخيرة إعادة تأهيل مرفأي طرطوس واللاذقية، وكذلك بناء محطة طاقة في سوريا.

وقبل ذلك بشهر، كانت موسكو قد وقّعت مع دمشق سلسلة من الاتفاقيات الاقتصادية والعلمية والصناعية. هذا بالإضافة إلى العقود التي كانت قد وقّعها البلدان في عام 2018. لكن على ما يبدو فإن لروسيا اليد العليا في هذا المجال بالرغم من الاتفاقيات التي وقّعها الإيرانيون مع نظرائهم السوريين. فوفقاً لتقرير نشره المعهد الملكي للأعمال الدولية Chatham House، والذي يتخذ من لندن مقراً له، في شهر آذار الماضي تحت عنوان “روسيا وإيران: النفوذ الاقتصادي في سوريا”، فإن منح عقد استخراج الفوسفات حديثاً في سوريا يُظهر كيف يمكن أن تستمر التوترات بين روسيا وإيران في الارتفاع. ففي عام 2017، كانت كلّ من الحكومتين الإيرانية والسورية قد وقعتا مذكرة تفاهم أعطت دمشق بموجبها لإيران حق استثمار حقل الشرقية للفوسفات بالقرب من تدمر. لكن وفي شهر آذار من عام 2018, قامت دمشق بمنح حق امتياز حصري مدّته خمسون عاماً لاستخراج وبيع 2.2 طن من الفوسفات في السنة من نفس الحقل لشركة سترويتر غاز، إحدى اكبر شركات المقاولات الروسية والتي يملكها أحد أقارب فلاديمير بوتين. واليوم نفس السيناريو على وشك أن يتكرر في مرفأ طرطوس. فعلى الرغم من أن توسيع هذا المرفأ كان جزءاً من الاتفاقيات التي وقعها النظام السوري مع نظيره الإيراني في بداية هذا العام، إلا أن شركة سترويتر غاز هي من ستقوم باستثمار هذا المرفأ لمدّة 49 عاماً قابلة للتمديد, كما أعلن وزير النقل السوري مؤخراً.

فبالنسبة لروسيا، المسألة تجارية وعسكرية في آنٍ معاً نظراً لقرب قاعدتها العسكرية من هذا المرفأ على البحر الأبيض المتوسط. أما بالنسبة للعديد من المسؤولين في النظام السوري، فإنهم كانوا يفضّلون منح استثمار هذا المرفأ لروسيا خشيةً من تداعيات العقوبات الدولية ضدّ إيران على نشاط المرفأ ذو الإمكانيات عالية النمو، بالرغم من أنا شركة سترويتر غاز ترزح كذلك تحت العقوبات الغربية منذ ضم شبه جزيرة القرم من قبل روسيا. ويشير معهد Chatham House إلى أن هناك اتجاه متزايد للاتفاقيات الإيرانية الموقعة (مبدئياً) مع النظام السوري والتي لم يتم ترجمتها إلى عقود ملزمة. فصعوبات إيران في سوريا تعود كذلك إلى العقوبات الدولية التي تشلّ اقتصادها […]”.

ومن بين الصفقات التي أبرمتها إيران مبدئياً مع دمشق والتي بقيت حبراً على ورق، صفقة استثمار في قطّاع شبكة الهواتف المحمولة. لكن الشركات الروسية على أتم استعداد للانقضاض على الاستثمار في مختلف القطاعات في سوريا. فمجموعة روستيك, التي تضم 700 شركة، تنوي إعادة بناء شبكة السكك الحديدية السورية من خلال فرعها UVZ, خاصةً لتأمين نقل الفوسفات المستخرج من حقل الشرقية قرب تدمر إلى مرفأ طرطوس. كما أن مجموعة روستيك المذكورة قد فازت بالفعل في عام 2016 بعقد لإنشاء “حكومة إلكترونية” في سوريا.

وفي الوقت ذاته, فإن إيران، التي سبق وأن منحت خطوط ائتمان لأكثر من 6.6 مليار دولار أمريكي للنظام السوري منذ عام 2013، تريد أن تأخذ حصتها من الكعكة السورية. ففي بداية شهر شباط الماضي, أخبر وزير خارجيتها نظيره السوري “باستعداد الشركات الإيرانية للتعاون اقتصادياً مع سوريا خلال فترة إعادة الإعمار”. وبعد ذلك بثلاثة أسابيع، قام بشار الأسد بزيارته الأولى لطهران منذ اندلاع الثورة السورية.

فمن منظور طهران, فإن مرفأ اللاذقية، والذي كانت دمشق قد منحت إدارته في عام 2009 لمدة عشرة سنوات لمشروعٍ مشترك بين فرع لشركة النقل الفرنسية CMA-CGM وشركة سوريا القابضة المحلية، لا يجب أن يفلت من قبضتها هذه المرة. وبحسب مجلة “الاقتصادية”، فإن موضوع مرفأ اللاذقية سيتم حسمه في شهر تشرين الأول المقبل لصالح طهران، ما لم يتم تمديد العقد الحالي أو تكرار سيناريو مرفأ طرطوس وحقل الشرقية مع الروس.
وأخيراً, فإن روسيا تستعد منذ عام 2015 للاستحواذ على استخراج البترول والغاز السوريين, حيث لا تزال العديد من حقولهما تحت سيطرة القوات الكردية في شمال وشمال شرق البلاد. وهناك شركات روسية مثل غاز بروم نيفت ولوكوال قد قامت بالفعل بوضع اللبنة الأساسية لها في سوريا. وقبل اندلاع الثورة السورية، كانت سوريا تنتج 385 ألف برميل في اليوم, مما كان يحقق إيرادات تصل إلى 3.2 مليار دولار سنوياً للدولة السورية، وفقاً لصندوق النقد الدولي. أما اليوم, فيقدّر إنتاجها الحالي بـ 70 ألف برميل في اليوم.

ويكشف التقرير بأن القطاع الوحيد الذي أهمله “الأخوة الأعداء” حتى الآن هو قطاع الكهرباء، على الرغم من مذكرات التفاهم التي وقعها النظام السوري مع كلّ من روسيا وإيران بهدف إقامة العديد من المحطات لتوليد الكهرباء في جميع أنحاء البلاد. ولعل السبب يعود إلى الافتقار إلى الأموال من جانب النظام السوري لتمويل حصته من هذه المشاريع، وفقاً لتحليل معهد Chatham House.
وتختم مجلة Slate تقريرها بالإشارة إلى أن هدف إيران من سباقها مع روسيا ومحاولتها الاستحواذ على النفوذ في سوريا هو البقاء الدائم في سوريا لتعزيز دورها كقوة إقليمية وكذلك تعزيز الهلال الشيعي من إيران إلى لبنان عبر العراق وسوريا. وبالتالي زيادة الضغط على إسرائيل ومن ورائها الولايات المتحدة الأمريكية، من خلال سيطرتها على دولة حدودية مع الدولة العبرية. وفي هذا السياق، قام الحرس الثوري الإيراني بإنشاء الفرقة 313، وهي قوات تابعة لجيش النظام السوري ومنتشرة في جنوب سوريا. وبحسب مركز عمران للدراسات الإستراتيجية, فإن هذه الفرقة قد جنّدت بالفعل المئات من المقاتلين الشباب في محافظة درعا، على بعد 30 كم من الحدود الأردنية و45 كم من الحدود الإسرائيلية.

أما بالنسبة لروسيا، فإن هدفها من الاستحواذ على النفوذ في كافة أشكاله في سوريا هو جزء من إستراتيجيتها المتمثلة بالعودة وفرض سيطرتها على كامل المنطقة على المستويين السياسي والعسكري. فشركة روس نيفت الروسية, على سبيل المثال, تريد خلق سلسلة من إنتاج البترول يربط العراق بالبحر الأبيض المتوسط مروراً في سوريا. والاهتمام الروسي الخاص بالنفط والغاز السوريين, بما في ذلك الموارد البحرية، له بعد جغرافي واقتصادي. فموسكو تسعى إلى بناء دائرة طاقة عابرة للحدود في منطقة غنية بالهيدروكربون، بما في ذلك قاع البحر الأبيض المتوسط الذي يفيض بكميات كبيرة من الغاز البحري. ولتحقيق هذه الاستراتيجية، فقد وقعت مؤخراً شركة “روس نيفت”، والتي تتخذ من مدينة كركوك العراقية مقراً لها، عقداً مدته 20 عاماً مع السلطات اللبنانية لتشغيل صهاريج تخزين الوقود في شمال البلاد.

تحرير: رجا سليم

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.