ريف دمشق (الحل) – يواجه عناصر النظام في المناطق الهادئة “نسبياً”، واقعاً صعباً في ظل استمرارهم في الخدمة الإلزامية دون معرفة موعد نهاية محدد لها، حيث تجاوز بعضهم حاجز الخمس سنوات من الخدمة، ويعانون من روتين يومي فرضته الظروف المحيطة بهم، والسياسات الذي تتبعه القيادة معهم.
وحاول بعضهم كافة السبل للتغلب على هذا الواقع، دون جدوى، ما تسبب لهم بأزمات نفسية وعرضهم لضغوط هائلة، صحياً ونفسياً، واجتماعياً، وأصبحوا يستجدون المسؤولين عبر وسائل التواصل الاجتماعي للخلاص من هذه المهمة التي لايبدو أنها ستنتهي

انتهاكات بالجملة ومعاملة مُذلة
وعلى الرغم من حفاظهم على “القسم العسكري” والإخلاص لجيش النظام إلّا أنّهم تعرضوا لانتهاكات واسعة من الضباط المسؤولين عنهم، حيث يمارس الأخيرين سطوتهم المكثفة على العناصر دون مراعاة خدمتهم لسنوات إضافية على الرغم من تردي الأوضاع الأمنية والمعيشية.
في صباح يوم عادي في منطقة هادئة جداً في ريف دمشق الغربي، حيث لا اشتباكات ولا مواجهات، يقوم، عقيد من جيش النظام بجولة تفقدية على أحد الحواجز فيجد العنصر المكلف بالحرس نائماً، يعتدي عليه بالضرب والشتم، ويدوسه قبل أن يطلب من مرافقته وضعه في صندوق السيارة وسوقه للسجن، ثم ينهال العقيد بالشتائم والضرب على الملازم المسؤول لما وصفه بالتخاذل والتراخي بأداء الواجب العسكري، علماً أنّ الضابط ذاته يتقاضى رِشاوى مقابل تسيير البضائع على الحواجز ويتقاسم ذلك مع المسؤولين عنه في اللواء 121.

ولا تتوقف الانتهاكات عند هذا الحد بل يعمل ضباط النظام على ابتزاز العناصر من خلال استغلال حاجتهم للإجازات، ويقومون بأخذ راتبهم إضافةً لمبلغ يساويه للسماح لهم بنزول إجازات طويلة، وعند وقوع أي مشكلة يقوم الضباط بتسجيل الحاصلين على هذه الإجازات على أنّهم فارين من الخدمة، ويواجهون عقوبات قاسية تبدأ بالسجن، وتنتهي بالنقل إلى مناطق المواجهات.

لباس رديء وطعام “مجهول الهوية”
اشتكى الآلاف من عناصر النظام من جودة الطعام وطريقة تقديمه، حيث تقوم مجموعة عناصر بنقل الطعام بأواني مكشوفة، وتوزعه على العناصر بطريقة وصفوها بـ “غير إنسانية”، حيث يقف المكلفون بالتوزيع ويأتي العناصر بأوانيّهم ويُسكب لهم الطعام “بنكهة الذباب والحشرات”، إذ لا تتم مراعاة ظروف النظافة والسلامة الصحية في تقديم الطعام للعناصر، إضافةً للطعام السيء يتم توزيع ملابس غير مناسبة على العناصر، وقال أحدهم (رفض كشف اسمه) “أعطوني بدلة أكبر من مقاسي بثلاث مرات حتى لم أكن أستطيع المشي أو الحركة بها”، ويضطر العناصر لدفع تكاليف تفصيل البدلة العسكرية، حيث يدفعون ما لا يقل عن عشرة آلاف ليرة “ليخدموا العلم بمظهر أنيق”، حسب وصفه.

سطوة الميليشيات الأجنبية وتسلطها شكّل عناصر وقياديو الميليشيات الأجنبية الموالية للنظام كابوساً لعناصر النظام، حيث استغلوا الصلاحيات الممنوحة لهم بفرض سلطتهم على عناصر النظام، ليقوموا بإلزامهم بأنظمة خاصة بهم، و يعاملونهم بطريقة فوقية، إضافةً لإخضاعم لتدريبات قاسية، وُصفت من بعض عناصر النظام بأنّها مُذلة، كما أنّه لا مكان للاحترام في معاملة المسؤولين عن الميليشيات مع العناصر الذين يخشون التعرض لاتهامات طائفية في حال اعترضوا على شيء من هذه الممارسات
. وتستمد الميليشيات الأجنبية سلطتها من حصولها على صلاحيات كبيرة من النظام، بسبب الخدمات الكثيرة التي قدمتها، حيث تنسق مع ميليشيات تابعة للنظام بتجارة الممنوعات ويحقق المسؤولين النافذين أرباحاً طائلة، كما تُساهم الميليشيات الأجنبية بخوض المواجهات العسكرية ضد فصائل المعارضة لترجيح كفة النظام، مستغلةً العقيدة المزروعة في عقل كثيرين من مقاتليها المستعدين للموت في خدمتها، كونهم يعتبرون أنفسهم أصحاب الحق والمقاومة.

خير جليس في نقاط الحرس “موبايل”
لجأ عناصر النظام إلى الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي كوسيلة للتغلب على الروتين اليومي الذي يعيشونه، ومحاولةً منهم لتناسي الأزمات والانتهاكات التي تعرضوا لها مراراً، وباتت نوبة الحرس لديهم عبارة عن كرسي وطاولة صغيرة مع إبريق متة أو شاي، وجوال حديث يتسامرون فيه مع أحبتهم أو أصدقائهم الافتراضيين، حتى وصلوا لمرحلة السهو عن الحرس فقد تعرض أحد العناصر لسرقة بندقيته في إحدى بلدات الغوطة الغربية بريف دمشق.
إضافة لقضائهم وقتاً طويلاً في المساحات الافتراضية، يحاول العناصر القيام بشيء واقعي، كأن يلعبوا كرة القدم في مساحات صغيرة، ثم يتعرضوا “للبهدلة” بسببها، أو يطلبون إجازةً ساعية لقضاء ساعات في أحياء العاصمة برفقة أحد أقربائهم أو فتيات تعرفوا إليهن على الانترنت في مقاربة لحياة أي شاب طبيعي يخطط للاستقرار والزواج.

حملات للمطالبة بالتسريح على مواقع التواصل
استغل عناصر النظام استخدامهم للتقنية الحديثة بنقل مطالبهم إلى فضاء مواقع التواصل الاجتماعي، وأطلقوا حملات تطالب بتسريحهم من الخدمة، وتم توجيه خطابات مباشرة للمرة الأولى “للسيد الرئيس” بضرورة تسريحهم للحصول على فرصة أخيرة لبناء مستقبلهم والبحث عنه بعد قضاء سنوات من ربيع العمر في الخدمة العسكرية، وعدم قدرتهم على ممارسة حياتهم بشكل طبيعي بسبب القيود التي يفرضها جيش النظام على عناصره.
ولاقت هذه الحملات تعاطفاً شعبياً، لكنها لم تجد أي ردود رسمية، حيث لم يصرح مسؤولوا النظام عن وجود تسريح قريب للدورات القديمة، والتي لا تزال مستمرة في جيش النظام منذ أكثر من خمس سنوات.

ورغم تغير طبيعة الحرب وانخفاض وتيرتها مقارنة بالسنوات السابقة، إلا أن قرار تسريح هؤلاء العناصر لايبدو بالقريب، حيث لا مجندين جدد يلتحقون بصفوف الخدمة الالزامية ولا ضمانات واضحة أن المناطق المستقرة ستبقى على حالها، فلا سبيل أمام النظام إلا الاحتفاظ بمن تورط في الخدمة قبل سنوات والزج بهم في مواجهات محتملة.

سليمان مطر

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.