(الحل) – منذ بداية الأحداث في سوريا في العام 2011، وقفت روسيا في صف النظام السوري بشكل منقطع النظير، وساهمت معه بكل الأدوات السياسية والعسكرية والاقتصادية في قمع الاحتجاجات التي انتفضت في المدن السورية، وتدخلت بشكل عسكري مباشر في العام 2015 لتضع كلّ ثقلها الجوي لترجيح كفة النظام التي كادت أن تهوي بعد خسارته لمساحات واسعة إثر سيطرة فصائل المعارضة على إدلب ودرعا والغوطتين الشرقية والغربية في محيط دمشق، وأجزاء واسعة من أرياف حمص وحماه ودير الزور وتدمر.

 

«أبو علي بوتين»

لم تكتف روسيا بالمساندة والتمويل العسكري؛ بل دعمت روسيا خزينة النظام بالعملة النقدية الصعبة، وساهمت في مشاريع اقتصادية عدة تكون البديل لتعويض الشركات والمشاريع التي انسحبت من البلاد إثر العقوبات الاقتصادية المتتالية. أما على الصعيد السياسي؛ لا يخفى على أحد أن الدب الروسي أشهر الفيتو في وجه القرارات المنددة بالنظام السوري اثنتي عشر مرة! واحتوى أزماته المتكررة عبر منافذه الدبلوماسية، من مجزرة الكيماوي إلى قصف المدنيين في مناطق عدة.

كل هذا الدعم دفع الشارع الموالي إلى اعتبار #روسيا حليفاً حقيقياً للنظام في سوريا، ورفع لافتات شكر لموسكو وبجانبها العلم الروسي وصورة للرئيس #فلاديمير_بوتين، وذهب الأمر بالبعض بتسميته لقب «أبو علي بوتين». كما بدأت المعاهد بتعليم «لغة الحلفاء»، وإنشاء مقاهي بأسماء روسية، وانتشرت التذكارات التي تشير إلى روسيا في الأسواق الشعبية والبارات والحانات. فهل حقاً النظام الروسي حليفاً حقيقياً للنظام السوري؟

 

إيران عدو 

إن الخلافات الروسية-الإيرانية كانت تطفو على السطح عند أي انجاز؛ أو انتصار على قوات المعارضة في منطقة ما، وكلا الطرفين يريدان تنسيب ذلك لنفسه، ولم يخفِ أي من الطرفين عدم ارتياح من كل جانب من الآخر، وتطور عدم الارتياح شيئاً فشيئاً، من مشاحنات إلى تصريحات متضاربة ثم تصريحات يهاجمون فيها بعضهم البعض، وسجلت مؤخراً اشتباكات عدة بين ميليشيات مدعومة إيرانياً، وأخرى تتبع للدعم الروسي.

كما كانت موسكو على علم بكل الضربات الإسرائيلية التي استهدفت مواقع إيرانية في سوريا، ولم تتحرك أنظمة الدفاع الجوية المحدثة خلال تلك الغارات، بل زوّدت الطائرات الروسية المراصد الإيرانية جميع الإحداثيات بالأهداف الإيرانية ليتم قصفها بدقة، وليتم تجنيب الجيش السوري أيّة خسائر، وفق مصادر دبلوماسية وإعلامية. ومن الطبيعي أن تكون تضارب المصالح الإيرانية-الروسية على الأراضي السورية، نقاط علّام تتغير من خلالها معادلات الواقع على الأرض، لتبدو طهران، حليفة دمشق المقرّبة، عدوّة موسكو اللدودة!

 

أيام العسل بين روسيا وتركيا

في الوقت الذي تُجاهر دمشق بعدائها لأنقرة وللرئيس التركي رجب طيب أردوغان، تقتربُ العلاقات الروسية-التركية أكثر من أي وقت مضى، وتزدهرُ العلاقات التجارية والاقتصادية والعسكرية إثر صفقة الصواريخ التي باعتها روسيا لتركيا مؤخراً. ورغم الصدام الطفيف الذي حصل بين البلدين إبان إسقاط تركيا لطائرة روسيا في العام 2015، لكن سرعان ما تم استيعاب الأزمة الدبلوماسية، وعودة المياه لمجاريها. ولا يمرّ شهر إلا ويزور مسؤول تركي موسكو أو العكس، كما تكثر الاتصالات المباشرة بين الطرفين فيما يخص مواضيع عدّة، وأبرزها الملف السوري، وهذا ما جعل العديد من المتابعين يطلقون على العلاقة بينهما بـ«أيام العسل» بين موسكو وأنقرة.

وفي ظل جميع التصريحات التركية المنددة بهجمات #إدلب، أكد الروس أن الحقيقة هي أن أنقرة تسلم موسكو مواقع المسلحين في إدلب، وأن الهجمات في الشمال تجري بتنسيق عال بين البلدين، والهجوم الأخير الذي يعتبر الأعنف على ريفيّ إدلب وحماة كان واضحاً أنه يعتمد على إحداثيات حصل عليها من وزارة الدفاع التركية، أنها الحقيقة التي كشفتها التقارير الدولية، بالإضافة لعشرات المقالات والفيديوهات المصورة، والتي يصعب على المعارضين تبريرها.

 

بوتين صديق شخصي لتل أبيب

قد تكون موسكو حليفة مؤقتة لدمشق، وصديقة مقربة من أنقرة، لكن لا شيء يُضاهي العلاقات الروسية-الإسرائيلية، والغزل المتبادل بين البلدين، لدرجة أن الرئيس الإسرائيلي أكد في أكثر من مناسبة، أن بوتين هو صديق شخصي لتل أبيب.

عند عمق وتأثير هذه المصالح، لا تبالي روسيا بمشاعر دمشق وسكانها فيما يخص علاقتها مع إسرائيل، وفضحت جثة الجندي الإسرائيلي الذي تم تسليم جثمانه إلى تل أبيب، مدى تلك العلاقة الحميمية، وتكللت العلاقة القوية بإشراف الجيش الروسي على عملية نقل الجثمان من مدفنه في مخيم اليرموك المعروف بسكانه فلسطينياً إلى القصر الرئاسي بموسكو، ولتسلّم الجثة للجيش الإسرائيلي بموكب ومراسيم رسمية، وسط كرنفال كبير، حضره كبار الزعماء من البلدين، الذي احتفلوا بالعملية وأهميتها.

 

سوريا مستعمرة تتبع لموسكو

لا يبدو أن موسكو تبني علاقة ندية مع دمشق على الإطلاق، فهي تعامل البلاد كمستعمرة تتبع لديها، وتملي على الحكومة والنظام السياسي الأوامر، وعلى الجميع التنفيذ. وقد يُسمح للأسد أن يناقش في بعض القضايا، لكن معظم الأوامر التي تأتي من «المعلم بوتين»، يجب أن تنفذ مباشرة وبشكل حرفي. ولعلّ الصور التي جمعت الأسد مع بوتين في مطار حميميم كانت أكثرها إساءة للأسد وإهانة لنظامه.

وظهر ذلك أيضاً من خلال إعلان وزارة الدفاع الروسية مواعيد اجتماعات آستانة، أو إعلان الخارجية الروسية لنتائج مباحثات جنيف، وتحدّث الكرملين باسم الحكومة السورية، وإنشاء عشرات المشاريع والاستيلاء على الموانئ والغاز والبادية والمزروعات السورية. وفي الوقت ذاته، لا تأبه موسكو لدمشق في علاقتها مع أنقرة وتل أبيب، وفي عدائها لطهران، وتعمل بشكل واضح وصريح من أجل مصالحها بعيداً عن العواطف والمشاعر.

 

«الورطة السورية» 

يُدرك السوريون في الداخل شيئاً فشيئاً أن روسيا ليست إلا دولة عظمى، تهيمن بمصالحها وقوتها واقتصادها وجيشها على عدد من البلدان، وتحاول أن تنسج معها علاقات ودية تخدم أهدافها الإستراتيجية، وكانت سوريا هي الضحية التالية لضحاياها، حالها حال أميركا التي تهيمن على دول أخرى، ليتضح الصراع العالمي بين الدول العظمى على حساب الدول المستضعفة بشعوبها والمستكينة بحكوماتها وحكّامها!

وبناء على كل ما سبق؛ وعلى الرغم من الإظهار- بمظهر المنتصر- في عدم سقوط النظام خلال السنوات الثماني من الاحتجاجات والحرب، يمكن القول إن روسيا تواجه مأزقاً كبيراً في ترتيب خروجها من «الورطة السورية»، أو المستنقع الذي وقعت فيه، والمكاسب التي جمعتها وستجمعها من العقود التي أبرمتها لن تنقذها من ورطتها، وهذه بالذات قد تكون نقطة الانعكاس بكل سلبياتها على مكانة روسيا ونظرتها إلى حالها على أنّها قوة دولية عظمى، أي «تكبير حجرها» أكثر، بحيث توسع من سياساتها العدائية في المنطقة.

 

سامي صلاح

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.