(دمشق) – بأكثر من مليون زائر قدموا من حول العالم في أيلول عام 1954، نظمت أولى دورات #معرض_دمشق_الدولي، على امتداد 250 ألف متر مربع، تشمل جسر فيكتوريا والمتحف الوطني، حتى ساحة الأمويين بمحاذاة #نهر_بردى، ولمدة شهر كامل.

استمر تنظيم المعرض سنوياً في ذات المكان، وفي ستينيات القرن الماضي بنى مهندسون نصب السيف الدمشقي وسط ساحة الأمويين بمناسبة المعرض، ليطل بإحدى واجهتيه على الساحة والأخرى على المعرض، وعليه أعلام الدول المشاركة.

أقيم في أرض المعرض، ملعبٌ لكرة القدم ومكان خاص للعروض العسكرية، وملعبان للتنس، ومسبح كبير سمي بالمسبح البلدي، ومسرح معرض دمشق الدولي، وكان رسم الدخول إلى المعرض بـ 50 قرشاً والأطفال مجاناً، لكن كل هذه الأنشطة يفتقدها المعرض حالياً.

معرض دمشق الدولي ما قبل البداية

على أرض “العباسية” التي تشغلها حالياً سينما #دمشق وفندق سميراميس، كانت المحاولات الأولى قبل البداية الرسمية، وتحديداً عام 1927 عندما نظم أول #معرض على مستوى المنطقة في دمشق.

حيث قام وزير الزراعة حينها (نصوح البخاري) بتنظيم المعرض في تشرين الثاني من ذات العام، واقتصرت المعروضات على المنتجات الزراعية، وشارك فيه أكثر من 1500 عارضاً من سوريا ولبنان والعراق، ولاقى نجاحاً لافتاً، إذ بلغ عدد زواره أكثر من 11000 شخص.

واصل تجار وصناعيون من عدة دول عربية تنظيم معارض وبقيت هذه الحالة حتى تطورت بشكل ملحوظ عام 1936 ليقام “معرض ربيع دمشق”، الذي بلغت مساحته 7000 متر مربع، وشمل مختلف المنتجات والصناعات في سوريا، وشاركت فيه كل من مصر وتركيا وإيران.

بقيت معارض دمشق في حالة تطور مستمر سنة بعد سنة، وأخذت أهميتها تتوسع لتشمل الغايات الاقتصادية والثقافية والفنية والسياحية، لينطلق “معرض دمشق الدولي” الأول 1954، في فترة ساهمت فيها المعارض السابقة بتطور المنتج السوري، ووصوله دولاً مختلفة.

عمالقة الفن ضيوف دائمون للمعرض

كان معرض دمشق الدولي يتميز بأنشطة ترفيهية وثقافية متعددة، وبمشاركة دول مختلفة حول العالم، ففي الدورة الثانية 1955 حضرت أم كلثوم إلى دمشق وغّنت في دار سينما دمشق.

وأيضاً افتتح بالتزامن مع المعرض وضمن فعالياته التي كانت تعم دمشق كلها، مهرجان السينما العالمي على خشبة مسرح المعرض في الهواء الطلق، وعرضت فيه عدة أفلام عربية وأجنبية منها: بنات الليل، وثورة الجسد، وطابور الجميلات وغيرها، وأصدرت حينها المؤسسة العامة للبريد طابعاً بريدياً تذكارياً أصبح تقليداً يرافق كل دورات المعرض التالية.

فيروز غنَّت مراراً على خشبة مسرح المعرض وأدت أدواراً مع فرقة الرحباني، وارتبط المعرض بصوتها، الذي يجب أن يصدح في المعرض حتى اليوم.

وعلى خشبة مسرح معرض دمشق الدولي أيضاً، غنَّى عبد الحليم حافظ، وصباح، وشادية ووديع الصافي، ووردة الجزائرية وصباح فخري، والعديد العديد من الفنانين.

بات معرض دمشق الدولي جاذباً ليس فقط للتجار، بل لعمالقة الفن والفكر، وصار عنصراً سياحياً جاذباً ذو جدوى #اقتصادية لسوريا ككل.

المعرض بعد نصف قرن

بعد 50 عاماً من انطلاقه تقريباً، وتحديداً عام 2003 انتقل مكان المعرض من وسط دمشق إلى ريفها ليصبح مقره على طريق دمشق الدولي، بمكان بعيد بحجة أن دمشق باتت مزدحمة وغير قادرة على استيعاب التوسع المستمر للمعرض.

وسمي مكانه المخصص بـ “مدينة المعارض”، إذ حصرت الحكومة السورية تنظيم جميع المعارض بكل أنواعها في ذلك المكان منذ نحو عامين، ولم تعد هذه المدينة التي تمتد على مساحة 1,200,000 م2، فقط مخصصة لمعرض دمشق الدولي.

تبلغ مساحات العرض المبنية في المدينة 83,000 م2، ومساحات العرض المكشوف 150,000 م2، أما المساحات الخضراء فتبلغ 60,000 م2.

عودة خجولة بطابع سياسي

استمر المعرض بعد انتقاله لمقره الجديد حتى 2011 واندلاع الحرب في سوريا، وخروج ريف دمشق عن سيطرة الحكومة، وتمركز المعارك والقصف على المناطق التي تقع على طريق المعرض ومحيطه، ليتوقف تنظيمه حتى عام 2017 بعد استعادة الحكومة سيطرتها على محيط الطريق المؤدي إلى المعرض.

افتتح المعرض بدورته الـ 59 بعد انقطاع 6 سنوات، لكن هذه المرة بضعف اقتصادي كبير، وقلة في المنتج الوطني، وهروب الكثير من #رجال_الأعمال والشركات ومقاطعة دولية واسعة.

وكان هدف الحكومة من إعادة إحيائه، سياسي بحت وفقاً للعديد من الاقتصاديين الذين التقاهم (الحل)، إذ لم يثمر في دورته الأولى بعد الانقطاع عن صفقات هامة، ولم تشارك فيه دولا أوروبية، والهدف الأساسي منه كان الإعلان عن سيطرة الحكومة السورية على مناطق في ريف دمشق، وتصدير مظهر المنتصر.

واستخدمت الحكومة دورات المعرض منذ 2017 للترويج لبعض الوفود، التي تأتي من دول مختلفة كوفد اليمين الفرنسي ليرسل رسائل سياسية من خلالهم.

تراجع واضح… وحضور واسع لإيران وروسيا

في الدورة الأولى بعد الانقطاع، أعطيت الأفضلية لمشاركة القطاع الخاص السوري نتيجة ضعف المشاركات الدولية التي زادت في دورة 2018، ثم عادت لتنخفض بشكل عام في الدورة الحالية سواء للشركات المحلية أو الدولية.

ففي عام 2017 شاركت 43 دولة في #المعرض، وفي عام 2018 نحو 48 دولة، لكن في 2019 انخفض العدد إلى 38 دولة فقط، على الرغم من مشاركة دول جديدة هذه المرة مثل الإمارات وسلطنة عمان.

واقتصر الحضور والمشاركة في الدورة الحالية على الدول الداعمة للحكومة السورية مثل #كوريا_الشمالية وكوبا وفنزويلا، إضافة إلى روسيا وإيران صاحبتا النصيب الأكبر من مساحة المعرض.

إضافةً إلى مشاركة الجزائر والبرازيل وسلطنة عمان والهند والصين ولبنان والعراق، ولكن الحدث، الذي استحق احتفاءً لافتاً من قبل الحكومة كان حضور دولة الإمارات العربية المتحدة.

وأكد أحد مسؤولي التسويق في شركة تصنيع غذاء سوريا في المعرض لـ (الحل) أن “أغلب عقود التصدير تكون لروسيا والصين، وهاتين الدولتين ليستا بحاجة معرض، حتى أننا طيلة أيام المعرض لم نتحدث بشكل جاد سوى مع شخصين أخذا عينات للدراسة”.

وتابع “كُلف المنتجات السورية باتت مرتفعة، وهناك منافسين كثر وأسواق مفتوحة، بالتالي لم نعد منافسين بالسعر، ولا بالمنتجات التي تركز بمعظمها في سوريا على الغذائيات”، على حد قوله.

وفي جولة لمراسل موقع (الحل) في المعرض، تبين غياب شركات سورية هامة، منها دمشق الشام القابضة، وشركات (سامر فوز) ولم يشارك سوى بـ “سيا موتورز” و”شركة الكابلات والمحولات الكهربائية”، بينما كانت الكثير من الأجنحة الدولية فارغة، وتقتصر على وجود صور دون موظفين حتى.

وتراجع عدد شركات #الألبسة بشكل كبير من نحو 200 شركة العام الماضي إلى 50 شركة في الدورة الحالية.

كما كان لافتاً تراجع مشاركة المصارف الخاصة في المعرض مقارنةً بالدورتين الماضيتين، إذ اقتصرت المشاركة على 3 مصارف فقط، مع غياب كامل لكافة شركات التطوير العقاري، ما يضع الأرقام المعلن عنها محل الشك بأن “الدورة الحالية شهدت زيادة 400 شركة عن العام الماضي بعدد إجمالي 1700 شركة محلية وأجنبية من 38 دولة”.

خوف من المشاركة… وفنون المعرض للطبل والزمر!

وقال الخبير الاقتصادي (زاهر أبو فاضل) لـ (الحل) إن “الشركات الأجنبية ما تزال تخشى السوق السوري، ولا تجد فيه سوقاً واعداً لتصريف منتجاتها، نتيجة تدني مستوى المعيشة وانخفاض مستوى الدخل، والفقر الذي يعاني منه السوريون، إضافة إلى التهديد الأميركي بمعاقبة كل من يشارك اقتصادياً”.

كان الانحدار بتنظيم المعرض واضحاً خلال الدورات الأخيرة منذ عام 2017، منها أزمة السير وسوء التنظيم خارج المعرض كتأمين أماكن لركن #السيارات، وعدم وجود شاخصات واضحة ضمن المعرض، أو خريطة للشركات المشاركة.

حتى أن المشاركة الفنية في المعرض تدهورت بالمقارنة بدورات المعرض في السنوات الأولى، حتى باتت أغلب الحفلات تعتمد على مغنين مغمورين وشعبيين، أو من الصف الثاني والثالث عربياً.

ويلاحظ هذا العام بحسب مواطنين زاروا المعرض، انخفاض عدد الزوار مقارنة بالعامين الماضيين، حيث كانت البوابات تكتظ بالزوار ومساحة المعرض كلها تعج بالزائرين.

إعداد وتحرير: فتحي أبو سهيل

الصورة من الأرشيف

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.