تذهب معظم التحليلات عن الوضع في إدلب وما حولها، وصولاً إلى مناطق عدة من ريف حماة، والتي كانت تحت فصائل المعارضة السورية، بعد اللقاء الثلاثي للدول الضامنة الأخير في أنقرة، أن ثمة ملامح صفقة بين الدول الثلاث (روسيا، تركيا، وإيران)، ستنفذ على الأرض، إن لم تحل هيئة تحرير الشام نفسها في قادم الأيام، ولعلّ حالة الهدوء التي تعيشه إدلب بعد الحملة العسكرية للجيش السوري، التي وصفت بالأعنف، جزء من تلك الاتفاقات بين الأوصياء على الوضع السوري، والتي ستكون نقطة التحوّل في توزيع الحصص والنفوذ، وإعادة لترتيب الأوراق، ما يعني ما كان متوقعاً من حدوث مواجهة تركية-روسية بسبب إدلب لم يعد محتملاً مع تصريحات موسكو الأخيرة عن دور نقاط التفتيش التركية.

من هنا يبدو واضحاً حالة اختلاف جميع القوى الدولية على مستقبل سوريا، إذ عند كل مؤتمر؛ أو لقاء هناك أجندات وأحلاف جديدة، وكل طرف يريد تغيير نفوذ الجماعات المسيطرة على الأرض، والاجتماعات والمشاورات والقمم ما تزال تعقد بشكل شهري على خطى ثابتة منذ سنوات، دون أيّة نتائج، لكن إن كان هناك وفاق على شيء واحد بين الأطراف المحلية والأجنبية بكل تلويناتها، فهو أن مستقبل إدلب لن يحمل السلام سوى بالقضاء على «هيئة تحرير الشام» وزعيمها «أبو محمد الجولاني».

السيناريوهات المحتملة
إن السيناريوهات الرئيسية المحتملة لمستقبل #إدلب الآن ثلاثة؛ إما سيطرة قوات المعارضة المدعومة من أنقرة لملئ الفراغ الذي ستحدثه نهاية تحرير الشام، أو بسط الجيش السوري المدعوم من روسيا نفوذه على المنطقة، وخصوصاً إن نجح في حملته العسكرية الجارية حالياً، أو أن تدخل قوات سوريا الديمقراطية (قسد) إلى إدلب، بدعم أمريكي، وهو السيناريو الأقل توقعاً، نظراً للعلاقات السيئة بين أنقرة و«قسد».

الجيش السوري
ارتكب الجيش السوري في محافظة إدلب مجازر أحصت ضحاياها كل المنظمات الدولية المعنية بالشأن السوري، إضافة إلى عدسات الإعلاميين التي استطاعت توثيق إلقاء البراميل المتفجرة على المدنيين بشكل عشوائي، والتعذيب، وضحايا الكيماوي، وإطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين وهو الفتيل الذي أشعل التسليح ولاحقاً الحرب الأهلية.

يحاول الجيش السوري محو ذاكرة أهل إدلب بتسليط الضوء على انتهاكات «الجهاديين» التي يستحيل نفي وجودها، لكن هل يتوجب على أهل إدلب الاختيار بين شرّين؟ أهناك قاتل أفضل من آخر؟ مشهد سقوط البراميل المتفجرة، ومنظر الزبد الخارج من فم الأطفال بعد الكيماوي، سيبقى عالقاً بذهن السوريين جميعاً، فما بالك بأهل إدلب؟

يقول بعض «الموافقين» على تسليم إدلب للجيش السوري أن الماضي تغير، واليوم باتت روسيا تسيطر على الجيش السوري، ما يعني أن «الانفلات الذي اعتدنا عليه انتهى، ويمكن اليوم الاعتماد على نفوذ موسكو لضبط المنطقة وإنهاء الفوضى». ولكن، ألم تكن روسيا شريكة بإجرام الجيش السوري طيلة السنوات الماضية؟

الفصائل الموالية لتركيا
كانت الجماعات المقاتلة المدعومة من أنقرة الخيار الأفضل لإدلب- بنظر أهلها على الأقل- لكن أحداث عفرين وما حولها، والانتهاكات اليومية التي ترتكبها تلك القوات بحق المدنيين، بما في ذلك التهجير والقتل والخطف بغرض الفدية وفرض الأتاوات والسرقة، أجبر أهالي إدلب على إعادة التفكير بخياراتهم.

وبالتالي؛ لم يعد خافياً على أحد أن رجب طيب إردوغان الداعم الأول لتلك الفصائل، يضع يده بيد الروس والإيرانيين المسؤولين عن دماء الآلاف من أهالي المحافظة، فهل تتفهم الأمهات اللواتي خسرنّ أولادهنَّ على يد ميليشيات طهران «براغماتية إردوغان»؛ أم انتقلت الدماء من يد الإيراني إلى يد إردوغان عندما صافحهم في أنقرة بشأن اتفاق إدلب الجديد لوقف إطلاق النار المزعوم؟

قوات سوريا الديمقراطية
لا تمتلك قوات سوريا الديمقراطية أيّ خطط؛ أو مطامع إستراتيجية للدخول إلى إدلب، أو حتى الشهية لذلك، ولا يوجد لدى أهالي إدلب أصلاً رغبة بدخول تلك القوات إليها، رغم الجزم على أنها خيار أفضل من هيئة تحرير الشام وتحكمها بكل شاردة وواردة، وهي المصنفة دولياً كـ«جماعة إرهابية». فالحساسية العالية بين العرب والأكراد التي تزداد يوماً إلى يوم حدة، نتيجة استمرار جهات بعينها اللعب على وتر الصراع الكردي-العربي، قد تمنع أيّ انخراط لقوات سوريا الديمقراطية (تشكل وحدات حماية الشعب نواتها) في معمعة إدلب، على الرغم من التصريحات السابقة التي صدرت عنها، معبرة عن استعدادها لتحرير أيّ جزء من سوريا بصفتها قوات سورية بالنهاية.

تركيا المحاذية للحدود مع إدلب لن تسمح لـ«قسد» التي تعتبرها أنقرة «جماعة إرهابية» الاقتراب من حدودها في شمال غرب سوريا حتماً، فهي تعمل الآن على فصل مناطق «قسد» عنها في الرقة، وربما أيضاً في الحسكة، باتفاق مع الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما يخفض احتمال حصول هذا السيناريو.

هل من حلول؟
إن قبول بقاء «تحرير الشام» يبقى الخيار الأسوأ، والسيناريوهات السابقة جميعها لا تبشر بالخير لأهل إدلب، ومئات الآلاف الذين نزحوا إليها سواء من مناطق التسويات؛ أو هرباً من القصف الجوي والبري لجيش النظام، فهل يمكن لسكان المحافظة أن يصنعوا خياراً رابعاً بيدهم؟

من تحمل كل سنوات الحرب والحصار ليس صعباً عليه إنشاء قوة وطنية معارضة للأسد، وترفض وصاية إردوغان، وغير متحزبة أو تتبع لأي أجندة في الوقت ذاته. لقد استطاع أهالي إدلب طرد بشار الأسد وجيشه، قبل تدويل الحالة السورية، وقاتلوا «داعش» وهزموه، واليوم باتوا جميعاً رافضين للجولاني وقراراته، ومنتظرين القضاء عليه لانتزاع محافظتهم من سطوة الجميع، كل ذلك يبشر بخير قادم لإدلب، الذين لا مكان للمستحيل لديهم.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة