انتشر السنة الماضية على وسائل التواصل الاجتماعي فيديو لطفل سوري وشقيقته يتعرضان للضرب والإهانة في مدرستهما في مقاطعة هيدرسفيلد في بريطانيا، حيث تعرض الطفل جمال (15 عاماً) للضرب المبرح والخنق والغمر بالماء من تلاميذ مدرسته، كما تعرضت شقيقته الصغرى للضرب المبرح والدفع بينما كانت تصرخ. الفيديو أظهر الطفل جمال يمشي داخل ملعب مدرسته ليقترب منه تلميذ ضخم ويضربه ثم يدفعه بقوة قبل أن يمسكه من رقبته ويطرحه أرضاً ويسكب الماء على وجهه قائلًا له “سأغرقك”، فيما ظهرت شقيقته وهي تصرخ بعد أن دفعها اثنان من التلاميذ وسقطت أرضاً. ذكر أحد أصدقاء الطفل أن جمال وشقيقته كانا يتعرضان للتنمر منذ التحاقهما بالمدرسة قبل عامين، لدرجة أن أخته كسرت عدسات نظارتها وحاولت قطع معصميها في مراحيض المدرسة. هذه ليست القصة الوحيدة، فالكثير من الأطفال حول العالم يعانون من التنمر ويتأثرون به لعدة سنوات تالية دون أن تكون هناك محاسبة أو متابعة أو اهتمام كافي.

ما هو التنمر؟
التنمر هو تصرفات عدوانية تهدف إلى استفزاز الآخرين وإضعاف ثقتهم بنفسهم وبمجتمعهم، وينتشر بكثرة في المدارس وهو اساءة متكررة فيزيائية و/ أو لفظية، وغالباً ما يترافق مع وجود عدم تعادل في القوة حيث ان ضحية التنمر لا تستطيع الدفاع عن نفسها أو تخاف المحاولة. وهو مشكلة اجتماعية يمكن أن تؤثر على المدى الطويل على المتنمر وعلى الضحية.
يأخذ التنمر عدة أشكال فقد يكون فيزيائياً جسدياً مثل الضرب، الركل، دفع الضحية باتجاه الحائط، وغيرها من الأفعال العدائية. وهناك أيضاً التنمر اللفظي ويتمثل باستخدام ألقاب غير محببة، وإعطاء تعليقات بهدف السخرية من شخص ما، أو إغاظته أو تهديده. ومن أشكال التنمر الأخرى التنمر الاجتماعي مثل إطلاق الاشاعات، تدمير الصداقات، أو إقصاء الآخرين عن عمد. وقد يكون التنمر عبر الانترنت مثل إرسال الرسائل، أو وضع معلومات أو صور على وسائل التواصل الاجتماعي للضحية والتي تكون قاسية، غير حقيقية، أو مؤذية.

الأطفال هم الأكثر قابلية للتعرض للتنمر
“يسخر أصدقائي مني بسبب وزني الزائد. هم لا يرغبون بوجودي في فريقهم الرياضي ويطلقون علي ألقاباً سيئة مثل لاعب السومو، دب الغابة، وغيرها من الأسماء التي تجعلني لا أرغب بحضور حصة الرياضة البدنية في المدرسة” رامي – 12 سنة.

من الممكن لأي طفل أن يكون ضحية التنمر بسبب قلة تجارب الأطفال، وعدم اكتمال وعيهم وعدم معرفتهم بآليات الدفاع عن النفس، ولكن بعض الأطفال عرضة أكثر من سواهم للتعرض للتنمر. الأطفال الأقل شعبية والذين لديهم عدد قليل من الأصدقاء يكونون غالباً الضحية الأسهل للأطفال المحبوبين وذوي الشعبية الكبيرة. هنالك أيضاً بعض الصفات التي تصاحب ضحايا التنمر نذكر منها على سبيل المثال وجود صفات فيزيائية مختلفة عند الضحية مثل الوزن الزائد، النحول الشديد، ارتداء نظارات طبية أو تقويم أسنان، وجود اختلاف جسدي، أن تكون الضحية من عرق أو جنسية أخرى، ارتداء ثياب تعتبر من وجهة نظر الأطفال ليست مواكبة للعصر، الخ..، وقد يسبب وجود تأخر الإدراك لدى البعض أو امتناعهم عن الرد على الإساءة وفقاً لتربيتهم، العجز عن حماية أنفسهم، ويتركهم غير قادرين على مواجهة التنمر. كما توجد اضطرابات من الممكن أن تزيد التنمر سواء كانت لدى الضحية أو المتنمر مثل اضطرابات الحركة، التوحد، وصعوبات التعلم. هذا ومن الممكن أن يكون أحد الأطفال مختلفاً اجتماعياً وغريب الأطوار بالنسبة لزملائه مما يجعله عرضة للتنمر.

“كانت سارة طالبة متفوقة لعدة سنوات دراسية، ولكن عندما أصبحت في الصف الأول الإعدادي أصبح ذكاؤها واجتهادها نقمة عليها. لقد أصبحت زميلاتها في الصف تكرهنها وتعتبرنها غريبة الأطوار وأصبحن يطلقن عليها لقب (نيرد “أي المهووس باللغة الانكليزية”) الى أن انهارت سارة وتوقفت عن الدراسة حتى لا تشعر بأنها مختلفة عن الباقين. للأسف هذا لم يوقف تنمر زميلاتها وبقيت بلا أصدقاء مما أثر عليها نفسياً خلال جميع سنواتها الدراسية”.
يصبح ضحايا التنمر عرضة لخطر حدوث مشاكل نفسية حادة لديهم كالاكتئاب، القلق، اضطرابات جسدية، اضطرابات التغذية، وانعدام الثقة بالنفس. وليست هذه المشاكل دائماً بسيطة، حيث يمكن أن تؤدي إلى ميل الطفل إلى الانتحار أو إلى أي نوع آخر من إيذاء الذات، ويمتد أثر التنمر ليشمل أيضاً من يشهدونه حتى وإن لم يكونوا ضحايا مباشرين للتنمر. فمن الممكن أن تطال تأثيرات التنمر السلبية الأشخاص الموجودين ضمن محيطه، حيث يشعر الأطفال بأن مدرستهم مكاناً غير آمن يرغبون في تجنب الذهاب إليه، ومن الممكن ايضاً ان يتطور الامر لديهم إلى القلق أو الاكتئاب.

ما هي العلامات التي تدل على أن طفلك يتعرض للتنمر؟
“تعرضت الطفلة السورية أمل شتيوي (9 سنوات) للتنمر من أصدقائها في المدرسة في كالغاري في كندا، ورغم محاولات أهلها لحمايتها بنقلها إلى مدرسة جديدة، إلا أن زملاءها استمروا بملاحقتها وترديد عبارات قاسية لها بأنها قبيحة، ولن يحبها أحد، ومن الأفضل لها أن تنتحر، حتى أقدمت فعلاً على شنق نفسها في غرفتها”. وانطلاً من خطورة عواقب التنمر، لا بد من إلقاء نظرة أعمق على علاماته:
– يتردد الطفل عند الذهاب إلى المدرسة ويرفض في بعض الأحيان الذهاب.
– يقوم الطفل بادعاء المرض (صداع، ألم معدة، الخ) دون وجود أية عوارض طبية حقيقية.
– يجد الطفل صعوبة في النوم ويشتكي من الكوابيس.
– يظهر الطفل عدم اهتمام بالخروج مع أصدقائه ويتجنب المناسبات الاجتماعية.
– يرجع الطفل إلى المنزل بإصابات غير قابلة للتفسير.
– يشعر الطفل بعدم تقدير لذاته، وينغلق على نفسه في غرفته.
– يدعي الطفل أن بعض كتبه، الكترونياته، أو ممتلكاته الشخصية قد ضاعت أو تحطمت ولا يعرف السبب.
– يأكل الطفل بشكل أقل أو أكثر من اللازم بشكل ملفت للانتباه.
– لا يهتم الطفل بالدراسة أو بواجباته المنزلية ومعدله في المدرسة ينحدر من سيء لأسوء.
في كثير من الحالات، ينكر الطفل تعرضه للازعاج من قبل زملائه، ويخفي حقيقة مشاعرة وخوفه. يقول والدا الطفل آدم (16 عاماً) بأنهما لم يكونا على دراية بما يجري لابنهما في المدرسة. لقد كان دائما منغلقاً على نفسه في المنزل ولا يتحدث عن يومه وما يتعرض له من مضايقات، حتى أقدم على محاولة الانتحار بتناول عدة عقاقير طبية دفعة واحدة. استطاع أبوه إنقاذه في الوقت المناسب. توقف آدم حالياً عن الدراسة وتتم متابعته من قبل طبيب مختص لمساعدته على تخطي محنته التي يمر بها.

تأثير التنمر على المدى الطويل
يمكن أن يكون للتنمر آثار طويلة المدى اجتماعياً، نفسياً، وصحياً على الضحايا. حيث يصبح الأطفال المتعرضون للتنمر عرضة لخطر الاكتئاب والأفكار الانتحارية، والاضطرابات النفسية كالقلق والهلع والخوف من الأماكن العامة وعدم القدرة على بناء الصداقات حتى بعد سنوات من انتهاء التنمر. كما يمكن أن تصبح صحتهم سيئة بسبب اضطرابات التغذية، ومن الممكن أن يتعرضوا لمشاكل جسدية عند تأدية الأنشطة الفيزيائية كالمشي، الركض، أو عند المشاركة بأنشطة رياضية. عندما يترك الطفل دراسته بسبب التنمر، يواجه في المستقبل صعوبات في إيجاد عمل جيد وراتب كافي للعيش. لذلك من المهم أن يتحدث الأهل دائماً مع أبنائهم عن يومهم ليتأكدوا أنه لا يوجد من يتنمر عليهم. على سبيل المثال طرح أسئلة على نمط: هل هنالك أطفال لئيمون في صفك؟ هل يتحرشون بك؟ هل هنالك أي شخص يعاملك بشكل سيء؟

دور الأهل والمدارس في منع التنمر
يجب على الأهل أن يتواصلوا بشكل مستمر مع المدرسة للاطمئان على أطفالهم، ولمناقشة أي احتمال حول تعرض الطفل للتنمر. ولا يقف دور الأهل هنا، بل عليهم دائماً أن يعطوا الطفل الشعور بالأمان وبالثقة، وبأنه يستطيع أن يشارك معهم كل ما يدور في ذهنه. يجب أن ينموا فيه ثقته بنفسه وبقدراته، وأن يعلموه أفكاراً جديدة بناءة لتساعده على النجاح في الحاضر ووضع خطط للمستقبل.

يجب على الأهل أن يبدأوا التكلم مع أطفالهم عن التنمر في عمر صغير. كشرح معنى التنمر وخطره ولما يجب عدم ممارسته على أحد وما هي التصرفات الصحيحة في حال تعرض الطفل للتنمر أو رؤية طفل آخر يتعرض له.

وفي حال تعرض الطفل لمشاكل نفسية يجب ألا يخجل الأهل من ذلك بل أن يعرضوا طفلهم فوراً على معالج نفسي ليساعده على التعبير عن مشاكله وإدارة مشاعره تجاه التنمر الذي تعرض له. يستطيع المعالج كذلك تعليم الطفل مهارات جديدة تمكنه من تجاوز هذه المشاعر، وإعادة بناء تقديره لذاته، وجعله يشعر بالثقة بنفسه وبشكله.

كما توجد مسؤولية كبيرة على إدارات المدارس لزيادة الوعي حول التنمر لرصد حالاته وإيقافها بشكل فوري. يمكن أن يتم ذلك على سبيل المثال عن طريق مراقبة الأطفال خاصة في الفرصة، الباص، الحمامات، والممرات بين الحصص الدراسية. كما يجب على إدارة المدارس أن تشرك الأهل في المناقشات الهادفة إلى إيقاف التنمر والقيام بمبادرات لذلك. وعليها العمل لإيجاد سياسة واضحة وشديدة ضد التنمر. كفرض وجوب التبليغ عن أي شك لدى العاملين في المدارس من المعلمين والموظفين الإداريين والمساعدين في حال وجود ميل للتنمر عند أحد الأطفال.
ختاماً، ابقَ قريباً من طفلك، تحدث اليه، اهتم بما يجري في حياته، فالكثير من الأهل فقدوا أطفالهم دون أن يشعروا بما كان طفلهم يمر به من اعتداءات وتنمر وألم. قم أيضاً بتعليم طفلك ألا يكون متنمراً وأن يساعد دائماً من هم أضعف منه.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.