انتفاضة العراق: ما أسباب تراجع الميليشيات عن قمع المتظاهرين؟

انتفاضة العراق: ما أسباب تراجع الميليشيات عن قمع المتظاهرين؟

قامت المليشيات الموالية للسلطة في العراق بخطف وقتل وتعذيب المُتظاهرين، في مسعى منها لجعلهم يتراجعون عن نزولهم للساحات والميادين.

فقد قتلَت الميليشيات المرتبطة بـ #إيران، في الموجة الأولى من الاحتجاجات العراقية، التي استمرت من الأول وحتى العاشر من  تشرين الأول/ أكتوبر 2019، قرابَة مئة وخمسين مدنياً، وخلّفت ما يقرب خمسة آلاف مُصاب، كثير منهم سيعاني من إعاقة دائمَة.

اقتنصت الميليشيات المحتجّين من بناية “المطعم التركي”، الواقعة قبالة #ساحة_التحرير، والمحاذية لضفاف #دجلة، وهي بناية مهجورة منذ التسعينيات. حدث ذلك أمام أنظار قوات الأمن العراقية، التي امتنعت عن التدخل.

بدأت الموجة الثانية من الاحتجاجات يوم الخامس والعشرين من  شهر تشرين الأول/أكتوبر 2019، وما زالت مستمرّة حتى الآن، لكن المحتجين سيطروا هذه المرّة على بناية المطعم التركي، لمنع الميليشيات من استهدافهم منها.

اتجهت الميليشيات نحو خيارات أُخرى، أهمها خطف المحتجين عندما يخرجون من ساحة التحرير، واقتيادهم إلى أماكن مجهولة، يعذّبونهم تارَةً، ويقتلونهم تارةً أُخرى، واستمر الحال على هذا المنوال حتى منتصف كانون الثاني/ يناير الماضي.

منذ منتصف كانون الثاني/يناير المنصرم، وإلى يومنا هذا، توقفت الميليشيات المسلّحة عن الممارسات التي كانت تقوم بها طيلة ثلاثة أشهر ونصف، فلم تعد تقتل ولا تخطف، وتركت المهمة لقوات #مكافحة_الشغب الحكومية، فما الأسباب يا تُرى؟

الخوف وغياب القائد

“كل العمليات القمعيّة التي بالإمكان ممارستها، مورِسَت، ارتكبت الميليشيات كل أشكال العنف والترهيب، لكن تلك الانتهاكات كلها لم تنفع في إرجاع المحتجّين إلى منازلهم”، يقول الخبير الأمني #هشام_الهاشمي.

ويُضيف الهاشمي لـ “الحل نت”: “ليس الملل وحده ما جعلهم يتراجعون عن ممارساتهم الوحشيّة، إنّما الخوف من لقاء ذات مصير سُليماني والمُهندس جعلهم يكفّون عن ترهيبهم للشارع المنتفض”.

وكان #قاسم_سليماني، قائد #فيلق_القدس الإيراني، و#أبو_مهدي_المهندس، نائب رئيس هيئة #الحشد_الشعبي، قد قُتلا بضربة أميركية، في الثالث من كانون الثاني/يناير الماضي، قرب #مطار_بغداد الدولي.

سبَبٌ آخر يضيفه الهاشمي لتراجع الميليشيات: “غياب القائد، فالميليشيات كانت حتى مقتل سليماني تنفّذ ما يطلبه، لكنّ غيابه جعلها في حيرة من أمرها، لعدم وجود قائد فعلي لها، خاصةً أن خلفاء سليماني فشلوا جمعياً في احتواء خلافات الميليشيات”.

خلفاء الجنرال سليماني هُم #إسماعيل_قاآني، قائد “فيلق القدس الجديد”، والشيخ #محمد_كوثراني، القيادي البارز في كتائب #حزب_الله. الأول لم يزر #بغداد حتى اليوم، أما الآخر فبرغم علاقاته الوطيدة بقيادات الميليشيات، لم يستطع فرض شخصيته عليها.

تجنّب الأخطاء

فرضت #واشنطن عقوبات بالجملة على عديد من قادَة الميليشيات العراقيّة الخاضعة لـ#طهران، للحد من عملياتهم المسلحة، كما يظهر في كل حزمة عقوبات تصدرها، وآخرها إدراج #أبو_علي_العسكري، القيادي في تلك المليشيات، على لائحة الإرهاب.

تداولت تقارير أميركية منذ أيّام أن #وزارة_الخزانة_الأميركية بصدد إصدار قائمة عقوبات جديدة، تشمل كبار القيادات في الفصائل المسلّحة، ولعل أهمّهم #أبو_جهاد_الهاشمي، مدير مكتب #عادل_عبد_المهدي، رئيس الحكومة المستقيل.

يرى الخبير الاستراتيجي هاوكار الجاف أن العقوبات هي سبب من أسباب تراجع المليشبات، لكنها ليست السبب الأهم، لأنها غير ملزمة للقضاء العراقي، ولا تشكّل خطراً على قادة الميليشيات، طالما لم يدخلوا الأراضي الأميركيّة.

يتّفق الجاف مع رأي الهاشمي بمسألة خوف الميليشيات من نيل نفس مصير سليماني والمهندس، لكنه يُضيف: “تراجع الميليشيات هو خيار إيراني، لتجنيب الفصائل الموالية لها ارتكاب الأخطاء، خاصة أن عين واشنطن تترصّد تحرّكات الميليشيات”.

“صحيحٌ أن إيران أوقفت ميليشياتها عن ترهيب المتظاهرين، لكنها أوكلت المهمّة#لمقتدى_الصدر،  زعيم #التيار_الصدري، وهذا ما اتضح خلال قمعه المحتجين طيلة شهر شباط/ فبراير المنصرم”،  كما يُبيّن الجاف لـ “الحل نت”.

فترَة نَقاهَة

في عمليّة البحث عن بديل لرئيس الوزراء عبد المهدي، وبعد عناء طويل، اتفقَت الأطراف السياسية الموالية لإيران على #محمد_توفيق_علاوي، الذي كُلّفَ بتشكيل الحكومة، لكنه فشل في مهمته، لتعود الأحزاب مرّة أخرى للبحث عن شخصيّة جديدة لتكليفها.

عمليًة اختيار رئيس حكومة جديد، هي أيضاً سبب مهم في توقف الميليشيات عن قمع التظاهرات، حسب المحلّل السياسي مؤيد الجحيشي،  “قادة الميليشيات منهمكون في مشاورات اختيار رئيس الحكومة”، كما يقول لـ “الحل نت“.

“الميليشيات تبحث عن رئيس وزراء ضعيف، يكون تحت إمرتها، وعندما يتمّ لها هذا، ستعاود قمعها للتظاهرات بأعنف الأساليب، وذلك كي تفرض رئيس الحكومة الذي اختارته على الشارع، وتُصَفّي الساحات والميادين من المتظاهرين”، يضيف الجحيشي.

بيبدو أن الميليشيات، حسب رأي الجحيشي، تعيش فترة من النقاهَة، طالَت نوعاً ما، لكنّها ستعود لممارسة قمعها للمحتجين.

ومنذ انطلاق الاحتجاجات الشعبية في العراق، وحتى أواخر شباط/فبراير الماضي، قُتِلَ قرابة سبعمئة مُتظاهر، وأُصيب نحو سبعة وعشرين ألفاً، بينهم ما لا يقال عن خمسة آلاف إعاقة دائمة، أغلبها نتجَت عن قمع الميليشيات المسلّحَة، بحسب آخر الإحصاءات الرسميّة وغير الرسميّة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.