لا يقتصر شعور المعاداة لأميركا على القوميين العرب، والإسلاميين، والشيوعيين، والنازيين أو دول العالم الثالث فحسب، بل إنّ الظاهرة بدأت تتجلّى منذ تشكل أميركا كبلدٍ مستقل في ما يعرف بالعالم الجديد.

ومع اختلاف المسببات وشكل العداء، إلا أن غالب المعادين يستندون على مجموعةٍ من الادّعاءات المتشابهة تُشيْطِن أميركا بشكلٍ حصري.

ومع كلّ مصيبةٍ أو جائحة تضرب العالم، يجد المتابع تنوّعاً كبيراً في خلفيات منتقدي أميركا الذين يلومونها على أية كارثة.

اليوم ومع انتشار #كورونا، وتموضع أميركا على رأس قائمة الدول المصابة بالفايروس، والخسائر الجمّة التي يتعرض وسيتعرض لها الاقتصاد الأميركي، ورغم التأكد من صينية مصدر الكوفيد ١٩، والتأكد من عدم إمكانية صناعته مخبرياً، وعدم حصانة أي شخص من الفايروس بمن فيهم مسؤولون أميركيون، نجد الكثير من الاتهامات التي تحمّل أميركا المسؤولية في صناعة الفايروس ونشره في العالم.

حينما انتُخِب #جورج_واشنطن كأول رئيس للولايات المتحدة  الأميركية عام ١٧٨٨، كانت أوروبا وكل الدول آنذاك محكومة من قِبَلِ سلالاتٍ عتيقة ينحصر الحكم والمشاركة فيها بعائلة واحدة.

آنذاك كانت هناك حركة تحرر تدعو لحكمٍ مُنتخَب، وتجذب الكثير من سكان القارة العجوز ليهاجروا ويعيشوا فيها دون سلطة الملك والكنيسة، هذا وحده كان كافياً لمعاداتها  وازدرائها كحركة هرطقة تدعو لحكم العامة على حكم السلالات الملكية وممثلي الآلهة على الأرض.

معاداة أميركا بدأت مع مفكرين فرنسيين وألمان آمنوا بعدم قدرة أميركا على الازدهار، فهي أرض بعيدة، ملعونة، وذات طبيعة قاسية، ولا يمكنها أن تنتج العلماء والمفكرين والفلاسفة.

ومع قيام الثورة الروسية عام ١٩١٧ وبدء التنافس الأميركي-الشيوعي  فيما عرف آنذاك بالحرب الباردة، بدأت معاداة أميركا تأخذ طابعاً إيديولوجياً ممنهجاً، حتى بدأت المعاداة لأميركا جزءاً من هوية دول كثيرة في العالم الثالث.

ترتكز أسباب المعاداة الراهنة على حجج عديدة، أهمها يتعلق بتأسيس أميركا وعلاقتها مع السكان الأصليين، والأفارقة المستعبدين، فهي توصف كمستعمرة قائمة على حقوق المواطنين الأصليين المعروفين بالهنود الحمر.

وعلى الرغم من أن غالب المجازر المرتكبة بحق الهنود الحمر ارتكبتها دول أوروبية ملكية، ولم ترتكبها أميركا كحركة استقلال عن التاج البريطاني، كما أن غالب دول العالم الجديد في أميركا الشمالية والجنوبية قامت بعد أن عملت القوى الكولينيالية الاسبانية، البرتغالية، الهولندية، الفرنسية، والبريطانية على إخضاع السكان الأصليين لحكم ملوك هذه الدول، فكيف للنقد أن يستقيم إن خص الولايات المتحدة الأميركية دون البرازيل، الأرجنتين، كندا، كولمبيا وغيرها من المستعمرات الامبريالية الغربية؟

بالإضافة لاضطهاد السكان الأصليين في العالم الجديد، تُتهم أميركا بحصرية استعباد الأفارقة، ولاتزال هذه الحجة حاضرة إلى يومنا الحالي رغم وصول أوباما لرئاسة أميركا، في الوقت الذي لم يصل فيه أي رئيس أفريقي، يهودي، أو مسلم إلى رئاسة أوروبا حالياً.

استعباد البشر وتحويلهم لأدوات يمتلكها أصحاب المزارع والاقطاعيات، بدأت تلغى في الولايات الشمالية الأميركية منذ ١٧٧٤، وقامت الحرب الأهلية الأميركية بين ١٨٦١ وال ١٨٦٥ من أجل إلغاء العبودية وفقاً لمبادئ قيمية آمن بها قادة الولايات الشمالية، حتى تم إلغاء العبودية بالمادة ١٣ من التعديل على الدستور الأميركي عام ١٨٦٥ بعد فوز الولايات الشمالية بالحرب.

في بريطانيا ألغيت العبودية عام ١٨٣٣، في روسيا ١٨٦١، وفي الامبراطورية العثمانية بَقي الاستعبادُ وبيع العبيد خاصة النساء فاعلاً حتى بدايات القرن العشرين.

ترتبط هذه المعاداة أيضاً بمجموعة من التنميطات التي لا تخص شكل الحكم الأميركي وحسب، بل أميركا كشعب، فشعبها يوصف على أنه شعب رعاة البقر عديمي الثقافة على الرغم أن أهم الجامعات العالمية موجودة في أميركا، وعلى أنهم شعب همجي حتى في مأكلهم.

فترى أن منتقدي أميركا يختزلون مطبخها المتنوع جداً بالهامبرغر والماكدونالد، هذا الادّعاء يشبه من يقول أن المطبخ السوري واللبناني لا يوجد فيه سوى الفلافل نظراً لانتشار مطاعم الفلافل بشكل كثيف.

أميركا وفقاً لصورة منتقديها،  أقرب للأسطورة منها للواقع، فهي ورغم كل التشوهات التي يسوقها المعادون لها، لاتزال أقوى وأغنى دولة في العالم، والمصدرة لأهم التكنولوجيات والأفكار، ما يعزز عند منتقديها النظرة الخرافية تجاهها على أنها آلهة الشرّ في العالم القادرة على فعل كل شيء بما فيه نشر الفيروسات، الأوبئة، والكوارث الطبيعية كالزلازل والأعاصير.

لم يجمع علماء السياسة والاجتماع على مسببات العداء الحقيقية، لكن أميركا كما كل شيء جديد يستقبل بالاستهجان والتشويه، فكيف إن تحوّل هذا الجديد لأقوى دولة في التاريخ رغم كل تنبؤات المعادين لها بدونية أميركا وانعدام ثقافتها واليوم مع جائحة كورونا تبدو الأنظار، بما فيها معادي أميركا، متوجهة نحو أميركا لإيجاد الحل ولتقديم الدعم للدول المنكوبة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.