نشأ السوريون معتقدين أن بلدهم مطمعٌ للدول الاستعمارية، وأنّ دول الغرب والإمبريالية الأميركية تتربّص بسوريا كي تسيطر عليها نظراً “لموقعها الاستراتيجي ” وثرواتها، لتأتي الثورة السورية ويُدرك من خلالها السوريون، أن الغرب من ناضلوا تاريخياً لعدم سيطرته المتوهمة على سوريا، لم يتدخل فيها رغم دعواتهم العديدة والمتكررة له ورغم وجود الحجج العديدة لهذا التدخل.

لا يوجد لسوريا أهمية في العصر الحديث، ولم تكن مركزاً تلتفت إليه أنظار الغرب والعالم، إلا مع مشاغبات حافظ الأسد، وذلك عبر دعمه لمنظمات عديدة تُفعّل في دول الجوار وفي دول صديقة وحليفة للغرب، فليس في سوريا ثروات هائلة كما دول الخليج، ولا موقعها استراتيجي كما توهّم السوريون، فهي تملك أصغر شاطئ على المتوسط، ويعيش على أرضها قبائلٌ وجماعاتٌ متعددة ذات ماضٍ متحارب، وليست بثقل مصر، إيران، أو السعودية، فهي بلدٌ عادي كما أي بلدٍ من بلدان العالم الثالث.

رغم انقلاب غالب السوريين على إجماع “سوريا الأسد” التي تعزّز عبرها وهم “أهمية سوريا” مازال السوريون على تنوّعهم معتقدين بأهمية المكان الجغرافي الذي يعيشون فيه، فمعسكر النظام لايزال متمسّكاً بذات النظرية، بل ازداد إيمانه فيها اليوم، مع أن المنطق يقول: لو أرادت الدول الغربية أن تتدخّل فعلياً لإزالة الأسد، لفعلت ذلك منذ أيام.

موضوع قَدْ يهمُّك:

http://هل دعمت أميركا الكُرد السَوريين دون غيرهم؟

أما المعارضة الإسلامية، فهي تعتقد أيضاً بأهمية سوريا، لذا فإن الغرب لم يساعدها على اقتلاع الأسد، لأن “القوى المتربّصة” تريد نظاماً ديكتاتورياً يمنع سوريا من العودة لموقعها الطبيعي خارق الأهمية. فيما يرى جزءٌ من الكرد أن الغرب يتربص فعلاً بسوريا، ويريد عبر ذلك أن يساعدهم في تحقيق حلمهم في إنشاء دولتهم التي تتقاسمها أربع دول رغم وقوف الغرب صامتاً أمام هجمات الحشد الشعبي على إقليم كردستان العراق، والغزو التركي لشمالي سوريا.

أميركياً، لا توجد سياسة خاصة في سوريا، فتحرّكات السياسيين الأميركيين في الملف السوري، تخضع للسياسات الأميركية تجاه إيران، تركيا، وتجاه الإرهاب. والعلاقة مع الأطراف السورية مرهونةً تماماً بهذه السياسات. العلاقة مع النظام مرتبطة بالدرجة الأولى بسياسة أميركا تجاه إيران، والعلاقة مع الكرد بسياستها تجاه الإرهاب وتركيا، وعلاقتها مع المعارضة مرتبطة بسياستها تجاه تركيا و ايران.

لا شراكات استراتيجية لأميركا في سوريا، ولا توجد استراتيجية خاصة لديها بالنسبة لها، وعلى السوريين بتنوّعهم أن يعوا الحقيقة، وإلا فإن سوريا بكافة مناطق السيطرة فيها ستتحوّل بلداً يشبه فنزويلا وكوريا الشمالية، وربما أسوأ.

موضوع قَدْ يهمُّك:

http://المعارضة السّورية وخرافة السّيطرة اليهوديّة على العالم

على السوريين أن يجترحوا حلولهم الخاصة دون الاستعانة “بمتربصين” أو ” أصدقاء” فلا قانون قيصر سيُسقط الأسد في دمشق ويحقق الدولة السورية السنية، ولا رعاية مكتب سوريا في الخارجية الأميركية للحوار الكردي- الكردي سيُنشئ إقليم كردستان سوريا، ولا غياب الجدية الغربية تجاه جرائم الأسد سوف يمكّنه من حكم كامل الجغرافية السورية.

سوريا اليوم؛ يحكمها النظام، الإدارة الذاتية، هيئة تحرير الشام والإخوان المسلمون، وعلى هذه الأطراف أن ترى نفسها وفقاً للواقع وأن تتحاور، علها تُنقذ ما تبقّى من سوريين يعيشون في سوريا وتُجنّبهم مجاعات وحروباً عديدة، وأية حوارات ولقاءات ومؤتمرات خارج هذه الأطر، لن تغدو عن كونها شعارات لن تفيد سوى في الاستهلاك المحلي الذي لا يطعم ولا يبني.


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.