عندما يُشير معارضون سوريون من خلفياتٍ غير عربية سُنّية، إلى الجرائم المُرتكَبة  من الفصائل الجهادية ضد مجتمعاتهم الأهلية كسببٍ لانكفاء هذه المجتمعات عن الثورة، غالباً ما يتم تسخيف هذا التظلم عبر القول بأن السُّنّة العرب هم أكثر مَنْ تعرّض لشر هذه الفصائل.

قد تكون هذه المحاججة صحيحة فيما لو كان مقياس الشر عددياً، خاصة أن السُّنّة العرب، على اختلافاتهم، هم سكان غالب المناطق التي احتلتها هذه التنظيمات التي تنتهج دائماً نظام حكمٍ شمولي غير تعددي وتعمل على الاقتصاص ومعاقبة من يعارضها، لكن المنهج الشمولي لهذه الفصائل يأخذ شرعيته من باب رفع المظلومية السُّنّية والدفاع عن قيم أهل السُّنّة والجماعة.

السُّنّي المضطهَد من هذه الفصائل، لم يتعرض للاضطهاد كونه سُنّي، وكل ما كان يلزمه لتعديل وضعه هو إظهار التزامه بفروض وعقائد تربّى عليها منذ الصغر من صلاة، وصوم، وزكاة. أما الدروز في إدلب مثلاً، فكان عليهم تغيير ملّتهم التي عاشوا عليها منذ مئات السنين حتى يَسلَموا من شرّ الجهاد والمجاهدين، كذلك الأمر بالنسبة للمسيحيين الممنوعين من إظهار “شِركهم” رغم أنه جوهر عقيدتهم واختلافهم الثقافي.

السُّنّي وفقاً لهذه الجماعات مؤمن حتى يُبان كفره، بينما أبناء الجماعات الأخرى فهم كفار إلى أن يتوبوا عن شِركهم وضلالهم.

ثم إن مروّجي هذه المحاججة، ينسَونَ أن الجماعات غير العربية السُّنّية في سوريا؛ ليست جماعات روحية وحسب، بل هي مزيج من أثنوطائفيات، وليست الحال حكراً على الكرد وحسب، الدروز، العلويين، والإسماعيليين، والمسيحيين، هم جماعات تتزاوج من بعضها البعض منذ تشكّلها، وتحافظ على عاداتها الثقافية التي تعرضت دائماً للقمع والاضطهاد، لذا فإن أي اضطهاد راهن تتعرض له هذه الجماعات، تنشط ذاكرتها المليئة بقصص النزوح والاضطهاد والتمييز.

المحاججة الثانية، فيما يتعلق بموضوع عزوف الجماعات غير السُّنّية عن الثورة، هو أن أبناء هذه الجماعات شككوا بالثورة السورية قبل خطفها من كتائب الجهاد الإسلامي، ربما هذه المحاججة تقارب الصواب، لو كان بالفعل هناك ثورة سورية تسبق السيطرة الإسلامية عليها.

فكل شيء قبل التسليح والأسلمة، كانت شرارة، أو انتفاضة لثورة، لم تكن ثورة ذات منطلقات فكرية وفلسفية سورية، كانت “فزعة” على نظام مجرم مستبد، تماماً كما عرفها أهالي حوران مطلقو شرارة هذه الثورة.

لكن العمل المعارض لم يأخذ ثوريته، وما تعنيه الثورة من مطالبة جذرية بالتغيير واستخدام العنف لتحقيقه، إلا عندما تشكلت أيديولوجية ثورية لم تكن سوى إسلامية. أسماء الكتائب المقاتلة، شعارات هذه الكتائب، مرجعياتها، ولاحقاً أفعالها على الأرض.

قبل ذلك، فإن أبناء الجماعات غير السُّنّية العربية كانوا مشاركين أصلاء في هذه “الفزعة” سواء عبر وجود شخصيات معارضة تقليدية تنتمي إرثياً لهذه الجماعات، أو عن طريق شابات وشباب جدد انضموا للانتفاضة، صحيح أن عددهم لم يكن كبيراً، لكنه ليس صغيراً إذا ما قورنوا بنسبتهم كجماعات.

انكفاف الكثير من أبناء الأقليات عن النشاط في الدفاع عن الثورة السورية، هي بروز الهوية السُّنّية الإسلامية الواضحة لهذه الثورة.

صحيحٌ أن فئوية النظام السوري، وارتكازه على عناصر علوية ولاحقاً شيعية، في قمعه للانتفاضة السلمية، سيولد بالضرورة رد فئوي من الجهة المقابلة يرتكز أيضاً على عناصر سُنّية، فالرجوع للهويات الأولية طبيعي في بلدٍ قام آل الأسد  عبر حكمٍ دام نصف قرن، على تجفيفه سياسياً وثقافياً.

إلا إن التبرير ذاته، عليه أن يُعطى أيضاً لأبناء الجماعات التي عارضت الثورة أو انكفئت عنها، فما الذي سيجعل الدرزي أو الإسماعيلي، أو المسيحي عضواً فاعلاً في تحالف عسكري يحمل اسم “فاستقم إذا أمرت” إذا كانت استقامته كشخصٍ كافر غير معترفٍ بها من قبل عناصر هذا التحالف الثوري، هذا مثال صغير على المئات من التنظيمات العسكرية الثورية التي لا يمكن  للسوري غير المنتمي للمجموع السُّنّي العربي أن يشعر بالولاء والانتماء لها.

كما نبرر لكثير من السُّنّة مبايعتهم لداعش، والنصرة، وأحرار الشام، علينا في الوقت ذاته أن نفهم إن أبناء الجماعات الأخرى- وإن كَرِهَ غالبهم النظام- فإنهم فضّلوا نظاماً يقمع حريتهم السياسية على نُظمٍ تعادي إرثهم، وثقافتهم، واختلافاتهم التي حملها أجدادهم وحافظوا عليها منذ مئات السنين.


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.