أَحْرَق “غروزني” ودمّر “سوريا” ثم اخترق المُعارضة.. هكذا يسعى الرئيسُ لصناعة العُملاء في بلادٍ يحكُمها “الأسد”

أَحْرَق “غروزني” ودمّر “سوريا” ثم اخترق المُعارضة.. هكذا يسعى الرئيسُ لصناعة العُملاء في بلادٍ يحكُمها “الأسد”

مُخطئٌ كل من يظنّ أن روسيا راضيةٌ عن الرئيس السوري بشار الأسد، أو أنها دخلت الحرب السورية كُرمى الحفاظ على بقائه في سُدّة الحكم، أو منع المعارضة من إطاحته.

المُتابعُ لمسيرةِ الرئيسُ الروسي “فلاديمير بوتين” مُذْ كان رئيساً للوزراء ودهائه في القضاء على قادة الشيشان الراغبين بالانفصال عن روسيا في الحرب الشيشانية الثانية 1999، سيُدرك تماماً فطنة هذا الرجل وأسباب دخوله الحرب السورية وأهدافه الاستراتيجية المُتمثّلة بإعادة مكانة روسيا الدولية وتحقيق مصالحها المتشعّبة في المنطقة والعالم.

خاصةً وأنه (أي فلاديمير بوتين) ينظر إلى سوريا كونها بمثابة «أوكرانيا مُصغّرة» في قلب الوطن العربي والشرق الأوسط، وتدخّلُ روسيا كان من منطلق أنها تجد نفسها قوةً كبرى؛ شأنُها شأنُ باقي الدول الكبرى، لها مصالحٌ وطنية في تلك البقعة الجغرافية، كما تدّعي.

ويبدو أن “بوتين” حقّق حتى الآن نجاحاتٍ كبيرة في سوريا كما حقّقها في الشيشان بين عامي 1999-2002 إبّان القضاء على ما كان يسميه حينها «التّمرّد الشعبي» ضد سيادة روسيا.

عندما دخلت القواتُ الروسية العاصمة الشيشانية “غروزني”، بدت المدينةُ وكأنها مدينة أشباح، بسبب ما تعرّضت له من دمارٍ بفعل قذائف الدبابات الروسية وصواريخها التي لم تُميّز بين المدنيين والعسكريين.

أما سياسياً، فجعل “بوتين” من الرئيس الشيشاني الجديد “رمضان قاديروف” القبضة الحديدية التي يضرب بها كل من يقف ضد مصالح روسيا الاتحادية، حتى خارج حدودها الجغرافية.

في سوريا، الأمر لم يختلف كثيراً عمّا اتّبعه “بوتين” في “غروزني”، فسياسة الأرض المحروقة استخدمها منذ دخوله الحرب السورية سبتمبر أيلول 2015، وبفضل طائراته؛ أُنقِذ حكم “بشار الأسد” من الزوال وهو الذي كان يُحتَضر لولا وصول النجدة الروسية.

بعد اتفاقيات التسوية التي أبرمتها الحكومة السورية- بوساطةٍ روسيّة-  مع فصائل المعارضة في مختلف المناطق التي كانت خارج سيطرة دمشق، كان “بوتين” يُخطّط لما هو أبعد من توقّف القتال بين الطرفين السوريَين، فسيناريو الحرب الشيشانية لم يغب عن باله، ودخول أشرس القادة الشيشانيين المعارضين تحت إمرته، كانت الهدف التالي لما كان يُخطّط له في سوريا.

نجح “بوتين” بذكائه، في شقّ صفوف المعارضة السورية، وشكّل من أفراد المعارضة المسلحة، قوةً عسكرية منفصلة عن الجيش السوري النظامي تحت مُسمى (الفيلق الخامس) يُحارب بها المعارضة السورية كما حدث في إدلب، ولا يسمح للقوات النظامية التدخل في شؤونها، حتى صارت القوة الضاربة التي استفادت منها للقتال في ليبيا لحماية المصالح الروسيّة.

وكأن الأمس يُعيد نفسه، فقبل خمسة عشر عاماً، نجح “بوتين” في إعادة الرئيس الشيشاني “رمضان قاديروف” لبيت الطاعة الروسية، واستخدمه كوسيلةً لإيصال رسائل موسكو إلى مختلف الحكومات الإقليمية، حتى في توجيه التأثير الروسي في  الحرب السوريّة.

وقد أعلن “قاديروف” في أكثر من مرة، أنه في حال أعطت موسكو الأوامر، فإن قوات (القاديروفسكي) وهي قوات أمنية، المتمركزة في الشيشان لا تمانع أبداً  في «محاربة الحثالة في سوريا» في إشارةٍ لفصائل المعارضة السورية المُسلّحة.

وبالفعل، اعترف الرئيس الشيشاني بعد فترةٍ وجيزة، بوجود قوةٍ من الشرطة العسكرية تضمّ جنوداً شيشان في سوريا ضمن صفوف قوات وزارة الدفاع الروسية، وعددهم نحو 500 مقاتل.

ثم توالت التقارير التي تحدّثت عن تورط مقاتلين شيشان في الحرب السورية، مرةً تحت غطاء القوات الروسية، التي تمكّنت من استعادة حلب ديسمبر 2016، ومرةً أخرى ضمن صفوف تنظيم داعش الذي سيطر على مساحات واسعة من الأراضي السورية والعراقية.

لذلك كانت الفرصة مواتيةً لـ “قاديروف” للدخول في الصراع السوري تحت إمرة روسيا، والترويج لشخصه على أنه «المسلم الجيد» ضد من يسميهم بـ «المسلمين السيئين»، في مقابل انضمام آلاف الشيشانيين الآخرين حينها إلى صفوف تنظيم القاعدة، ولاحقاً إلى تنظيم داعش.

قبل ذلك، كان “قاديروف” قد نجح في إقناع موسكو بإنشاء مركزٍ لتدريب القوات الخاصة، تحت إشراف مُدرّبين من قدماء وحدات النخبة الروسية (آلفا، فيمبل، ومن المديرية العامة للاستعلامات) وأُرسِلت الكتيبة الأولى التي تدرّبت في هذا المركز إلى سوريا ديسمبر كانون الأول 2016.

وفي الوقت الذي صارت الشيشان بالنسبة إلى “بوتين” بمثابة  «رافعة» أوصلته إلى سُدّة الحُكم، بعد إخماد تمرّد الشيشانيين خلال حرب الشيشان الثانية، فإن رجل روسيا الأول استفاد من تلك التجربة وبدأ بتطبيقها في سوريا مع فصائل المعارضة وكسبها إلى جانبه، كما فعل مع “رمضان قاديروف” وقبلها مع والده “أحمد قاديروف”.

ويبدو أن “بوتين” بدأ بخلق توازنٍ بين دمشق والمعارضة، بإبقاء تهديدٍ محدود للأولى من بوابة الفيلق الخامس ومركزه “درعا” المؤلّف من مسلّحي المعارضة الرافضين الهجرة لشمالي سوريا، والذي يتبع بشكلٍ مباشر  لروسيا، وتستخدم الثانية (أي المعارضة) كورقة ضغط على دمشق.

وسيكون أمام “بوتين” فرصة ذهبية لتكرار تجربة الحرب الشيشانية الثانية، بفضل اتفاقيات خفض التصعيد التي ربما تكون مرحلة إعداد للحرب الجديدة بعد مدةٍ أقصاها ثلاث سنوات، وهي ذات المدة التي فصلت بين حربَي الشيشان الأولى والثانية.

وعليه، فإن تجنيد مزيدٍ من العملاء  ضمن المُعارضة السورية وزيادة اختراق قياداتها، سيكون الحل الأنجع لخلق شخصياتٍ عديدة شبيهةٍ بـ “رمضان قاديروف” وربما أَزْيَد.


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.