التّبرير والتّحريض.. هكذا تُساند الشّعبويّة السّياسيّة  الإرهاب

التّبرير والتّحريض.. هكذا تُساند الشّعبويّة السّياسيّة  الإرهاب

ضجّت وسائلُ الإعلام في فرنسا وبعدها في النمسا، بخبر الهجمات الإرهابية التي نفّذها بعض الأفراد المنتمين لجماعات التطرف الإسلامي بحق مواطنين من البلدين العضوين في الاتحاد الأوروبي.

الهجمات التي بدأت بنحر مُدرّسٍ كان يتحدث لطلبته عن قضية رسوم الكاريكاتور التي رسمتها مجلة شارلي ايبدو لنبي المسلمين محمد، وانتهت بهجماتٍ على كنيس يهودي في النمسا، هي مؤشر على مدى تغلغل الجماعات الإرهابية في بلدان المغترب، وبين الجاليات الإسلامية في الغرب الأوروبي.

الهجمات التي هزّت الاستقرار الاجتماعي لتلك الدول، كان السبب في الكثير من اللغط حول قضايا الحريات والالتزام الديني، ودفع بالرئيس الفرنسي ماكرون للظهور ومخاطبة شعبه بإن قضية حرية التعبير هي من أسس الجمهورية التي لن تسمح باريس لكائن من كان المساس بها.

هذا الخطاب الذي فُهِم بشكلٍ مغاير في العالم الإسلامي، واعتبره الكثيرون، خاصة جماعة الإسلام السياسي، على أنه تحريضٌ ضد الدين، ووسيلة لتعزيز السخرية منه، كان السبب في خروج التظاهرات بعدد من المدن، وكان السبب- حسب البعض- في ظهور هجمات فيينا الأخيرة، وجددت ظهور النظريات التآمرية، وروايات الجماعات المتطرفة في العالم الثالث عن كون منفذي الهجمات في فرنسا هم أشخاص مُرتبطين بمخابرات غربية هدفها من تلك الجرائم هو تشويه صورة المسلمين ليس إلا.

هذا الترويج ضد خطاب ماكرون، والذي مُرِّر من خلال منافذ إعلامية موالية لجماعات الإسلام السياسي المُريبة، والتي استثمرتها جهات سياسية في دول الشرق الأوسط لصالح حملاتها السياسية في داخل بلادها، ساهمت في زيادة التحريض ضد دول الغرب، وساهمت في تغذية الكره لمفاهيم الغرب للحريات، والتي يعتبرها الكثيرون جزء مهم من الإرث الإنساني، وجزء هام من المفاهيم الحضارية الصاعدة منذ بدايات القرن الماضي.

الجماعات التي حرّضت على أن ما يعتبره الغرب “حرية تعبير” هو تحريض على الكراهية ضد الدين، لم يتحدثوا عن عشرات الهجمات الأخرى التي تضرب البلاد الإسلامية ذاتها. أي الهجمات التي تستهدف المدنيين في البلاد الإسلامية والتي تأتي من جماعاتٍ مشابهة للتي نفذت الهجمات الإرهابية في الغرب.

لم تُركّز وسائل الإعلام في معظم البلدان على خبر مقتل العشرات في هجماتٍ إرهابية في الأيام الماضية في دولةٍ مسلمة كأفغانستان. ولا تحاول جهات الإسلام السياسي تقديم تفسيرات عن سيطرة الجماعات المتطرفة على نصف مساحة بلدٍ إسلامي كالصومال، وتحكمها بيدٍ من حديد، ولم تُقدّم الجهات ذاته، أي تفسيرٍ واضح ومقاومة واضحة لسيطرة تنظيم بوحشية داعش على ثلث العراق ونصف سوريا في السنوات الخمس الأخيرة؛ بل أنها في البداية كانت تحاول تبرئة داعش وقبلها القاعدة وجبهة النصرة من الكثير من العمليات الإجرامية بحق سكان البلدين المسلمين.

هذا القفز على حقائق وجود أفكار متطرفة، وجماعات تعتاش على العنف، وتسبب كوارث دموية ضد المدنيين، وتهزّ استقرار البلدان دون اكتراث لهوية تلك البلدان، تساعد تلك الجماعات بصورةٍ ما، على كسب الوقت وتعزيز النفوذ بين المجتمعات التي تعاني من الإهمال، والفقر والضياع في العالم الثالث المتداع.

تنشر جماعات الإسلام السياسي روايات عن مسؤولية الغرب الشاملة على واقع تلك البلدان، وتتهرب من مواجهة الذات، والبحث عن سبل لتخفيف النوازع المتطرفة التي تزداد مع الوقت بين خلاياها، وبين المجتمع.

هذا التهرب يؤسس لكوارث قادمة ستكون بلاد “الإسلام” كما تسميها تلك الجماعات في حواراتها الخاصة، ساحتها الرئيسية. هذا النوع من التهرّب، وهذا الترويج الإعلامي والدعم السياسي غير المباشر الذي تتلقاه الجماعات المتطرفة، بدأ يجتاز الحدود، ويتعمّق في داخل البلدان الغربية.

تعلمُ فرنسا أكثر من غيرها أن كثرة الجاليات الإسلامية وفشل عمليات الاندماج التي تعمل عليها، ستفتح الطريق أكثر للراغبين في التأثير على تلك الجاليات، وستزيد من الاستقطاب السياسي داخل البلاد تحت رايةٍ يقودها مروجو شعارات (الحريات غير المنضبطة هي وسيلة لمناهضة الدين ليس إلا).

وبالتالي، ستحاول العديد من جماعات الإسلام السياسي، بطرقها الملتوية وغير المباشرة، العمل والمحاججة على أن النمط الأوروبي هو في جوهره مُكرّس لعداء الدين وليس للفصل بينه وبين إدارة الدولة.

بدوره، فإن العالم الغربي الذي بدأ يُدرك أن مخاطر التطرف تزداد، وبخاصة مع صعود الشعبوية السياسية في الكثير من البلدان، هو بحدِّ ذاته يُجابه مشكلة كيفية التعامل مع هذه النوازع المتطرفة لأشخاصٍ تركوا بلادهم نتيجة الحرمان والفوضى واليأس فيها، ويرفضون التأقلم مع العالم الجديد الذي استقروا به تحت حجج متعددة تقدمها لهم جماعات الإسلام السياسي التي لبعضها مكاتب رسمية في بلدان الغرب تحت تسميات مختلفة.

لذا، فالكثير من القادة الغربيين يعتقدون أن أيّة ليونة منهم ضد تلك العمليات الإرهابية  سيُشجع تلك الجماعات المتطرفة على مطالبات أكثر تهدف لتقييد حريات البلاد المُقدسة. هذا كله في وقتٍ يراقبون ويدركون كيف أن تلك الجماعات في تزايد وانتشار.

هؤلاء القادة الذين يخشون من عمليات جديدة للمتطرفين، لابد أنهم يبحثون عن مخارج لمجابهة زحف التطرف لدواخلها.

وعليه، لابد أن يؤدي هذا البحث بهم لرصد ومُعاقبة الجهات الرسمية في بعض الدول في المنطقة والتي تساهم في تقوية الجماعات المتطرفة، وخاصةً جماعات تدّعي الاعتدال، كجماعة الإخوان المسلمين، هذا كله بالتوازي مع عملية البحث عن الأخطاء في السياسات المحلية المتعلقة بقضايا الاندماج، اللغة والفكر.


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.