رغم مرور خمسة أعوام على تحرير #سنجار من تنظيم #داعش، لا تزال جراح الإيزيديين لم تلتئم، إذ لا يزال قسم كبير من هذه المدينة في حالة دمار، كما لا يزال العديد من الإيزيديين مستضعفين في مخيمات اللاجئين، ونصف النساء المخطوفات؛ ما زلن في عداد المفقودات.

وفي الوقت الذي يقود “حازم تحسين بيك” زعيم أكثر الأقليات اضطهاداً في العالم، طائفته للخروج من أزمة وجودية واحدة، فإنه يواجه أزمة أخرى مدفوعة هذه المرة من قبل أبناء طائفته الذين طرحوا عام 2014، أسئلة عميقة تتعلق بقيادتهم السياسية.

فلأول مرة منذ قرون، امتدت الانقسامات العنيفة لتظهر إلى العلن، حيث تتنافس مجموعات مختلفة على السلطة ويواجه النظام الملكي البالغ من العمر ألف عام، دعوات للإصلاح.

«يبدو الأمر الآن وكأن أي شخص يرتدي ملابس عسكرية ويحمل سلاح، يشعر بأنه يمكن أن يكون له رأي في طائفتنا»، يؤكّد “تحسين بيك” في حديثٍ لصحيفة (التلغراف).

يُعدّد زعيم الإيزيديين الأحداث التي تسببت بإبادة طائفته بشكلٍ ممنهج، ويقول: «حدث ذلك عشرات المرات عبر التاريخ، حيث كان الجناة من العشائر الإسلامية القديمة مروراً بالعثمانيين الأتراك، وصولاً إلى نظام صدام حسين. ومن ثم جاء تنظيم داعش في 2014 والذي أحضر معه بربرية ووحشية القرون الوسطى إلى القرن الحادي والعشرين».

حتى نظام صدام حسين “العلماني” قمعهم، وأجبرهم على تحديد هويتهم على أنهم عرب وليسوا أكراد خلال حملته “لتعريب” شمال العراق الكردي.

ولقرونٍ عديدة، أقنعت هذه الفظائع الإيزيديين بأن السبيل الوحيد للبقاء على قيد الحياة في العراق هو الابتعاد عن الأنظار، كما فعل المسيحيون وغيرهم من الأقليات الدينية الأخرى.

وكان أمير الإيزيديين يحكم الطائفة بهدوء جنباً إلى جنب مع زعيم روحي يسمى “بابا شيخ”، لدعم النخبة المحافظة ذات المظهر الداخلي، لكن كل ذلك تعرّض للتحدي في أعقاب الإبادة الجماعية الأخيرة بحق الإيزيديين على يد تنظيم داعش.

اليوم، يخشى “تحسين بيك” من التدخلات الحزبية والسياسية المؤثّرة على طائفته التي كانت متماسكةً في يوم من الأيام، وهو قلقٌ من حزب العمال الكردستاني الذي جاء مقاتلوه لمساعدة الإيزيديين في سنجار عندما فرّت القوات الحكومية الإقليمية الكردية أمام تقدم  تنظيم داعش.

في البداية، «رُحِّب بالحزب كمنقذ، لكنه الآن يُجنّد العديد من الشباب الإيزيديين لصالح قضيته، التي تدعو إلى أجندة يسارية راديكالية تتعارض مع النظرة الإيزيدية التقليدية»، بحسب “تحسين بيك”.

وأدت الإبادة الجماعية الأخيرة إلى مزيدٍ من الانقسام بين الإيزيديين في سنجار، والذين عانوا من فظائع التنظيم، إذ لا يثق بعض الإيزيديين بالأمير الجديد “تحسين بيك”، لأنه خدم كعضو برلماني في الحزب الديمقراطي الكردستاني الحاكم إقليم كردستان، والذي يرون بأنه كان يجب عليه فعل المزيد لمنع وقوع سنجار في أيدي جهاديي التنظيم المتطرف.

وظهر هذا الاستياء لأول مرة في العام الماضي، عندما تولى “تحسين بيك” السلطة خلفاً لوالده الراحل، الذي حكم سبعة عقود وتوفي دون أن يرشّح خليفة له، ويقول منتقدوه إن «تحسين بيك” اُختير قبل عدة مرشحين آخرين ودون تشاور مناسب وأوسع مع أبناء الطائفة الإيزيدية».

ويقول “أحمد برجس” نائب مدير منظمة #يازدا، وهي منظمة غير ربحية تأسست في أعقاب الإبادة الجماعية للإيزيديين: «كنا نأمل في عملية اختيار أكثر ديمقراطية تسمح للناس بالتعبير عن آرائهم، إن أحد أسباب اختيار الأمير الجديد هو أنه يحظى بدعم الحزب الديمقراطي الكردستاني الحاكم، لكن هذا مثل تعيين ملكة لبريطانيا من قبل حزب المحافظين أو العمال».

حتى أن مدعي العرش من سنجار أعلن نفسه أميراً في احتفال منافس، ويُزعم أن ذلك تم بتحريض من حزب العمال الكردستاني، واندلع مزيد من الخلاف الشهر الماضي، عندما اُختير “بابا شيخ” الجديد، “علي إلياس” في #لالش  وهو معبد جبلي يعد أقدس مواقع الإيزيديين ووجهة حجهم.

وقاطع البعض في سنجار هذا الحدث من جديد، زاعمين مرةً أخرى بأن الأمير تحسين بيك، الذي أشرف على التعيين، لم يتشاور على نطاق واسع بما فيه الكفاية. وحاول “تحسين بيك” بالفعل معالجة الانقسامات، حيث أنشأ مجلساً جديداً للطائفة، لمنح الإيزيديين في سنجار أصواتاً أكثر.

لكن بالنسبة لبعض الإيزيديين، هناك حاجة الآن إلى المزيد من الإصلاحات الشاملة، فهم يرون بأن وجود قيادة أكثر انخراطاً وخضوعاً للمساءلة أمر حيوي، ليس فقط لوقف الإبادة الجماعية مرة أخرى، ولكن لإنهاء الخلافات التي خلفتها الإبادة السابقة.

ويقول الكاتب الإيزيدي “خليل جندي رشو”: «يجب أن يكون الأمير في موقع رمزي كما هو الحال في بريطانيا، ويجب أن يكون لدينا هيئة منتخبة ديمقراطياً لقيادة الإيزيديين في كل مكان، جرح الإيزيديين اليوم أكبر من أن يلتئم بطريقة أخرى».

من جانبه، يشير “برجس” إلى أنه «ما لم يحقق العراق سلاماً دائماً، فقد تتضاءل الطائفة الإيزيدية وتفقد أكثر من 500 ألف إيزيدي، لقد فرّ حوالي خمس الإيزيديين بالفعل إلى الخارج في أعقاب الإبادة الجماعية على يد تنظيم داعش، وسيحتاج من بقوا إلى القليل من التشجيع لمتابعة حياتهم».

ويختتم برجس حديثه قائلاً: «حتى لو كان لدينا تمثيل سياسي، لا تزال هناك أحزاب دينية أخرى في السلطة العراقية تعتقد أننا كفار، كل ما يتطلبه الأمر هو مجزرة أخرى بحقنا، سواء كانت إبادة جماعية أو سيارة مفخخة، وسيهرب جميع الإيزيديين من هذه الأرض».


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.