لا يمكن عزل كل ما حدث في العراق في 2020، عن حادثة “المطار” التي أودت بحياة الجنرال الإيراني قاسم سليماني والقيادي في الحشد الشعبي “أبو مهدي المهندس”، كون الغارة الأميركية، لم تكن ضربةً لإيران على أرض العراق فحسب؛ بل أصابت العملية السياسية في البلاد بالرعاش، وأسفرت على خللٍ في الهوية العسكرية والأمنية.

كان ضررُ العراقيين في 2020، أكثر من غيرهم من سكان العالم، فإلى جانب اشتعال الأوضاع الأمنية والاجتماعية بسبب تظاهرات “تشرين” 2019، كان هناك شرخ في المؤسسة الأمنية، حيث تنقسم إلى قسمين، الأول يدافع عن الناشطين والثاني يقتلهم، حتى جاءت الغارة، وأسفرت عن ولادة قسم ثالث، تمثل بالطرف الغاضب والمنتقم الذي يبحث عن الثأر لضحايا “حادثة المطار”.

وبالرغم من أن عادل عبد المهدي، رئيس الحكومة العراقية وقت الحادثة، المسؤول عن قيادة الملف الأمني، إلا أنه استقال بعد مقتل /800/ متظاهر، وحمّل الطرف الغاضب، “مصطفى الكاظمي”، رئيس الوزراء الحالي، مسؤولية الغارة، كونه رئيس جهاز المخابرات، ولكن: هل طرح هذا الطرف دليلاً على تورط الكاظمي. الإجابة: لا، لحد الآن.

لا أحد يعرف من رتّب من جهة الجانب العراقي، للجانب الأميركي المعلومات الكافية لتنفيذ الضربة بهذه الدقة، ولكن ما يعرفه الجميع أن العراق قبل “حادثة المطار” ليس العراق بعدها، ولا سيما بعد ولادة فصائل جديدة، هدفها الأول والأخير طرد الأميركيين، الذي تعتبرهُ الطريق إلى الثأر لضحايا الغارة.

يشهد العراق حالياً، صراعاً أمنياً واضحاً بين جبهات متعددة، منها ما يؤمن بقوة القانون والدولة، وجماعة تؤمن بالكاتيوشا، أما آخرون فيؤمنون بالهراوات وتأديب كل من يسيء لضحايا “حادثة المطار”، ويحدث هذا في ظل أزمة مالية واقتصادية واجتماعية يعاني منها الفرحين بالحادثة والغاضبين منها.

تكثفت هجمات الفصائل المسلحة الجديدة، مثل “أهل الكهف وقاصم الجبارين” وغيرهما، على السفارة الأميركية ببغداد، وأرتال الدعم اللوجستي لقوات التحالف الدولي في بغداد ومحافظات وسط وجنوب العراق، مستخدمة العبوات الناسفة وصواريخ “كاتيوشا”، حتى باتت أخبار الهجمات عادية بالنسبة للإعلام العراقي، وكأن العراق لم يخرج من عام 2007.

ولا تبدو الضربة الأميركية قد أرعبت الغاضبين على مقتل سليماني، بل أنها زادتهم عنفاً وتنظيماً، وهذا ما يؤكده المراقبون والباحثون، فيما لم يظهر لحد الآن من يضبط إيقاع كل ما يجري، ففي الوقت الذي تنفي فيه إيران صلتها بالهجمات ضد الأميركيين بالعراق، ويصفها قادة الحشد بـ”الغبية والحمقاء والرعناء”، تبقى مستمرة بدعمٍ متواصل.

تقول حكومة الكاظمي إنها لا تعرف من يقف وراء هذه الجماعات، ليتأكد للعراقيين أن الكاظمي ليس أكثر من مسؤول كبقية المسؤولين الذين لا يعرفون أي شيء عن وضع العراق، أو ربما أنه ليس أكثر من كاظمٍ لغيضه أمام السلاح المنفلت والهجمات الأكثر انفلاتاً.

ويُصرح قادة من الحشد الشعبي وفصائل “المقاومة الإسلامية”، أن الكاظمي متورط بالحادثة، ولكن هذه التأكيدات لم تدعمها لحد الآن أية ورقة أو دليل عملي، كما أن الكاظمي لا يملك الأدلة الكافية لتبرئة نفسه، وهذا التجاذب بين الطرفين، أخذ المراقبين إلى القول إن الكاظمي يقايض الفصائل عبر مبدأ: “لا تتهموني ولن أعتقلكم”.

“حادثة المطار”، زادت من تعسر “الإصلاح” الذي تغنت به الأحزاب العراقية، كونها أوجدت صراعاتٍ داخلية جديدة، ومرحلة حديثة من الاتهامات والانشغال بالتصفيات، كيف؟. لأن “سليماني” تحديداً، لم يكن قائداً عسكرياً إيرانياً يصل إلى العراق بصفة مستشار للأمن والحرب على “داعش”، بل هو ضابط الارتباط بين كل الكتل السياسية العراقية المتخاصمة، ليست الشيعية فقط بل السنية والكردية. ونفس الدور كان يلعبه “المهندس”، ولكن بدقة أقل.

حالياً، لا توجد إشارات أو علامات تدل إلى حلول في الوقت القريب، لا سيما بين الكتل السياسية الشيعية، كما أن المشاكل الأمنية قد تتوالى في ظل تمسك “محور المقاومة” بتعهداته الثأرية من جهة، وتمسك الحكومة العراقية بالتحالف الدولي والسفارة الأميركية من جهة ثانية.

ولعل أقرب الحلول وأبعدها في الوقت ذاته، هو أن يصطف الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن إلى جانب إيران في بعض بنود الاتفاق النووي، الذي قد يترك لطهران فرصة للملمة نفسها على المستوى الاقتصادي، وبالتالي فإن الفصائل المسلحة العراقية قد تتراجع بأوامرٍ إيرانية، لإشعار آخر.


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.