استهدفت القوات المتحاربة في سوريا وخاصة الحكوميّة منها والميليشيات التابعة لها أكثر من ثلث المدارس السوريّة منذ بداية الصراع، فدمرتها دماراً واسع الانتشار، أو تم استخدامها لأغراض عسكريّة، فيما أصبح عدد كبير مما نجا منها مأوى للنازحين المشردين نتيجةً لويلات الحرب، أدى هذا في نهاية المطاف لتوقف تعليم أكثر من مليوني طفل داخل سوريا، حيث لم يكن للاجئين في دول الجوار حظاً أفضل، فقد حُرم أيضاً حوالي 800 ألف طفل سوري في هذه الدول من الدراسة.

بحسب منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، لا يمكن استخدام مدرستين من كل خمس مدارس في سوريا اليوم بسبب تدميرها أو تضررها أو لأنها أصبحت مأوى للعائلات النازحة، كما يُستخدم عدد كبير منها لأغراض عسكريّة بما في ذلك استخدامها كمستودعات أو ثكنات أو مراكز للقناصة أو قواعد مؤقتة أو مواقع إطلاق.

قتل التلاميذ وأحلامهم

أدى استهداف المدارس إلى قتل الأطفال الموجودين داخلها أو في محيطها، وفي مثال على ذلك، استهدفت القوات الحكوميّة ظهر يوم 1 كانون الثاني/ يناير 2019، مدرسة “عبدو سلامة” في مدينة “سرمين”(وقد تم قسمها إلى قسمين، الأول يستخدم كمركز إيواء للنازحين والثاني للتعليم) والتي تضم أكثر من 1500 طالب وطالبة، بصاروخ مزود بقنابل عنقودية (وهو سلاح محظور استخدامه بسبب ضرره المفرط)، ما تسبب بمقتل خمسة أطفال ومعلمة وامرأة وثلاثة رجال مدنيين، إضافة إلى إصابة أكثر من 16 مدنياً آخر بجروح بينهم أطفال، من حسن الحظ أن الطلاب انصرفوا يومها قبل موعدهم بقليل، وإلا لكان عدد القتلى أكبر بكثير.

يسبب الخوف من هجمات مماثلة قيام أصحاب المدارس إلى نقل فصولها إلى الأقبية، كما حصل في مدرسة “عبد الرحمن الخازن” في “الفحامة” بدمشق، وذلك بعد أن أطلق “جيش الإسلام” قذائف الهاون على العاصمة في شباط/ فبراير 2015.

«قاموا في المدرسة بنقلنا إلى القبو وقالوا أن هذا لسلامتنا، لقد شعرت بالخوف الشديد لأن صوت قذائف الهاون كان يصل إلينا ونحن في الصف، تظاهرت بالمرض لعدة أيام لأنني لا أريد أن أذهب إلى المدرسة وأتعرض في الطريق للقتل»، “سلمى”/ 8 أعوام.

وإذا ما قمنا بنظرة إلى داخل الصفوف في المدارس التي لا تزال تعمل، سنرى الطلاب متكدسون بأعداد كبيرة وبأعمار متفاوتة في غرف صغيرة، دون الانتباه لاحتياجاتهم أو مستويات تعليمهم أو طموحاتهم ومستقبلهم.

لا يقتصر ضحايا الاستهدافات على الطلاب، بل يواجه المعلمون أيضاً القتل والإصابة، هذا ويعاني الكثير منهم من الخطف أو الاعتقال أو لم يعد لهم خيار سوى الهجرة خارج البلد خوفاً على حياتهم.

اجتمعت الهجمات المتكررة على المرافق التعليمية مع الانهيار الكامل للنظام التعليمي واستهداف التلاميذ والمعلمين ليؤدي ذلك إلى تقليل فرص الأطفال إلى أدنى حد في استئناف دراستهم وتحسين الآفاق المتاحة لهم في المستقبل.

الطريق الشائك للتعليم

لا يقتصر الأمر على التدمير أو القتل، بل إن الوصول إلى المدارس أصبح تحدياً يومياً في بعض المناطق، ففي مناطق سيطرة المجموعات المُسلحة المختلفة، كان من شأن تقييدات التنقل وانتشار الخوف من الاعتقال في نقاط التفتيش الحكوميّة أنها فرضت على كثير من الآباء حبس أبنائهم في البيت، وسُجِّلت أيضاً تهديدات ضد الآباء نتيجة تسجيل الأطفال في المدارس الحكوميّة، مما دفع الكثير من الأهالي إلى إبقاء صغارهم في البيت والامتناع عن إرسالهم للمدرسة.

على صعيد آخر، يعاني عدد كبير من الطلاب القادمين من المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة السوريّة من رفض تعديل شهاداتهم، مما يضطرهم إلى إعادة الصفوف التي أنجزوها، وفي هذا ظلم لهم وضياع لسنوات من حياتهم.

تزويج القاصرات بدل تعليمهن

منذ ظهوره في نيسان/ أبريل 2013، فرض تنظيم “داعش” قواعد صارمة على النساء والفتيات في المناطق الواقعة تحت سيطرته، مما وضعهن تحت سيطرة الأقارب الذكور، وأبعدهن عن الحياة العامة. منع التنظيم الفتيات من التعليم، وفرض عليهن الزواج، والأغلبية العظمى من الحالات الموثقة أظهرت آن ضحايا الزواج القسري هن من الفتيات ما بين سن الثانية عشرة والسادسة عشرة.

«طلب أحد مقاتلي التنظيم فتاة في سن الرابعة عشرة من والدها، وعند رفضه تزويج ابنته أخذوها غصباً عنه من منزلها في مدينة دير الزور، وقاموا بجلده علناً ليكون عبرة لمن يعتبر».

السلاح بدل حقيبة المدرسة

استخدم تنظيم “داعش” التعليم كأداة للتلقين العقائدي بهدف خلق جيل من المؤيدين المتطرفين، لكي يتابع الأولاد منهجاً دراسياً صارماً يعكس معتقدات التنظيم، فيحصلون على التدريب على الأسلحة، وتعرض عليهم بصورة روتينية شرائط فيديو فيها عمليات قطع الرؤوس والإعدامات، ويُجبرون لاحقاً على الالتحاق بالتجنيد الإجباري، ولايمكن أن يجرؤوا على الفرار لأنه مصيرهم سيكون القتل.

«طلبوا مني أن أقتل أخي الصغير. لقد نبهته ألا يقوم بعمل طائش لكنه لم يستمع. حاول الهرب لكنه بدين وبطيء فأمسكوا به سريعاً، بكيت كثيراً يومها لكنني منذ ذلك الحين لم أعد أبكي أبداً»، أحمد/ 16 عاماً.

لم يكن التنظيم وحده من جند الأطفال، بل قامت بذلك مختلف الجماعات المسلحة المعارضة، كما لعبت الحكومة السوريّة دوراً مهماً في جعل الأطفال جنوداً في صفوفها، ودروعاً بشرياً لحمايتها.

كابوس لم ينتهي

وُلِد نحو 6 ملايين ﻃﻔﻞ منذ بداية النزاع في ﺳﻮرﻳﺎ، في حين قُتل حتى اليوم حوالي 30 ألف طفلاً، بينهم من قضى تحت التعذيب، بينما اختفى قسرياً أكثر من 4 آلاف طفل، إضافة إلى تجنيد حوالي 5 آلاف منهم. بينما بلغ عدد الأطفال النازحين داخلياً 2.6 مليون طفل. أما عدد المحتاجين من الأطفال فقد وصل إلى 5 ملايين منهم 360 طفلاً يعيشون في مناطق يصعب الوصول إليها، عدا عن الأطفال اللاجئين في دول الجوار السوري والذين تجاوز عددهم 2.5 مليون طفل، الآلاف منهم غير مصحوبين أو منفصلين عن عائلاتهم. يضاف إلى هذه الأرقام، ما لا يقل عن 28 ألف طفل ضمن أكثر من 60 دولة وهم أبناء المقاتلين المتطرفين السابقين العالقين في سوريا، يعيشون في مخيمات في الشمال الشرقي محرومين من الخدمات الأساسية. وآلاف الفتيات الصغيرات المتزوجات قسراً في محاولة منهن أو من أهلهن للحصول على الحماية من الاستغلال أو التحرش الجنسي.

تعكس هذه الحقيقة الوضع السيء جداً الذي يعيش فيه أطفال سوريا اليوم، فمع كل عمليات القتل والاعتقال والتجنيد والقصف التي طالت السورييّن، كان للأطفال الحصة الأكبر من الانتهاكات، خاصةً أن مسؤولية بناء سوريا القادمة ستكون على عاتقهم، وهي مسؤولية تحتاج لتوازن نفسي وعاطفي، ولمستوى عالٍ من الوعي والثقافة، وهو ما سيكون تحدياً حقيقياً لهذا الجيل بسبب كل الصدمات والانتهاكات لحقوقهم التي يعيشونها كل يوم ومن أهمها الحرمان من التعليم.

مصدر الإحصائيات: “منظمة الأمم المتحدة”


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.