“الدعم النفسي” قبل الخبز والدواء والتعليم: هل تتجاهل المنظمات المدنية الحاجات الأساسية لأهالي إدلب؟

“الدعم النفسي” قبل الخبز والدواء والتعليم: هل تتجاهل المنظمات المدنية الحاجات الأساسية لأهالي إدلب؟

قامت عدد من المنظمات المدنية الدولية بتجهيز مراكز للدعم النفسي في محافظة #إدلب، لتقدّيم أنشطة في المدارس والمخيمات، للأطفال والنساء وذوي الاحتياجات الخاصة، إضافة إلى تأهيل الكوادر الإنسانية، من خلال تدريبها على مهام الدعم النفسي، في ظل المعاناة النفسية الكبيرة، التي يعيشها أهالي المحافظة، بعد عشرة سنوات من الصراع المسلّح.

تسعى مراكز الدعم النفسي، بحسب القائمين عليها، على إفادة أكبر قدر من المدنيين، وإخراجهم من الحالة النفسية الصعبة التي يعيشونها، وخصوصاً الأطفال، ومتابعة حالاتهم، للمساهمة في تأهيلهم للعودة للحياة الطبيعية.

إلا أن هذه المراكز، والمنظمات التي تموّلها، تواجه عدة اتهامات وانتقادات، منها التركيز على مفهوم “الدعم النفسي”، على حساب إهمال حاجات أساسية للأطفال، على رأسها الغذاء والتعليم.

 

دعم سخي وإهمال للتعليم

وتقوم مراكز الدعم النفسي بتوظيف مئات الكوادر برواتب مرتفعة، بينما يعاني المعلمون من غياب الدعم، وانخفاض مرتباتهم، فيُقدر راتب العامل، في مجال الدعم النفسي، بأكثر من أربعة  أضعاف راتب المعلم، ما يدفع كثيراً من العاملين في مجال التعليم إلى ترك عملهم، والسعي للعمل لدى مراكز الدعم النفسي.

“بشير اليحيى”، ناشط من المحافظة، يحمل شهادة في علم الاجتماع، يقول لموقع «الحل نت» إن «السبب الرئيسي لانتقاد مراكز الدعم النفسي هو تقاضي العاملين فيها أجوراً عالية، وحصولهم على تجهيزات جيدة، مقابل انخفاض أجور المعلمين، مما يدفعهم للعمل في مجالات أخرى. ويعتبر أهالي المحافظة عموماً أن التعليم يجب أن يكون المُستهدف الأول في الدعم، من أجل الحفاظ على مستقبل أولادهم».

إلا ان “اليحيى” لا ينكر أهمية الدعم النفسي، وإن كان يراه نشاطاً مُلحقاً بالتعليم، وليس مستقلاً عنه، فيؤكد على أن «برامج الدعم النفسي حاجة ضرورية وملحّة، لأنها مكمّلة للتعليم، فالطلاب بحاجة لهذه التدريبات والنشاطات بشكل مستمر، وذلك من أجل إخراجهم من التأثر بحالة الحرب».

“عبد السلوم”، أستاذ مدرسة، سبق أن رفض دعوة أرسلت له، لحضور محاضرة عن حماية الطفل، من قبل مركز للدعم النفسي في منطقة “سرمدا”، ولديه انتقادات أكثر حدة من “اليحيى”، إذ يعتبر أن «جميع مراكز الدعم النفسي أقيمت لصرف الأموال بطريقة عبثية، دون وجود فائدة محققة للأطفال».

ويتابع في إفادته لموقع «الحل نت»: «يمرّ علينا في المدارس، بشكل يومي، بعض العاملين في مجال الحماية والدعم النفسي، ليوزعوا علينا بروشورات توعوية، إضافة إلى إقامتهم حفلات، تُصرف عليها آلاف الدولارات، لإجراء بعض الأنشطة البسيطة، التي لا تحقق شيئاً ملموساً للمجتمع»، حسب تعبيره.

 

عمل طويل النَفَس

“عبد الله الزيدان”، مرشد نفسي، يحمل شهادة الماجستير في اختصاصه، ويعمل لدى منظمة “ميديكال”، المهتمة بالدعم النفسي، يدافع عن عمل المنظمات المدنية بالقول: «المنظمات تعمل بنَفَس طويل، وأثرها لا يظهر على المدى القريب. تقديم الدعم النفسي للأطفال، من خلال اللعب والأنشطة المختلفة، ينمّي قدراتهم الحسيّة والحركية، ومهاراتهم في التفكير، وهو وسيلة علاجية من وسائل الدعم النفسي، ولكن بشرط أن يقوم المرشد النفسي بعمله على أكمل وجه».

ويضيف “الزيدان”، في حديثه لموقع «الحل نت»، أن «أغلب المنظمات، العاملة في مجال الدعم النفسي، تقوم بتدريب أي شخص يتقدّم لها، سواءً كان مختصاً أو غير مختص، ليعمل ضمن منهج محدد مع الأطفال، أما في حالة احتياج الأطفال إلى خدمات اختصاصية، كما في حالة الأطفال العدوانيين، الذين  لا يستجيبون للأنشطة، فيتم إحالتهم إلى مراكز الدعم النفسي الاجتماعي».

 

غياب الكفاءات

حديث “الزيدان” يلمّح إلى اتهام آخر موجّه لمراكز الدعم النفسي، وهو توظيف أناس ليس لديهم الخبرات الكافية، ما يؤدي إلى تبديد الأموال الطائلة، التي تُصرف على هذه المراكز، دون فائدة تذكر.

“سعيد الحبيب”، مسؤول عن مراكز الدعم النفسي في منظمة “التنمية”، يرفض الاتهامات حول تقصير عمل المراكز قائلاً: «تعلن مراكز الدعم النفسي عن تدريبات شهرية، من أجل تدريب عدد من الكوادر، ليكونوا داعمين نفسيين، ومن بعدها يتم الإعلان عن الوظائف، وقبول المتقدمين من أصحاب الكفاءات، وعلى الرغم من أنه يتم قبول الذين لا يملكون شهادات جامعية في اختصاص الدعم النفسي، وذلك بسبب نقص الكوادر المتخصصة في هذا المجال، فإن الأولوية لأصحاب الشهادات».

وبعيداً عن كل هذا الجدل حول كفاءة كوادر الدعم النفسي، فإن الأستاذ “عبد السلوم” يبدو مصرّاً على موقفه، فسواء كان كوادر الدعم مؤهلين بما فيه الكفاية أم لا، فالتركيز الكبير على هذا المجال يبقى، برأيه، مجرد ترف، يرتبط بعقلية الداعمين الأجانب، الذين يركزون على برامجهم الخاصة، دون إطلاع كبير على الحاجات الفعلية لأهالي المحافظة، ويقول: «القطاع الطبي والغذائي في إدلب يعاني من نقص في الدعم، والناس في المخيمات تحتاج إلى دعم غذائي وطبي وتعليمي، وليس بعض الأنشطة المترفة. الأموال، التي تُصرف على العاملين في هذا القطاع، يجب أن تحوّل إلى القطاعات، التي تمسّ حياة الناس»، حسب تعبيره.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.