تسبّبت الحرب السورية بكثيرٍ من الدمار على مختلف المستويات، لكن يبدو أن الضرر الذي لحق بالتراث كان أخطر من الأضرار التي لحقت بالبلاد على مدار عدة أجيال، فخلال عقدٍ من الزمن، قُصِفت المواقع الأثرية ونُهِبت المتاحف.

ففي تدمر التي تلقب بـ (فينيسيا الصحراء) المدرجة ضمن مواقع التراث العالمي لليونسكو، وصل الجهاديون، واستمروا في توسعهم الإقليمي في سوريا والعراق بعد عامٍ من إعلان دولة “الخلافة”، كان الغضب عالمياً.

فقد أصبحت بقايا حضارة قديمة راقية وعالمية، مسرحاً يتم فيه التعبير عن همجية المقاتلين المتعطشين للدماء، سعياً للوصول إلى آفاقٍ جديدة في الرعب، بحسب تقريرٍ لـ (LExpress.fr).

ورغم استعادة المدينة عام 2017 من قبل القوات الحكومية وحليفتها الروسية، استمر التنظيم في إبادته الثقافية، بعد أن دمّر مسلّحوه (معابد بل وبعل شمين) بالمتفجرات، ما أدى إلى تحويل #قوس_النصر إلى غبار.

وبعد بيع قطع المتحف، التي يمكن نقلها، في السوق السوداء، سحق عناصر التنظيم القطع الكبيرة جداً التي لا يمكن نقلها. وهي مشاهد تذكرنا بتدمير حركة طالبان الأفغانية تماثيل #بوذا في باميان عام 2001.

تُمثّل #تدمر واحدة من أكثر الخسائر التي لا تُقدّر بثمن التي عانى منها التراث السوري. لكن الصراع لم يستثن أي منطقة، يقول المدير الأسبق للآثار والمتاحف في سوريا “مأمون عبد الكريم” خلال، مقابلة مع وكالة فرانس برس في دمشق، إن «نحو 10٪ من الآثار في سوريا تضررت».

مع ذلك، يمكن للبلاد أن تفتخر بوجود ستة مواقع للتراث العالمي لليونسكو. وفي عام 2013 أُدرِجت جميعاً في قائمة التراث المعرّض للخطر.

ويؤكد المؤرخ “جوستان ماروزي” مؤلف كتاب (الإمبراطوريات الإسلامية: 15 مدينة حددت الحضارة)، قائلاً: «إنها نهاية العالم الثقافية».

وبالنسبة له، فإن تدمير الحرب يذكرنا بعصر قديم، عصر الغزاة المغول الذين جاؤوا لتوسيع إمبراطورية #جنكيز_خان إلى الشرق الأوسط. «لا يسعني إلا التفكير على الفور في تيمور (المعروف أيضاً باسم تيمورلنك)، الذي زرع الجحيم هنا في عام 1400»، يتابع “ماروزي”.

إن الإشارة إلى الغزاة المغول، أمرٌ لا مفر منه عندما يفكر المرء في حلب، فمدينتها القديمة هي واحدة من أقدم وأفضل ما تم الحفاظ عليه في العالم. وقبل ستة قرون، هاجم #تيمورلنك المدينة، لكن ليس الغازي الأجنبي هو المسؤول عن الدمار الذي حدث في العقد الماضي.

وفي طريق استعادتها لمدينة حلب، اعتمدت الحكومة السورية على دعم القوات الجوية الروسية الحليفة. وسيؤدي الحصار الوحشي المفروض على أحياء تحصّن فيها مسلحو المعارضة، بين عامي 2012 و2016، إلى تشويه المدينة. وهكذا تم تدمير المدينة القديمة، التي شهدت واحدة من أعنف معارك المواجهة.

لكن الحرب في سوريا، تعني أيضاً نهب أكثر من 40 ألف قطعة أثرية من المتاحف والمواقع الأثرية، وفقاً لتقرير نشرته مؤسسة (جيردا هنكل) والجمعية السورية لحماية الآثار ومقرها باريس في عام 2020.

وقد وفرت عمليات التهريب ملايين الدولارات من العائدات لتنظيم داعش وأيضاً للجماعات المسلحة الأخرى والقوات الموالية للنظام، ما أدى إلى تغذية شبكات التهريب التي يهيمن عليها أمراء الحرب الجدد.

وعلى أراضيه، كان لتنظيم داعش قسماً خاصاً به لإدارة الحفريات الأثرية، وهو دليل على أن الفوائد التي يمكن الحصول عليها من أعمال التهريب، حتى لو لم يتم تقييمها بدقة، كانت كبيرة بما فيه الكفاية.

وفي ذروة أعمال العنف، سمحت الفوضى العارمة في سوريا بنقل القطع الأثرية، التي يسهل نقلها كالعملات العتيقة والتماثيل وأجزاء الفسيفساء، في كل مكان لإعادة بيعها في سوق التحف السوداء.

كذلك، فإن العواقب الاقتصادية خطيرة على مستقبل سوريا. وقبل الحرب، كانت ثروة التراث مجرد بداية لجذب المزيد من السياح، على الرغم من أن الإمكانات لم تُستغل بالكامل.

إلى جانب تدمر وحلب، تعرضت البلدات القديمة في دمشق وبصرى إلى الدمار. كذلك الحال بالنسبة إلى القرى القديمة في شمال سوريا، الملقبة بـ “المدن الميتة”، أو مدينة #أفاميا الرومانية القديمة، على ضفاف #نهر_العاصي، حيث قام تنظيم داعش بحفريات سرية.

فما دمرته الحرب في تدمر، وبالتالي في جميع أنحاء سوريا، أظهر ماض غني متعدد الثقافات، وحضارة مثالية حتمية.


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.