الصراع على مصادر الفساد في العراق: هل سيتمكّن المالكيون من الاحتفاظ برئاسة “هيئة الإعلام والاتصالات” في مواجهة الصدريين؟

الصراع على مصادر الفساد في العراق: هل سيتمكّن المالكيون من الاحتفاظ برئاسة “هيئة الإعلام والاتصالات” في مواجهة الصدريين؟

صوّت #مجلس_النواب_العراقي، بتاريخ الثالث من آذار/مارس الجاري، على عدم القناعة بأجوبة “علي ناصر الخويلدي”، الرئيس التنفيذي لـ”هيئة الاتصالات والإعلام العراقية”، خلال جلسة استجوابه حول مخالفات قانونية وقضايا فساد اتُهم بها، وفي مقدمتها تجديد رخص شركات الهاتف النقال (“أسيا سيل” و”زين العراق” و”كورك”)، دون استيفائها للشروط المطلوبة.

وكان هذا الاستجواب الملف الذي حاز الجانب الأكبر من اهتمام مجلس النواب العراقي، في الفترة المنصرمة، بانتظار تحديد موعد جلسة سحب الثقة، التي يُتوقع أن يطاح بها بـ”الخويلدي” «الابن المدلل لـ”حزب الدعوة”»، وفقاً لتعبير السياسي العراقي المستقل “إياد السماوي”، الذي كشف، في حديثه لموقع «الحل نت»، أن «”الخويلدي”، أمضى اثني عشر عاماً في هيئة الإعلام والاتصالات، وتدرّج في مناصبها، وصولاً لترأسها، مدعوماً من “حزب الدعوة”، بزعامة رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري #المالكي، وقد حصل على وعود من قوى سياسية متنفّذة بمنع الإطاحة به، في التصويب النيابي على عزله، الذي يتطلّب موافقة مئة وخمسة وستين نائباً».

من جهته يقول “د. مصدق عادل”، أستاذ القانون الدستوري في جامعة #بغداد، لموقع «الحل نت» إن «”الخويلدي” رجل فاسد، أهدر مليارات الدولارات من أموال العراق، والتصويت على عدم القناعة بأجوبته في #البرلمان_العراقي تمّ وفق المادة 61 من دستور جمهورية العراق، وبالتالي يتوجب على أعضاء مجلس النواب التوجه لسحب الثقة منه».

ولكن ما أهمية هيئة الاتصالات والإعلام، كي تشتغل اهتمام القوى السياسية العراقية لهذه الدرجة؟ ولماذا تسعى كل الأطراف للسيطرة عليها؟

 

الصراع على مناجم الفساد

الصحفي “حسن جمعة”، المهتم بعمل هيئة الاعلام والاتصالات منذ أعوام، يوضح لموقع «الحل نت» أن «مجموع مداخيل الهيئة يضاهي ما يدخله النفط من موارد مالية لخزينة الدولة العراقية، وهذا يوضح أسباب الصراع السياسي المحتدم على منصب رئاستها».

ويضيف: «”الخويلدي” أصبح من أصحاب المليارات في العراق، بسبب عمليات الفساد التي قام بها ورعاها، وهو من الداعمين لرؤساء وزراء العراق المتعاقبين، خلال حملاتهم الانتخابية، لضمان بقائه بالمنصب».

“إياد السماوي” يؤكد أن «منصب الرئيس التنفيذي لهيئة الإعلام والاتصالات استحوذ عليه “حزب الدعوة” منذ عام 2003، الذي تولى حكم العراق لثلاث فترات انتخابية. والآن تحاول “كتلة سائرون”، التابعة للتيار الصدري، والتي تصدّرت انتخابات عام 2018، الاستيلاء على المنصب، إضافة لمنصب محافظ البنك المركزي العراقي».

«التيار الصدري يريد السطو على مناجم الفساد الكبرى، التابعة لـ”حزب الدعوة”، ولكن “الخويلدي” يُعتبر الابن المدلل للحزب، بسبب ما يقدّمه من أموال طائلة لقادته، لذلك سيصرّ أنصار المالكي على إبقائه بالمنصب»، يؤكد “السماوي”.

يُذكر أن مجلس أمناء هيئة الاتصالات والإعلام سعى، بتاريخ التاسع من آذار/مارس الجاري، إلى عقد جلسة خاصة لإقالة الرئيس التنفيذي للهيئة، إلا أن الجلسة لم تتم. ما قد يؤكد المعلومات، التي حصل عليها «الحل نت»، عن وجود مساعٍ لكتل سياسية، لمنع سحب الثقة من “الخويلدي”.

 

حرب المرشحين

ويكشف مصدر مطّلع على كواليس الصراع على هيئة الاتصالات والإعلام لموقع «الحل نت» أن «الصراع الحالي يدور على جبهتين: الأولى شيعة-شيعية، عبر مرشحين جدد قدّمتهم أحزاب السلطة؛ والثانية بين شركات الاتصالات الكبرى العاملة في العراق».

ويعدد المصدر، الذي اشترط عدم كشف هويته، أسماء المرشحين الأبرز للمنصب، والجهات التي تدعمهم: «”طارق الخيكاني”، مرشح “كتلة سائرون”، الجناح السياسي للتيار الصدري؛ “مجاهد أبو الهيل”، رئيس شبكة الإعلام العراقي الأسبق، وهو مرشح “حزب الدعوة” بزعامة نوري المالكي و”تيار الحكمة” بزعامة “عمار الحكيم”؛ “أمير البياتي”، العضو في مجلس أمناء الهيئة، و”صفاء صالح” مدير مكتبها في #البصرة، وهما مرشحان من “حزب الدعوة” أيضاً؛ “عادل سلمان”، العضو بمجلس أمناء هيئة الاتصالات والإعلام، والمدعوم من “محمد الجرجفي”، مالك شركة “زين العراق للاتصالات”؛ “رضوان صبري”، مرشح شركة “آسيا سيل للاتصالات” ورئيسها “فاروق مصطفى رسول”؛ وأخيراً “بسام سالم”، مرشح “محمد الحلبوسي”، رئيس مجلس النواب العراقي».

ويشير المصدر إلى أن «الصراع المحتدم يتم بأسلوبين: الأول أسلوب المقايضة، أي التنازل عن مناصب أخرى مقابل الحصول على رئاسة الهيئة، مثل ما تقوم به “كتلة سائرون”، التي عرضت التخلّي عن منصب محافظ البنك المركزي، مقابل حصولها على منصب الرئيس التنفيذي لهيئة الاتصالات والإعلام، وهو أسلوب تنتهجه الأحزاب الشيعية عموماً؛ أما الأسلوب الثاني فهو الترضية المالية، أي عرض الجهات المتنافسة أموالاً طائلة، وشراء ذمم قوى سياسية معينة، مقابل ضمان دعمها، عند التصويت على تسمية رئيس الهيئة في مجلس النواب العراقي، وهو الأسلوب المفضّل لشركات الاتصالات».

ويتابع: «الخشية من فتح ملفات فساد كبرى داخل الهيئة، تدين “علي ناصر الخويلدي”، المدعوم من “حزب الدعوة”، وأيضاً شركات الاتصالات الكبرى، هي أيضاً أحد أهم أسباب التنافس المحموم على رئاسة الهيئة».

 

الفساد يطال إعلانات التوعية من كورونا

الصحفي “حسن جمعة” يكشف عن واحد من أهم ملفات الفساد في الهيئة بالقول: «طلبت هيئة الاتصالات من شركات الهاتف النقال مبلغاً يصل إلى تسعة مليارات دينار عراقي، أي حوالي ستة ملايين دولار، من أجل نشر إعلانات توعية من خطر فيروس #كورونا، مقابل أن تمنح الهيئة مهلة جديدة لتلك الشركات لتسديد ديونها، التي تصل إلى مئات الملايين من الدولارات».

ويفصّل “جمعة” الديون المترتبة على الشركات: «شركة “أسيا سيل للاتصالات” مدينة للدولة العراقية بأربعمئة وخمسين مليار دينار عراقي (ثلاثمئة وعشرة ملايين دولار أميركي)، فيما تبلغ ديون شركة “زين العراق” مئتين واثنين وستين مليار دينار (مئة وثمانون مليون دولار)، أما شركة “كورك” فلا تٌعرف بالضبط قيمة ديونها، ولكنها تٌقدّر بمبالغ كبيرة، ما قد يوصل ديون الشركات الثلاث مجتمعة إلى أكثر من مليار دولار».

ويواصل سرده بالقول: «تم بالفعل الحصول على الأموال، التي طلبتها الهيئة، إلا أن ما نفذته من إعلانات توعوية كان بائساً وضعيفاً، واتفق “الخويلدي” مع قنوات فضائية مقرّبة منه على عرض تلك الإعلانات، شريطة أن تذهب نصف قيمة  العقود، التي تدفعها الدولة العراقية، لجيبه الخاص، ولمصلحة مسؤول في وزارة الصحة العراقية، مرّر تلك الإعلانات في الوزارة، كونها الجهة المسؤولة عن محتواها، فضلاً عن عضو في مجلس النواب العراقي، على علاقة قوية بوزارة الصحة».

ويرى مُراقبون أن تأخّر البرلمان العراقي بقعد جلسة التصويت على سحب الثقة يثبت تهمة تواطؤ الكتل النيابية مع “الخويلدي”، وهو أمرٌ يضع مجلس القضاء الأعلى العراقي أمام اختبار مهم، فعليه أن يدفع للإسراع باستدعاء “الخويلدي”، ومساءلته عن ملفات الفساد وهدر المال العام، التي قدمها النائبان “علاء الربيعي” و”محمد شياع السوداني” إلى القضاء وهيئة النزاهة البرلمانية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.