عقب تصاعد الأزمة الأوكرانية: هل سيؤثر الخلاف التركي-الروسي على توافقات البلدين الهشة في سوريا؟

عقب تصاعد الأزمة الأوكرانية: هل سيؤثر الخلاف التركي-الروسي على توافقات البلدين الهشة في سوريا؟

يصف كثير من المحللين سياسة #تركيا الخارجية بـ”إستراتيجية الاستفادة من التناقضات”، فهي الداعم الرئيسي للمعارضة السورية، وفي الوقت نفسه لديها علاقات عميقة مع #روسيا، الحليف القوي للحكومة السورية.

كما عملت تركيا على الاستفادة من التناقضات الروسية-الأميركية في سوريا، فقد استغلت وجودها في البلاد، وانخراطها في أزمتها، لتحصيل أكبر قدر من المصالح من الطرفين، فكلما أرادت الضغط على أميركا تقرّبت من روسيا، والعكس صحيح.

ومع بدء الانسحاب الأمريكي من المشهد السوري، وتفرّد #موسكو بقيادة دفة الأزمة، لجأت تركيا لسياسة الضغط على روسيا خارج الحدود السورية، ففي #ليبيا أرسلت مرتزقة سوريين، لمواجهة مرتزقة روس وسوريين آخرين، يقاتلون مع اللواء خليفة #حفتر، الذى تدعمه موسكو؛ وفي إقليم “كاراباخ” دعمت أذربيجان في مواجهة أرمينيا، حليفة روسيا.

الخلافات في الملفات الخارجية ما بين تركيا وروسيا لها دوماً تداعيات على الوضع السوري، فعندما تغضب موسكو من #أنقرة تقوم #القوات_النظامية السورية، بناء على أوامر روسية، بتصعيد عملياتها في محافظة #إدلب، التي تعتبر منطقة نفوذ تركي، فتردّ الميلشيات الموالية لأنقرة بالهجوم على معسكرات القوات النظامية، أو توجه طائرات مسيّرة نحو #قاعدة_حميميم الروسية.

الأيام الماضية شهدت بوادر أزمة جديدة بين تركيا وروسيا، بسبب اشتعال الوضع في #أوكرانيا، التي تعتبرها موسكو حديقتها الخلفية.

أوكرانيا، التي تسعي لاستعادة وحدة أراضيها، عن طريق مواجهة انفصاليين، تدعمهم روسيا، في جمهوريتي “دونيتسك” و”لوغانسك”، غير المعترف بهما، استعانت بتركيا، فقد استقبل الرئيس التركي رجب طيب #أردوغان نظيره الأوكراني “فلاديمير زيلينسكي” في أنقرة، مشدداً، خلال اللقاء، على «ضرورة الحفاظ على وحدة الأراضي الأوكرانية»، ولافتاً، في الوقت نفسه، إلى أن «التعاون العسكري بين تركيا وأوكرانيا ليس موجهاً ضد بلد ثالث»، وذلك في إشارة واضحة لروسيا، التي عززت قواتها على طول حدود منطقة “دونباس”، الخاضعة لها، محذّرة أوكرانيا من محاولة شن حرب على سكان المنطقة، المتحدثين بالروسية.

كما حذّر وزير الخارجية الروسي “سيرغي لافروف”، خلال زيارته للقاهرة، تركيا ودولاً أخرى، مما وصفه بـ«مغبة تشجيع النزعة العسكرية في أوكرانيا»، في إشارة إلى دعم أنقرة لكييف.

وتحدثت تقارير صحفية روسية عن قلق موسكو من توريد أنقرة أسلحة إلى كييف، والزيارة التي قام بها الرئيس الأوكراني للعاصمة التركية. وصرّح “سيرغي ريابكوف”، نائب وزير الخارجية الروسي، أن «تحليق الطائرات التركية المسيّرة، في سماء “دونباس”، شرقي أوكرانيا، لا يسعد الحكومة الروسية على الإطلاق»، ووصف تصدير الأسلحة والطائرات التركية المسيّرة إلى دول أخرى، بـ«الأمر الخطير».

التفاعل التركي القوى في الأزمة الأوكرانية، وما تبعه من قلق وترقب روسي، دفع بعض المراقبين للحديث عن بداية أزمة كبيرة في العلاقات التركية الروسية، ربما تهدد الشراكة بين الطرفين في أزمات المنطقة، وعلى رأسها #الأزمة_السورية.

 

سوريا هي الهدف

“أنس ماماش”، الباحث الأرميني المتخصص في الشؤون التركية، أشار إلى أن «روسيا شنّت مؤخراً عدة هجمات جوية على إدلب، استهدفت خلالها المواقع العسكرية التابعة للحكومة التركية داخل الأراضي السورية، كما تقوم بمنع وصول النفط المهرّب إلى تركيا، وهذا دفع أنقرة للرد بدعم حكومة كييف في أوكرانيا، ولكن الهدف الأساسي لتركيا ليس أوكرانيا، وإنما سوريا، وذلك من أجل الحصول على بعض التنازلات من موسكو، ودفعها للكف عن استهداف المصالح التركية داخل الحدود السورية».

ويستبعد الباحث الأرميني، في حديثه لموقع «الحل نت»، أن «تردّ موسكو بالتصعيد ضد تركيا في سوريا، فربما يحدث نوع من الحرب الكلامية بين الطرفين، ولكن في النهاية سيتم التوصل لاتفاق روسي تركي، وسيجلس الطرفان على طاولة الحوار، لترتيب مصالحهم في سوريا مرة أخرى».

 

خلاف مزمن

“د. عمرو الديب”، المحاضر في معهد العلاقات الدولية والتاريخ العالمي في جامعة “لوباتشيفسكي” الروسية، يؤكد أن «الخلافات بين روسيا وتركيا ليست بالأمر الجديد أو المستحدث، في ظل انخراط الطرفين الكبير في قضايا المنطقة».

وأوضح لـ«الحل نت» أن «تركيا، بحكم كونها عضواً في حلف #الناتو، تتبنى سياسة حلفائها الغربيين تجاه أزمة أوكرانيا وشبه جزيرة القرم، وهى بالطبع وجهة نظر مناوئة للسياسة الروسية».

ويتابع الأستاذ المتخصص في العلاقات الدولية والشؤون الروسية: «وإضافة لالتزام تركيا بسياسات الناتو فهي تتبنى موقفاً معارضاً لروسيا في أوكرانيا لدوافع قومية، فكثير من سكان شبه جزيرة القرم من عرقية التتار، التي تصنّفها أنقرة ضمن الشعوب التركية، المستحقة لحمايتها».

وحول احتمالية تصاعد الخلاف بين أنقرة وموسكو أكد “الديب” أن «الخلاف التركي الروسي موجود في القوقاز وليبيا وسوريا وأوكرانيا، ولكن الطرفين استطاعا دائماً تجاوزه، وإيجاد حلول وسط، خاصة أن روسيا لا تريد خسارة تركيا، بوصفها شريكاً في عديد من الملفات الإقليمية. قد يتصاعد التوتر بين البلدين، فهما تاريخياً في حالة عداء دائم، ووقعت بينهما كثير من الحروب، ولكن من المستبعد أن تندلع حرب جديدة في المدى المنظور، نظراً لتشابك العلاقات بين الطرفين، ووجود كثير من المصالح المشتركة».

 

تنازلات روسية

المحلل السياسي “حسين عمر” قال لـ«الحل نت» إن «روسيا سعت، منذ تطبيع العلاقات مع أنقرة بعد عام 2015، عقب أزمة إسقاط الأتراك لطائرة روسية، إلى جر تركيا بعيداً عن دعم الدول المناهضة لموسكو، مثل أوكرانيا، ولكنها لم تنجح، بل كان الموقف التركي واضحاً بدعم أوكرانيا في معركتها ضد موسكو، فقد أعلن أردوغان، أكثر من مرة، عدم اعتراف تركيا بضم القرم لروسيا. ولكنه أشار في الوقت ذاته إلى أن ذلك لن يؤثر على التعاون الروسي التركي، ولذلك لا أعتقد أن سوريا ستتأثر كثيراً بالأزمة الأوكرانية، فالطرفان متفقان على فصل المسألة السورية عن بقية القضايا الخلافية».

ولفت “عمر” إلى أن «هناك قناعة لدى الطرفين بالحفاظ على التوافقات الموجودة بينهما في سوريا، وتطويرها لتصبح أساساً لتأمين مصالح الدولتين في المنطقة».

ويختتم المحلل السياسي حديثه بالقول: «باعتقادي فإن أية مناهضة تركية لخطط موسكو في المناطق الخلافية سيدفع بالأخيرة لتقديم بعض التنازلات لأنقرة، فموسكو تدرك الدعم التي تتلقاه أنقرة من الغرب، بوصفها عضواً أساسياً في الناتو، ما أدى لترسيخ وجودها في القوقاز وأفريقيا والشرق الأوسط، وهو وجود لا تستطيع روسيا تجاهله، ولذلك لا مصلحة لها باستعداء تركيا».

 

قضية أمن قومي

الباحثة الأردنية “د.دانييلا القرعان”، المتخصصة في العلاقات الدولية، ترى أن «الأزمة الأوكرانية تضيف ساحة خلاف جديدة بين روسيا وتركيا، وذلك بعد خلافات الطرفين في سوريا وليبيا وأذربيجان».

وأوضحت، في حديثها لموقع «الحل نت»، أن «الطائرات المسيّرة التركية ألحقت، طوال عام 2020، هزائم كبيرة بحلفاء روسيا في سوريا وليبيا، ودمرت كميات كبيرة من المعدات الروسية الصنع، كما تكررت القصة في إقليم “كاراباخ”، أثناء الحرب بين أذربيجان، حليفة تركيا، وأرمينيا، حليفة موسكو، حيث استخدمت أنقرة قدراتها العسكرية المكتسبة حديثاً، لإقحام نفسها فيما تعتبره موسكو مجال نفوذها الحيوي».

رغم هذا تؤكد الباحثة الأردنية أن «تركيا تدرك أهمية أوكرانيا بالنسبة لموسكو، بوصفها قضية أمن قومي شديدة الحساسية، ولذلك فإن الموقف التركي في الأزمة الأوكرانية سيكون أكثر حذراً مما كان عليه في أزمات ليبيا و”كاراباخ”. فأنقرة أيضاً لا تريد خسارة الحليف الروسي، أو استفزازه بشكل مبالغ فيه، ما يجعل تأثير هذه الأزمة محدوداً نسبياً على الوضع في سوريا».

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة