بعد إيعاز الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، للحكومة الروسية بتحويل مدفوعات صادرات الغاز الروسي نحو أوروبا إلى الروبل بدلا من اليورو، أثيرت تساؤلات حول ما إذا كانت الحكومة السورية والتي تعتبر موسكو حليفها الأول، بالاتجاه نحو دفع وارداتها من روسيا بالروبل الروسي.

قرار خفض الروبل الروسي نسبيا

بعد أن شهد الروبل الروسي انخفاضا حادا أمام العملات الغربية وخاصة الدولار، حيث وصل إلى 175 روبل أمام الدولار الأميركي الواحد، أمر الرئيس الروسي حكومته بتحويل مدفوعات صادرات الغاز الروسي نحو أوروبا إلى الروبل بدلا من اليورو.

قرار بوتين، أدى إلى تراجع سعر صرف الدولار الأميركي، اليوم الخميس، دون مستوى 95 روبلا وذلك للمرة الأولى منذ الثالث من آذار/مارس الجاري. وساهم بذلك ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي في أوروبا خلال تعاملات اليوم بأكثر من 10 بالمئة. واقتربت أسعاره من مستوى 1250 دولارا لكل ألف متر مكعب بعد قرار بوتين.

وقال بوتين في اجتماع حكومي متلفز، “قررت تنفيذ … سلسلة من الإجراءات لتحويل المدفوعات – سنبدأ بذلك – لإمداداتنا من الغاز الطبيعي إلى ما يسمى بالدول غير الصديقة بالروبل الروسي”. مضيفا أنه كانت الثقة في الدولار واليورو قد “تعرضت للخطر” بسبب مصادرة الغرب للأصول الروسية.

يبدو أن المطلب الجديد يهدف إلى دعم العملة الروسية المتعثرة، الروبل، من خلال زيادة الطلب عليها. حيث ارتفعت قيمته مقابل الدولار واليورو بعد إعلان بوتين. وارتفعت أسعار الغاز الطبيعي في أوروبا، حيث زادت روسيا بنحو 45 بالمئة من وارداتها.

للقراءة أو الاستماع: دعم أميركي جديد لمواجهة الغزو الروسي لأوكرانيا

بوتين يتصيد الغرب

ومن جهته، قال مارسيل ساليكوف، رئيس معهد الطاقة والتمويل في موسكو، إن الخطوة ترقى إلى “عقوبة رمزية مضادة” تستهدف الغرب. وأشار إلى أن الكرملين قد أمر المصدرين بالفعل بتبادل 80٪ بالمئة من عائداتهم من العملات الأجنبية مقابل الروبل.

ويرى مراقبون، أن روسيا تلعب مقامرة عالية المخاطر، حيث إما أن الغرب سيتغاضى عن مطالب بوتين ويمتثل لها، أو أنه يتراجع ويخاطر برؤية المدى الذي سيمضي فيه بوتين في حجب إمدادات الغاز وربما قطع الأموال التي يحتاجها اقتصاده المحلي المتعثر.

القرار الذي اتخذه بوتين، تسبب في بلبلة لدى الشركات الروسية. فمع إحجام البنوك الكبرى عن التجارة في الأصول الروسية، لم يتمكن بعض كبار مشتري الغاز الروس في الاتحاد الأوروبي، من توضيح كيف يمكنهم دفع ثمن الغاز في المستقبل.

وقال مصدر رفيع في الحكومة البولندية، إن القرار سيشكل انتهاكا لقواعد الدفع المدرجة في العقود الحالية. مضيفا أن بولندا ليس لديها نية لتوقيع عقود جديدة مع شركة “غازبروم”، بعد انتهاء اتفاقها الحالي طويل الأجل في نهاية هذا العام.

وكان الرئيس الأميركي، جو بايدن، قد حظر في وقت سابق من هذا الشهر، واردات الطاقة الروسية إلى الولايات المتحدة، مع مهلة 45 يوما لإنهاء العقود الحالية. وأعلنت الدول الأوروبية عن خطط لتقليل الاعتماد على الطاقة الروسية. لكن في الوقت الحالي، يواصلون الشراء من شركات النفط والغاز الروسية، التي تسيطر الدولة على أكبرها.

ويشكل الغاز الروسي نحو 40 بالمئة من إجمالي الاستهلاك في أوروبا. كما تفاوتت واردات الاتحاد الأوروبي للغاز من روسيا بين 200 مليون، و800 مليون يورو يوميا حتى الآن هذا العام.

للقراءة أو الاستماع: ازدياد حالات الفقر وارتفاع حاد للأسعار في إيران

هل تنفصل روسيا عن سوريا؟

مع انخفاض قيمة الليرة السورية، والأزمة الاقتصادية في البلاد التي تسببها بها الغزو الروسي لأوكرانيا، يرى خبراء اقتصاديون أنه من غير المرجح أن تنفصل روسيا عن دورها في سوريا، حيث حذر ماجد الحمصي، وهو خبير اقتصادي سوري يعيش في السعودية، من أن الوضع قد يتفاقم في المستقبل القريب، إذا ما قررت دمشق التعامل بالروبل الروسي.

وأشار الحمصي، خلال حديثه لـ”الحل نت”، إلى أن بدء التدخل الروسي في سوريا شكل نقطة تحول في حظوظ الحكومة السورية. ومكنت موسكو أيضا من تعميق علاقاتها العسكرية والاقتصادية والثقافية معها. فخلال السنوات الـ 23 الماضية، زادت صادرات روسيا إلى سوريا بمعدل سنوي قدره 6.71 بالمئة. أي من 52.6 مليون دولار في عام 1996، إلى 234 مليون دولار في عام 2019.

وشكلت المنتجات الرئيسية المصدرة من روسيا إلى سوريا، طوابع البريد 87 مليون دولار، وزيوت البذور 34.1 مليون دولار، والأخشاب 17.9 مليون دولار.

فيما بلغت قيمة صادرات سوريا 5.02 مليون دولار إلى روسيا. وكانت المنتجات الرئيسية المصدرة من سوريا إلى روسيا هي الفاكهة منزوعة النوى 1.64 مليون دولار. والحمضيات 1.48 مليون دولار، والفواكه الأخرى 1.35 مليون دولار. وبحسب الحمصي، تراجعت صادرات سوريا إلى موسكو بمعدل سنوي قدره 2.96 بالمئة، من 10 ملايين دولار في عام 1996 إلى 5.02 مليون دولار في عام 2019.

وبحسب قاعدة بيانات “كومترايد” التابعة للأمم المتحدة بشأن التجارة الدولية، فقد بلغت الصادرات الروسية إلى سوريا 182.62 مليون دولار أميركي خلال عام 2021. وهنا يتوقع الحمصي، أن قرار التحول إلى الدفع بالروبل الروسي، سيضرب الليرة السورية. وستنخفض إلى مستويات قياسية، لأن الغرب سيعتمد عقوبات جديدة على سوريا.

الجدير ذكره، أنه في السنوات الأخيرة، وقعت دمشق وموسكو عدة اتفاقيات في مجالات الطاقة والبناء والزراعة. كما تعتمد الحكومة السورية على موسكو في الجزء الأكبر من وارداتها من القمح. فيما ستكون الأسابيع القليلة المقبلة حاسمة بالنسبة لسوريا وللبصمة الروسية داخل المؤسسات الحكومية في دمشق.

للقراءة أو الاستماع: “فاغنر” تحشد مقاتليها في أوكرانيا.. سوريا الفخ الكبير لموسكو؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة