“قضاة مؤمنون بالله”: هل يستبعد القانون العراقي بشكل غير مباشر أبناء الأقليات من المشاركة بالسلطة القضائية؟

“قضاة مؤمنون بالله”: هل يستبعد القانون العراقي بشكل غير مباشر أبناء الأقليات من المشاركة بالسلطة القضائية؟

تشترط المادة رقم (33) لسنة 1976، من قانون المعهد القضائي العراقي، أن يكون المرشح لنيل منصب قضائي بالبلاد «مؤمناً بالله». هذا النص، الذي يبدو غامض المعنى لكثيرين، يراه عدد من أبناء الأقليات العراقية، مثل الإيزيديين والبهائيين والصابئة المندائية، سبباً أساسياً يمنعهم من الوصول إلى المناصب القضائية في العراق، رغم أن #الدستور_العراقي أكد على تمتعهم بالمساواة الكاملة مع بقية المواطنين.

ويتصاعد الجدل حول هذه المادة القانونية بين بعض فقهاء القانون العراقيين، الذين لا يرون أنها موجهة ضد الأقليات الدينية، ومحامين من أبناء هذه الأقليات، يؤكدون أنها تؤسس لتمييز ممنهج ضدهم.

 

القانون لا يشترط ديناً معيّناً

القاضي المتقاعد “سالم روضان الموسوي” يؤكد أن «جميع القوانين، التي تنظّم عمل السلطة القضائية في العراق، لم يرد فيها نص يشترط في تعيين القاضي أن يكون منتمياً لديانة معيّنة».

“الموسوي” أوضح، في حديثه لـ«الحل نت»، أن «الشروط الواردة، في القوانين المتعلّقة بالقضاة، تطلب فقط أن يكون القاضي عراقياً بالولادة، ومتزوجاً، ومتخرّجاً من المعهد القضائي»، مشدداً على «عدم وجود أي مانع قانوني من تولي غير المسلمين مناصب قضائية، سواء كانوا من الصابئة أو الإيزيديين، فكل هذه الطوائف تؤمن بالله».

إلا أن القاضي المتقاعد يقرّ بنوع من التمييز بحق البهائيين، لأن «البهائية لم يُعترف بها، لغاية الآن، ضمن ملحق نظام رعاية الطوائف الدينية، بل أن النظام السابق اعتبر اعتناقها من الجرائم، التي يعاقب عليها القانون، بموجب قانون تحريم النشاط البهائي رقم (105) لسنة 1970».

ورغم هذا يعود “الموسوي” لتأكيد أن الإيمان الديني، أياً كان نمطه، أو حتى عدم الإيمان، لا يمكن أن يكون عائقاً قانونياً فعلياً أمام تولي المناصب القضائية: «ما دامت البهائية غير معترف بها ديناً رسمياً في العراق، فمازال معتنقوها يصنّفون بوصفهم مسلمين، وبالتالي يمكنهم التقدّم للمناصب القضائية. أما الإلحاد واللادينية، فهي ليست طوائف، بل مواقف فلسفية وفكرية من الحياة، لا تُسجل في البطاقات الشخصية والأوراق الرسمية، ولذلك يمكن حتى للملحدين أن يصبحوا قضاةً في العراق، بشرط ألا يجاهروا بمواقفهم الفكرية».

 

تطرف إسلامي وانغلاق أقلوي

لماذا إذاً لا يضمّ السلك القضائي أبناء الأقليات الدينية؟

يحمّل “الموسوي”، في إجابته على هذا السؤال، السلطات العراقية المسؤولية، بسبب «تأثرها بالفكر الإسلامي المتطرف، فاجتهدت لوحدها، متجاوزةً القانون، ووضعت العراقيل العملية أمام تولي غير المسلمين للمناصب القضائية».

العائق الآخر، بحسب القاضي المتقاعد، يتحمّل مسؤوليته أبناء الأقليات الدينية أنفسهم، نظراً لـ«انغلاقهم على ذاتهم، وابتعادهم عن الحياة العامة، ما جعلهم في عزلة دينية عن بقية العراقيين، مفضّلين أن يزاولوا مهناً لا علاقة لها بالفضاء العام، الذي يعني جميع العراقيين، ولذلك فلا اهتمام، لدى كثير منهم، بالسعي الجاد ليصبحوا قضاةً».

منوهاً إلى «وجود محاكم خاصة بكل طائفة من هذه الطوائف الدينية، لا تخضع للسلطة القضائية العامة، تدير الأحوال الشخصية لأبناء الأقليات، من زواج وطلاق وغيرها، ولهذا يتوجه المهتمون بالقضايا القانونية، من أفراد الطوائف الصغيرة، للعمل في تلك المحاكم، بدلاً من الانتساب إلى السلك القضائي العمومي».

 

تمييز ممنهج ضد الأقليات

المحامي الإيزيدي “هيمن فرج” يطرح وجهة نظر مخالفة، مؤكداً أن «خلو السلطة القضائية العراقية من أبناء الأقليات الدينية سياسة ممنهجة، وليست جديدة، فهي مستمرة منذ أيام النظام السابق».

ويتابع في حديثه لموقع «الحل نت»: «من الصحيح أنه لا يوجد أي نص قانوني واضح يمنع تولينا المناصب القضائية، ولكن السلطة القضائية تستغلّ بند “الإيمان بالله” لعرقلة وصولنا إلى السلك القضائي، وهذا إجحاف بحقوق الأقليات الدينية».

ويرد على رأي القاضي “سالم رضوان الموسوي”، حول عزوف أبناء الأقليات عن السعي للوصول إلى المناصب القضائية، بالقول: «ثمة رغبة كبيرة، لدى كثير من الإيزيديين، وغيرهم من الأقليات الدينية، لتولي المناصب القضائية العامة، فهذا يؤدي لتعزيز التعايش السلمي والعدالة الاجتماعية بين أفراد المجتمع العراقي».

مدلّلاً على طرحه بالقول: «هناك إيزيديون يعملون في الادعاء العراقي العام، وهذا يشير إلى اهتمام أبناء الأقلية بالعمل في السلك القضائي عموماً، إلا أن عدم وصولهم إلى مناصب القضاة دليل على تمييز ممنهج، وليس انعدام رغبتهم في تولي تلك المناصب، دعك من وجود قضاة، من الإيزيديين وغيرهم، في #إقليم_كردستان العراق، على خلاف وسط وجنوب البلاد، مما يدل على أن السبب الأساسي، لعزوفهم عن المشاركة بالقضاء العمومي في تلك المناطق، هو استبعادهم المتعمّد».

وحاول موقع «الحل نت» التواصل مع وزارة العدل العراقية، لمعرفة رأيها حول أسباب عدم وجود قضاة من الأقليات في المحاكم العراقية، إلا أنه لم يتلق أي رد.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.