موطن جديد للهجرة السورية: هل يقدم الصومال شرطاً حياتياً أفضل للأطباء السوريين رغم الإرهاب والفوضى الأمنية؟

موطن جديد للهجرة السورية: هل يقدم الصومال شرطاً حياتياً أفضل للأطباء السوريين رغم الإرهاب والفوضى الأمنية؟

نشرت نقابة الأطباء السوريين إحصائية أولية، تفيد أن عدد الأطباء السوريين، الذين هاجروا مؤخراً خارج البلاد، بلغ اثني عشر ألف طبيب، وعلى الرغم من أن ظاهرة هجرة الأطباء السوريين مستمرة منذ عقود طويلة، إلا أن الجديد هو بعض الوجهات التي يقصدونها حالياً، والتي لم تكن مألوفة فيما مضى، فقد أفادت مصادر لموقع «الحل نت» عن وجود نحو ألف طبيب وممرض سوري في #الصومال، بسبب العائد المادي المعقول، الذي يجنونه هناك، على الرغم من انعدام الأمان وظروف المعيشة القاسية، في البلد الإفريقي الذي عانى من الحرب الأهلية وانهيار الدولة.

قبل سنة وثمانية أشهر سافر طبيب النسائية “شوكت سلوم” إلى الصومال، ليعمل فيها براتب شهري تجاوز ألفي دولار، إضافة لميزات أخرى مثل السكن والحماية. وبحسب الناشط الإعلامي “عمرو العيسى” فإن «هذا الطبيب، الذي توفي منتصف آذار/مارس الماضي بجلطة قلبية، في غربته الطويلة بالصومال، فتح الطريق أمام هجرة عدد كبير من زملائه في محافظة #السويداء. لكن الأساس في هجرة الأطباء والكوادر الطبية إلى الصومال هو مكتب افتتحه طبيبان في محافظة #اللاذقية، لتأمين عقود عمل في البلد الإفريقي، وكانت هذه فرصة ذهبية للأطباء كي يحسّنوا أحوالهم المادية، وفي الوقت ذاته التخلّص من الأوضاع المتردية في بلادهم، مثل ظروف الحرب والخدمة الإلزامية».

 

ظروف عمل صعبة

أحد الأطباء المقيمين في الصومال، منحدر من محافظة السويداء، قال لموقع «الحل نت» إن «الوضع غير آمن تماماً في البلاد، بسبب عمليات الخطف والقتل، والتفجيرات المتكررة، التي تحدث في مناطق العاصمة “مقديشو”، ومدينة “بورتلاند”، حيث يعمل معظم الأطباء السوريين، بسبب كثرة عدد المشافي وارتفاع الكثافة السكانية في هاتين المدينتين، أما بقية المناطق، مثل مدينة “هرجيسيا”، فهي أكثر أماناً، ولكن الأجور فيها أقل».

وأشار الطبيب، الذي فضّل عدم ذكر اسمه، أن «غالبية السوريين لا يستطيعون التجوّل في البلاد دون مرافق صومالي، ورغم هذا يتقاضى الأطباء رواتب تتراوح بين ألف وخمسمئة دولار، مع نسبة ٥٪ من أرباح العيادات، للأطباء العامين وأطباء الأسنان، وثلاثة آلاف وخمسمئة دولار للأطباء المختصين بالجراحة العامة والعصبية، فضلاً عن نسبة ١٠٪ حوافز شهرية. أما بالنسبة لمصروف الفرد الواحد فيتراوح ما بين مئتين إلى ثلاثمئة دولار شهرياً، حسب المنطقة التي يعيش فيها».

ورغم هذا الدخل المادي المعقول إلا أن الطبيب السوري لا يبدو راضياً عن الأوضاع في غربته: «نحن نعيش ونعمل في ظل غياب أي ضمان لحقوقنا، بسبب عدم وجود أجهزة حكومية مؤثّرة في البلاد، فأغلب المناطق تحكمها قبائل وعشائر، أو حتى عصابات وتنظيمات متطرفة، مما يعرّضنا بشكل دائم للابتزاز من قبل المسؤولين عنا، من أصحاب المشافي والشركات، إضافةً لعدم وجود سفارة سورية ترعى مصالحنا، بشكل إداري على الأقل، فنضطر لإرسال وثائقنا وأوراقنا إلى #السودان، في حال احتجنا لإجراء أية معاملة، مثل تجديد جواز السفر، وهذا يشكّل عبئاً إضافياً علينا».

 

دوافع أخرى للهجرة

الدكتور “كمال عامر”، نقيب أطباء سورية، قال في تصريحات صحفية إن «كثيراً من الأطباء السوريين سافروا للعمل في الصومال، لأنّ الراتب هناك أفضل، فحاجتهم المادية دفعتهم لهذا الخيار الصعب، ونحن في النقابة لا نستطيع منع أحد من السفر، خاصة أن كثيراً من الأطباء يرفعون أجور معايناتهم الطبية هنا، كي يستطيعوا تحسين حياتهم، لكنهم يصطدمون بالقوانين وأوضاع الناس الصعبة».

لكن أحد الأطباء الجرّاحين في السويداء أكد لموقع «الحل نت» أنه «ليس بحاجة للمال، ووضعه المادي ممتاز، لكنه يفكر جدياً بالهجرة كل يوم، لأنه يشعر بالخوف من أن يتعرّض للخطف على يد عصابة ما، خاصةً بعد خطف الطبيب “عماد جبرائيل” في المحافظة، وتعرّضه للتعذيب، ما أدى لآثار سلبية على استقراره النفسي، بعد إطلاق سراحه».

 

نقص حاد في الكوادر الطبية في السويداء

“الدكتور نزار مهنا”، مدير صحة السويداء السابق، أكد في أكثر من مناسبة أن «القطاع الصحي في المحافظة مهدد بالإفراغ من كوادره». وأشار إلى أنه «خلال الأشهر الستة الماضية وصل عدد الأطباء المهاجرين من المحافظة إلى تسعة عشر طبيباً، إضافة إلى إصدار أكثر من مئة وثلاثة وأربعين جواز سفر جديد لأطباء من المحافظة، مع وجود ثلاثمئة وعشرة ممرضين يستعدون للسفر حالياً. كما وصل عدد الاستقالات في القطاع الطبي، خلال الأشهر الثلاثة الماضية، إلى مئة وأربع استقالات للكادر التمريضي، مع وجود حوالي مئة طلب لإنهاء الخدمة، والغالبية العظمى من المستقيلين يسعون للسفر إلى الصومال والعراق».

محذراً من «توقف الخدمة الطبية، جراء النقص الكبير في الكوادر الطبية، العاملة في المشافي العامة والهيئات الطبية»، ومطالباً بـ«اتخاذ إجراءات و قرارات سريعة، لدعم القطاع الصحي، وإلا فإن فالقادم أعظم»، حسب تعبيره.

 

التسوّل تحت رحمة العصابات

وعن أوضاع السوريين عموماً في الصومال يقول الممرض “حسان أبو محمود”، القادم حديثاً من هناك: «السوريون منتشرون في أماكن عديدة في الصومال، ويتدبّرون أمورهم بطرق مختلفة، ويوجد بينهم كثير من العاملين في مهن مختلفة، إضافة إلى حوالي ألف طبيب وممرض، أما المهن الهندسية والتجارية فهي شبه معدومة، بسبب غياب الأمن، الذي يعتبر عنصراً رئيساً لمثل هذه الأعمال».

وأشار “أبو محمود”، في حديثه لموقع «الحل نت»، إلى أن «عدداً غير قليل من العائلات السورية، التي دخلت الصومال بطرق غير شرعية، قادمة من #اليمن أو جنوب #السعودية، تمتهن التسوّل، بعد أن سُدّت طرق العيش أمامها، وخاصة في العاصمة “مقديشو”»، موضحاً أن «التعامل المالي في المناطق الصومالية، التي يتواجد فيها السوريون، تتم عن طريق الدفع الإلكتروني، فيقوم فرد من الأسر، التي تطلب المساعدة، بكتابة رقم هاتف خليوي على لوحة معلّقة على صدره، لكي يحوّل من يرغب بالتبرّع الأموال عن طريق حسابه البنكي، والمتسولون يتعرّضون غالباً للاستغلال من قبل عصابات المنطقة، التي تُؤمّن لهم حرية التجوّل في مناطق نفوذها، مقابل حصولها على نسبة مما يجنونه من أموال».

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.