“أسلمة كردستان”: رقص فتاة سورية في السليمانية يشعل الصراع الإسلامي- العلماني بين القوى السياسة الكردية

“أسلمة كردستان”: رقص فتاة سورية في السليمانية يشعل الصراع الإسلامي- العلماني بين القوى السياسة الكردية

عُرف عن المكوّن الكردي في العراق الانفتاح والابتعاد عن التطرّف، وخطى #إقليم_كردستان العراق، الذي يتمتّع بحكم شبه مستقل، خطواتٍ عديدة نحو الحكم المدني، واحترام الحريات الفردية والتنوّع الديني.

وتعيشُ في كردستان العراق عديد من الأديان والطوائف، منها المحظور وجودها في وسط وجنوب البلاد، مثل البهائية والزرداشتية، ويمارس معتنقوها حياتهم وطقوسهم الدينية بحرية تامة.

وربما كانت مدينة #السليمانية، التي تُعدُ العاصمة الثقافية لإقليم كردستان، النموذج الأساسي لانفتاح الإقليم، لكنّ السنوات الأخيرة شهدت بروز تنظيمات دينية وحركات إسلامية متطرفة في المدينة، أصبح تأثيرها واضحاً في صفوف الشباب.

ولم يعد خفياً الصراع بين التيارين الإسلامي والعلماني في الإقليم، في الوقت الذي باتت فيه أكثر دول المنطقة تتجه نحو الانفتاح على العالم الخارجي، ونبذ التطرف.

وفي هذا السياق شهدت مواقع التواصل الاجتماعي جدلاً كبيراً، في الأيام الماضية، نتيجة انتشار تسجيل مصور، يُظهر قيام فتاة سورية بأداء رقصة مع شاب عراقي، في شارع “سالم” وسط مدينة السليمانية، خلال شهر رمضان.

ورداً على الفيديو قام مجموعة من رجال الدين بإقامة صلاة جماعية في اليوم التالي، وفي المكان نفسه، الذي أدت فيه الفتاة رقصتها، معتبرين أن الرقصة إساءة لقدسية شهر رمضان.

منظمات مدنية عديدة اعتبرت رد الفعل هذا مقدمة لأسلمة مدينة السليمانية، وهو «أمر لا يمكن القبول به، بعد التضحيات الكبيرة التي بُذلت، من أجل أن تكون السليمانية واحة اجتماعية لجميع الأديان والطوائف والثقافات»، بحسب ما يؤكد أغلب الناشطين المدنيين.

 

تطورٌ خطيرٌ

“سالار تاوكوزي”، الباحث في شؤون الجماعات الدينية، قال إن «عملية أسلمة المجتمع الكردي لها تاريخ يمتد منذ ثمانينات القرن المنصرم، وهي نهج ثابت للأحزاب والحركات الإسلامية».

مبيناً، في حديثه لموقع «الحل نت»، أن «الإسلام السياسي، المتمثل بـ”الحركة الإسلامية الكردية”، و”أنصار الإسلام”، و”الاتحاد الإسلامي الكردستاني”، و”الجماعة الإسلامية”، و”حركة النهضة” وغيرها، يحاول منذ سنوات تحويل المجتمع الكردي إلى مجتمع محافظ ومتشدد».

وأضاف أن «الإسلام السياسي الكردي يحاول فرض تطبيق برامجه المستوردة من الخارج على المجتمع الكردستاني المسلم المسالم، وما حدث في السليمانية مؤخراً دليل علی أن مجتمعنا الحالي بدأ يكتسب صبغة إسلامية إخوانية وسلفية، وهذا مؤسف جداً».

موضحاً أن «سبب هذا التحول الإجتماعي الخطير راجع إلى أن الأحزاب الحاكمة في الإقليم تركت المجتمع للإسلاميين، لانشغالها بالتجارة وجني الأموال وتصدير النفط، فلم يكن لديها أي برنامج للإصلاح الاجتماعي، ومحاربة الأفكار الدينية المتطرفة».

واختتم حديثه بالقول: «طالبنا، بوصفنا باحثين مهتمين بالجماعات الدينية، حكومة إقليم كردستان مراراً، وفي مناسبات عدة، بالانتباه  لظاهرة تصاعد وتيرة التشدد الديني، لكنها لم تول الموضوع أي اهتمام ملحوظ، وإذا استمر هذا الإهمال فربما نشهد مظاهر أكثر تطرفاً، مثل التي كانت تسود في #أفغانستان، في عهد حكم حركة طالبان».

 

استهداف للنساء

“آلا كمال”، الناشطة الكردية في مجال الدفاع عن حقوق المرأة، أشارت إلى أن «ما جرى في السليمانية، من احتجاجات ومصادرة للحريات، يعدّ سابقة خطيرة، حذّرنا منها مرات عديدة».

وتضيف في حديثها لموقع «الحل نت»: «تحاول القوى الإسلامية، عبر منابرها الدينية، النيل من النساء، والطعن بهن وبتصرفاتهن، فتصبح أية خطوة طبيعية يقمن بها، مثل التعبير عن الذات بالرقص، محلاً للتجريم والإدانة».

وبيّنت أن «الحركات الإسلامية تحاول استغلال عواطف ومشاعر المواطنين، وبث إشاعات، مفادها أن المنظمات والتيارات المدنية تستهدف الإسلام، وتحاول النيل منه، ولكن هذه أكاذيب، فنحن لاننتقص من الأديان ولا الطوائف، ومانريده هو احترام جميع الطقوس والحريات، سواءً كانت دينية أم مدنية، فحرية الفرد في التعبير عن نفسه لا تعني الانتقاص من طقوس الآخرين».

وترى الناشطة النسوية أن «حكومة إقليم كردستان مقصّرة تماماً، ولم يصدر منها أي تعليق على ما يجري، من مصادرة لحريات المواطنين، على الرغم من أن الإقليم أصبح وجهةً لعديد من الناشطين والإعلاميين والمنظمات الدولية، وصعود المتطرفين سيضرّ به كثيراً».

مؤكدةً أن «ماجرى في السليمانية، والتهويل، الذي قوبل به مجرد فيديو، يُظهر فتاة تقوم بالرقص، محاولة لنيل مكاسب انتخابية من طرف الأحزاب الإسلامية، التي لها صلات بدول خارجية، ومنها #تركيا، وتريد فرض رأيها على المواطنين بالإكراه».

وتوجد في إقليم كردستان مجموعة من الأحزاب والتيارات الإسلامية، لعل أبرزها “الاتحاد الإسلامي الكردستاني”، المرتبط بالتنظيم الدولي للإخوان المسلمين، والذي يتمتّع بعلاقة وطيدة مع تركيا، كما تعدّ “الجماعة الإسلامية”، التي غيّرت اسمها إلى “حركة العدل الكردستاني” مؤخراً، واحدة من التنظيمات، التي لها نفوذ واسع في السليمانية وأربيل وحلبجة، فضلاً عن التيار السلفي، الذي يتزعّمه “عبد اللطيف أحمد”، الذي بات يمتلك شعبية كبيرة في صفوف الشباب الكردي.

 

الشارع ليس للرقص أو الصلاة

الصحفي الكردي “هاميار علي” يحاول تقديم وجهة نظر مختلفة بعض الشيء، بالقول: «كل فرد حرٌ في تصرفاته وأفعاله، لكنّ الشارع هو مكانٌ عام، مخصص للمارة، وليس للرقص أو الصلاة».

لافتاً، في حديثه لموقع «الحل نت»، إلى أن «الرقص في الشارع أثار حفيظة المواطنين، وذلك بسبب تزامنه مع شهر رمضان، ولكن في الوقت نفسه ردة الفعل كانت خاطئة ومبالغاً فيها».

وأشار إلى أن «للصلاة مكاناً محدداً ونظيفاً، هو المساجد المنتشرة في عموم السليمانية وإقليم كردستان، وليس في الشارع العام، الذي هو ملك للمارة، كما أن الرقص والأغاني لهما مكانهما».

واختتم حديثه بالقول: «ماتزال السليمانية  تحافظ على مكتسباتها العديدة، من احترام الحريات العامة والمدنية، ولن تؤثّر هذه الحوادث البسيطة على طبيعتها المتسامحة».

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.