الاعتراف الأميركي بالإبادة الأرمنية: خطوة رمزية أم محاولة لتحجيم النفوذ التركي في المنطقة؟

الاعتراف الأميركي بالإبادة الأرمنية: خطوة رمزية أم محاولة لتحجيم النفوذ التركي في المنطقة؟

تشهد العلاقات الأميركية التركية حالة من الجمود، لاسيما بعد وصول #جو_بايدن إلى سدة الرئاسة في #واشنطن، ولا بوادر تشير إلى تحسّن العلاقات في المدى المنظور، وذلك لوجود عدد من الملفات الخلافية بين الدولتين، من شأنها أن تزيد التباعد بينهما أكثر.

ولعل اعتراف الرئيس الأمريكي جو بايدن بالإبادة الأرمنية، في الرابع والعشرين من نيسان/أبريل الماضي، المصادف لمرور مئة وست وسنوات على الإبادة، شكّل محطة حرجة في تاريخ العلاقة التركية الأميركية، التي لا تتميز أصلاً بالمتانة والاستقرار، وذلك لرفض النظام السياسي في #تركيا الاعتراف بحصول إبادة للأرمن، واعتبار ما جرى مطلع القرن الماضي مجرد فصل من فصول حرب أهلية دارت في تركيا.

فماذا يعني اعتراف الولايات المتحدة الأميركية بالإبادة الأرمنية؟ وما دوافع هذا الاعتراف؟ وكيف سيؤثر على العلاقة بين البلدين والدور التركي في المنطقة؟

موقع «الحل نت» التقى عدداً من الباحثين الأكاديميين والمحللين السياسيين، المتابعين لمسار العلاقة الأميركية التركية، للإجابة على هذه الأسئلة.

 

ما دوافع اعتراف بايدن بالإبادة الأرمنية؟

“د.هدى رزق”، الباحثة في علم الاجتماع السياسي، والمختصة بالشأن التركي، أكدت لموقع «الحل نت» أن «الدافع الأساسي للاعتراف بالإبادة الأرمنية هو رغبة بايدن بتنفيذ وعوده وتعهداته، فقد كان الاعتراف من شعارات حملته الانتخابية، نظراً للعلاقات التي تربطه باللوبي الأرمني، القوي في الولايات المتحدة».

إلا أن دوافع الاعتراف بالإبادة لا تقتصر على الحسابات السياسية الداخلية، بل لها علاقة قوية بالسياسات الأميركية في الشرق الأوسط، «بايدن أرسل رسالة قوية للنظام التركي، بأنه لم يعد هناك مجال للمساومة في القضايا التي تربط الولايات المتحدة الأمريكية مع تركيا، والإدارة الأميركية ترغب بوضع حد للسياسات، التي ينتهجها الرئيس التركي رجب طيب #أردوغان في المنطقة»، بحسب “رزق”.

بالمقابل يدلي “د. سمير صالحة”، أستاذ العلاقات الدولية والقانون الدولي العام في جامعة “كوجالي” التركية، برأي آخر لموقع «الحل نت»، مؤكداً أن «اعتراف إدارة بايدن بالإبادة هو نتيجة لرغبتها في استغلال هذا الملف، والتعاون مع جماعات الضغط الأرمنية، القوية والمؤثرة في عدة دول، ومحاولة التحكّم بها، واستغلالها لتحقيق المصالح الأميركية السياسية والاقتصادية والانتخابية».

واستطرد بالقول: «واشنطن، وعواصم غربية أخرى، تسعى لتصفية حساباتها مع تركيا، عبر تحريك الملف الأرمني، من خلال إرسال رسائل تضامن، وإعلان مواقف سياسية، مؤيدة للدولة الأرمينية، والأقليات الأرمنية المنتشرة في #لبنان وسوريا. وبايدن يريد تحويل الورقة الأرمنية إلى عصا، يلوّح بها في وجه تركيا عند اللزوم، للانتقام منها، بعد انفتاحها الزائد على #روسيا، حسب وجهة النظر الأميركية».


ما تأثيرات الاعتراف على العلاقة التركية الأميركية؟

“هاكوب مقدسيان”، الأكاديمي والمحاضر في “جمعية الإدارة العامة” في أرمينيا، يجيب على هذا السؤال بالقول: «لا اعتقد أنه سيكون هناك آثار سلبية، تترتب عن اعتراف جو بايدن بالإبادة، وتترك تأثيرات كبيرة على العلاقة التي تربط بين البلدين. قد تمرّ العلاقة بين #أنقرة وواشنطن، بعد هذا الاعتراف، بمراحل صعبة وحساسة، لكن هناك أكثر من ست وعشرين دولة معترفة بالإبادة، وهذه الدول تربطها حتى الآن مع تركيا علاقات اقتصادية وجيوسياسية قوية».

ومن جانبه يقول “د سمير صالحة”: «على الرغم من تأكيد أكثر من مسؤول في الإدارة الأميركية الجديدة على أن تركيا تُعتبر حليفاً استراتيجياً للولايات المتحدة، والإشارة المتكررة إلى أهمية دورها في حلف #الناتو، إلا أن هذا لا يغطي حقيقة توتر العلاقات التركية الأميركية، وهو توتر قد يتحوّل، بعد الاعتراف بالإبادة، إلى مواجهة علنية مباشرة، تطيح بكثير من المعادلات والتوازنات في المنطقة، فأنقرة ستردّ حتماً على القرار الأميركي، لأن الأتراك يعتبرون الاعتراف بالإبادة خطاً أحمرَ في علاقاتهم مع بقية الدول».

“د هدى رزق” ترى أن «المرحلة القادمة قد تشهد بداية لمتغيرات في العلاقة بين واشنطن وأنقرة، حسب الرؤية السياسية الأميركية الجديدة للقضايا الخلافية بين البلدين، ورغبتها بحسمها بشكل نهائي. ولا أعتقد أن هنالك إمكانية لتهدئة التوتر الناجم عن تصرفات النظام التركي».

هل سيؤثر الاعتراف على الدور التركي في المنطقة؟

«إن خطوة بايدن بالاعتراف بالإبادة الأرمنية ستكون لها أبعاد استثنائية، لكنها لن تتعدى الأطر السياسية، وعليه ستظهر مواقف جريئة من الطرفين على مستوى الخطاب السياسي فحسب، فواشنطن سوف تضغط سياسياً على أنقرة، لكنها لن تسعى إلى ما هو أكثر من الضغط؛ وتركيا ستبدي مواقف مقاومة للضغوطات التي ستمارس عليها»، بحسب “هاكوب مقدسيان”.

“د.سمير صالحة” يؤكد بدوره أن «تركيا تملك مفاتيح الحل لكثير من القضايا الخلافية بالمنطقة، وتمتلك علاقات قوية ومصالح مشتركة مع الولايات المتحدة، أهم من كل نقاط الخلاف، وكل هذا سيؤدي إلى جعل تأثيرات الاعتراف الأميركي محدودة على السياسة التركية».

لكنّ “د. هدى رزق” تؤكد أن «الاعتراف بالإبادة سيكون بداية لتحجيم الدور التركي في المنطقة، فبايدن يسعى لحصر أردوغان في زاوية ضيّقة، وكبح جموحه، بعدما أدت تدخلاته السافرة إلى مزيد من الفوضى وعدم الاستقرار في الشرق الأوسط».

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة