تصطدم مطالبات المرأة بحقوقها بالكثير من المعوقات، بعضها ديني وأخلاقي اجتماعي والبعض الآخر قانوني، ويبرز موقف الرجال من قضية المرأة ورؤيتهم لمطالباتها وحقوقها كأهم هذه العوائق التي إن اختفت تساعد على صنع تغييرات فردية قد تمتد وتتوسع لتصبح جماعية، كيف يفهم الرجال قضية المرأة وما رأيهم بالحركة النسوية في سوريا؟

«النساء يطالبن بحقوقهنَّ نعم ولكنَّ تصرفاتهنَّ تبين عكس ذلك، في معظم المواقف الاجتماعية التي أواجهها مع نساء أَراهنَّ غير راغبات بالمساواة في دواخلهن، فتسعى النساء دائماً للتعامل معنا كرجال ضمن أدوار محددة علينا القيام بها وإن لم نفعل يغضبن على الرغم من مطالباتهنَّ بالمساواة في كل شيء».

يتحدث “حسين سالم” (اسم مستعار) عن رؤيته لقضية المرأة وحقوقها، وهو طالب في كلية الحقوق يصف من مشاهداته لسلوكيات النساء رفضهنَّ داخلياً للمساواة حين تصبح واقعاً، ويتابع لـ(الحل نت): «ربما تفصيل صغير قد يوضح ذلك، فمثلاً إن وقفت لفتاة في باص النقل الداخلي كي تجلس لا ترفض ذلك ويبقين يرمقنك بالنظرات إن لم تفعل، و العكس لا يحدث أبداً، كيف ذلك وهنَّ يطالبن بالمساواة؟».

هناك علاقة متبادلة بين المجتمع والمرأة، فسلوكيات المرأة هي انعكاس لتركيبة المجتمع الذي تعيش فيه والأفكار الرائجة والمعتقدات، وهذه التركيبة التي خَلقت هذه السلوكيات هي مقياس لحضورها في المجتمع وتقييمه لها، لا يمكن للنساء وحدهنَّ القيام بالتغيير، فالرجل شريك ضروري بذلك خاصةً وأنه يحمل تبعية الاضطهاد الذي تعرضت له النساء عبر سنين طوال، غالباً ما يذهب الرجال بأفكارهم إلى تفاصيل صغيرة زرعوها بأنفسهم في عقول النساء وسلوكياتهنَّ ويقومون بالمحاكمة على هذا الأساس، ويتجاهلون جميع الجوانب الجوهرية الأخرى التي تتأذى آلاف النساء على أثرها، تأتي تلك المحاكمات بناءً على الأفعال المرئية مجتمعياً متجاهلين كل ما هو غير مرئي من اضطهاد وعنف مبطن يواجه النساء.

الرجال والنساء والتمييز

«أرى بأن النسوية تروج للمرأة وكأنها ظاهرة وليست من أساس المجتمع، هناك انعدام للمنطقية في الأفكار التي تطرحها النسوية، فالمرأة نصف المجتمع وكذلك الرجل، كما أنني أنا أشعر دائماً أن النساء تتحدثن على أنهنَّ ذلك النصف ويتجاهلن النصف الآخر كلياً لماذا علي أن أهتم بنصف واحد ولا أرى مشاكل الآخر».

لا يجد الرجال في الحركة النسوية عقلانية، فبنظرهم جميع مطالبات المرأة ترتكز على الرغبة بالحصول على الأشياء والحقوق دون النظر لحقوق الجنس الآخر حسب “سمير محمد” (اسم مستعار) وهو في الثانية والثلاثين من العمر، موظف في مديرية النقل في ريف دمشق، ويضيف لـ(الحل نت): «أنا لست مسؤولاً عن الاضطهاد الذي وقع على النساء عبر الزمن، نحن جيل الشباب الحالي لم نفعل ذلك، وإن كنا تربينا على بعض المفاهيم الخاطئة فذلك ليس ذنبنا، ولكننا مع النساء نشعر دائماً بأننا متهمون، وهناك عادات وسلوكيات لا يمكننا تغييرها بسهولة الأمر يتطلب وقتاً».

يرجع تاريخ التمييز الذي تتعرض له النساء حسب الفيلسوف “فريدريك إنجلز” لفترة العصر الحجري أو ما بعدها بقليل عندما تحول النظام من المشاع القديم إلى الملكية الفردية، فبسبب تقسيم العمل بين خارج وداخل المنزل وتخصص النساء بأدوار ثانوية بدأ الرجل بالتعامل مع المرأة كإحدى ممتلكاته، يستطيع التحكم بها وفرض سلطته عليها نظراً لقوته في الخارج، عصور طويلة مضت وهذا الإحساس بالملكية يترسخ عميقاً لدى الرجال، وأية فكرة أو مواجهة لسلبهم هذا الإحساس تواجه بالرفض اللاشعوري من قبلهم، مع استهجان ومقاومة فهم يعتبرونه جزءاً من طبيعة هذا العالم، المرأة بمنظور الرجال نصف ولكنها النصف الذي عليهم السيطرة عليه والتحكم بمسيرته، وإن حدث وتحرك هذا النصف لمواجهتهم يختل شعورهم بالقوة والثبات، و تتزعزع صورة الأنا الخاصة بهم والتي تعتبر المرأة جزء منها ومن سيطرتها على العالم وليست كياناً منفصلاً له قراراته وعالمه.

تسلسل السلطات وتأثيره

«أنتنَّ غالباً ما تتكلمنَ عن اضطهاد الرجل لكن لم أرى يوماً ولو التفاتاً سريعاً للاضطهاد الذي يتعرض له الرجل يومياً في هذا العالم، نحن نُضطهد في حياتنا الاجتماعية والسياسية والمهنية، هذا لا يبرر اضطهادنا للمرأة لكن تلك هي طبيعة العالم الذي نعيشه، سلسلة متصلة من الاضطهاد نمارسه بتراتبية حسب موازين القوى، لن يتغير ذلك بسهولة بل يحتاج إلى تركيبة اجتماعية وسياسية مختلفة بشكل كامل».

يجيب “رامز عبود” (اسم مستعار) وهو مختص بهندسة الصوت عن سؤال الاضطهاد بتبرير أفعال الرجال وشرعنتها ضمن الحالة الاجتماعية والسياسية التي يعيشونها، فالاضطهاد السياسي والاقتصادي الذي يمارَس على الرجال يخلقون له متنفساً باضطهادهم للحلقات الأكثر ضعفاً منهم وهم هنا “النساء” حسب رأيه. يبدو وكأن الرجال لا يستطيعون السيطرة على ذلك التوق للقوة لديهم والذي يظهر تجاه أي موضوع يشعرون بالتفوق عليه، يعزز هذا بالتأكيد الخضوع الموجود لدى بعض النساء، فلدى كل إنسان رغبة فطرية بالحرية تقابلها رغبة في الخضوع لسلطة أو محرك خارجي، تلك الرغبة بقيت وحيدة لدى النساء بعد أن تظافرت جهود دينية واجتماعية وسياسية خلقها الرجل وقاموا بتغذيتها وكبت أية رغبة في الحرية لديها، ويحاول الرجل اليوم استخدام هذا الخضوع الذي عمل على تلقينه لها وغرسه في تفاصيل حياته ضدها كسبب ذاتي لديها يمنعها من التحرر معتبراً أن لا بد له في ذلك.

البيولوجيا ودورها في المساواة

يستلزم استمرار النوع البشري دوراً أكبر للمرأة، فهي ونظراً لطبيعتها البيولوجية تضطر لأن تكون حاملة لبذرة الحياة وملزمة بالاعتناء بها في فترة من حياتها، يعتبر هذا أحد المعوقات الطبيعية أمام تحقيق المرأة لذاتها، فتم استخدام هذه المقدرة الطبيعية على التناسل لديها لمواجهة الأخطار المحدقة بالجماعات، ليمارس عليها نوع من الاستغلال لصالح الجماعة التي تنتمي إليها وهنا أصبحت المرأة تعيش نقيضين فهي مصدر قوة وخلق وفي ذات الوقت مصدر قوتها هذا هو سبب استضعافها وإخضاعها لقوانين الرجل وحاجاته، حتى عصرنا الحالي ما زال الرجل يعتبر بيولوجية المرأة سبباً للسيطرة والتمييز بحقها، فجنسها محكوم بعمل محدد وهو التكاثر فيما تسقط عنه جميع الصفات الإنسانية الأخرى من رغبات وقدرات تمتلكها ويمكنها تطويرها، يذهب معظم الرجال للقول بسخرية لاذعة بأنهم لا يستطيعون القيام بفعل الحمل والأمومة لتشعر هي بالمساواة، وهكذا بقيت المرأة وسيلة لنقل المورثات وتناسخها و حرمت بذلك من جميع المهام الأخرى التي يمكنها القيام بها، فهذا هو مكانها الطبيعي وأي فعل تقوم به خارج ذلك هو فقط لمساعدة الرجل ودعمه في حياتهما المشتركة.

تحتاج قضية المرأة إلى فهم من الرجال كما النساء، فلا يمكن للنساء وحدهنَّ المحاربة وتحصيل الحقوق دون مشاركة من الرجل والنظر لمطالبهنَّ بموضوعية، انعدام هذا الفهم من قِبل الرجال ورفضهم لمساعي المرأة يُنتج نساءً متعصبات للنسوية بشكلٍ مؤكد، فحل أي قضية يحتاج لفهم متساوٍ من جميع الأطراف دون الإيمان بالحيازة على اليقين المطلق والحقيقة، هناك نوع بشري يتعرض للاضطهاد يومياً، لا يمكن للرجال أن يغفلوا عن ذلك.


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.