بين عامي (1173 – 1176) ألّف القاضي والفيلسوف والطبيب “ابن رشد” كتاب «تلخيص السياسة لأفلاطون» أو «جوامع سياسة أفلاطون»، الذي لخص فيه كتاب الجمهورية لأفلاطون، مضيفاً آراؤه ووجهة نظره في المدينة الفاضلة التي ينشدها، موافقاً تارةً على آراء أفلاطون ومغرداً في مرات أخرى بعيداً عن الفيلسوف الإثيني، شارحاً رأيه ورؤيته للمدينة التي يرأسها الحاكم الفيلسوف والتي تحصل فيها النساء على حقوقهن، ويكن في درجة مساوية للرجال، نعم قبل 12 قرن تكلم “ابن رشد” عما يجب أن تكونه المرأة وشرح الحقوق التي لازلنا إلى اليوم نكافح من أجل تحقيقها.

المرأة كالنبات المهمل والمنسي

ينفي الفيلسوف الطبيب في كتابه، صحة رأي فلاسفة اليونان الذين وصفوا المرأة بأنها وعاء مهمته الإنجاب، مشيراً إلى أن المرأة في المدن الفقيرة حالها كحال النبات الذي يؤخذ ثمره “الأطفال” ويترك مهملاً دون أن يلقى العناية والرعاية اللازمة لينمو أكثر.

ويتابع مؤكداً على تمتع النساء بقدرات تمكنهن من ممارسة مهام غير الإنجاب: «في مدننا قدرات المرأة ليست واضحة لأن النساء غالباً ما يؤخذن للإنجاب، ولهذا فإنهن يوضعن في خدمة أزواجهن وماعليهن إلا الإنجاب والرضاعة والعناية بالوليد، و هذا الأمر يعطل أفعالهن وقدراتهن الأخرى، فيعتقد العيان أن النساء في مدننا لا يصلحن لفضيلة أخرى غير الإنجاب، رغم أن المرأة تصلح للحكم ولإدارة شؤون الدولة في السلم والحرب وتتمتع بالحكمة وقادرة على تحقيق العدالة».

وينوه الفيلسوف إلى  أهمية الدور الاقتصادي للنساء الذي يجب تفعيله من خلال تمكين النساء، وإلى ضرورة تمتع المرأة باستقلالها المادي، رابطاً بين تردي أوضاع النساء وفقر المدن: «كون النساء عالة على الرجال فإن ذلك يجعل المدن فقيرة، لأن نساء هذه المدن يوجدن بأكثر من الرجل بضعفين»، فإلى جانب الحياكة والنسيج يرى “ابن رشد” أن المرأة تستطيع أن تمارس أي مهنة يمارسها الرجل حتى تتمكن من سد حاجاتها دون معونة من الرجل.

يقول “ابن رشد” إن: «الإناث يجب أن يشاركن الرجال في الحرب والقتال وما شابه ذلك، يجب أن يتعلمن مع الرجال الموسيقى والرياضة (..) يجب أن يأخذن مكانتهن بين أهل المدينة مثلهن مثل الرجل ويجب أن يقفن بمثل ما للرجل من درجة».

اتهامه بالزندقة ونفيه!

ليس من المستغرب أن يُعتبر كتاب «تلخيص السياسة لأفلاطون» أحد أسباب نكبة قاضي القضاة، إذ عده الكتاب والمهتمين بمسيرة حياة “ابن رشد” على علاقة مباشرة بنكبة الطبيب الفيلسوف، عندما صب  الخليفة “يعقوب المنصور الموحدي” غضبه على “ابن رشد” ونُفيَّ بعد أن اُتهم بالزندقة وحُرقت كتبه وتحاسب كل من كان يحتفظ بأي من مؤلفاته.

وعن سبب اعتبار هذا الكتاب أحد أسباب نكبة “ابن رشد”، يقول أستاذ الفلسفة الدكتور “حسين مجيد العبيدي”:  «وصف “ابن رشد” في كتابه نظام الحكم في الأندلس، بأنه استبدادي قائم على الجاه والشرف والجمع بين الثروة والمجد»، موضحاً أنه «نظام سياسي مضاد للمدينة الفاضلة، بالإضافة إلى ذلك تحدى القاضي الفيلسوف المجتمع وقارن بين واقع المرأة في زمانه وما يجب أن تكون عليه النساء في المدينة الفاضلة»، مضيفاً أن «المرأة لا تختلف عن الرجل وقادرة على القيام بمهامه كاملة، الأمر الذي رأه الفقهاء أمراً مخالفاً للشرع».

وبذلك يكون “ابن رشد” أول فيلسوف يدعوا إلى المساواة الجندرية متحدياً آراء الفقهاء الذين يرون أن المرأة أقل مرتبة من الرجل، والفلاسفة اليونانيين الذين يرونها أداة للإنجاب ورجل غير مكتمل، رافضاً أن تكون هناك حتمية بيولوجية تجعل المرأة أقل ذكاء وحكمة من الرجل.

بقي صوت “ابن رشد” وغيره من فلاسفة الحضارة العربية العقلانيين مكتوماً في العالم العربي الذي تعالت فيه الأصوات الذكورية، في حين سُمع لصوته التنويري صدى في أوروبا حيث قُدرت أفكاره وفلسفته.


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.