كان لتدخُّلِ #إيران بشكلٍ مباشر في الحرب السورية إلى جانب #دمشق، الدور الأكبر لتنفيذ مشروعها التوسعي على الجبهات الشرقية لسوريا، وتحديداً في دير الزور على الحدود مع #العراق، وتعزيز سلطتها العسكرية في العديد من المجالات الرئيسة.

فأولاً، نجحت بتأمين الطرق البرية على طول الحدود السورية العراقية التي تربط إيران بالبحر المتوسط عبر العراق وسوريا ولبنان.

وثانياً، على الطرق الرئيسة التي تربط محافظة #دير_الزور بمحافظتي #حمص و#الرقة، وثالثاً، في أهم مدن وبلدات المحافظة، بما في ذلك دير الزور المدينة، وإن كان بحذر بسبب الوجود الروسي هناك منذ عام 2018.

تحقيق الحلم القديم

كشف تقريرٌ لـموقع (Atlantic Council) أن أبرز هدف حققته إيران في دير الزور، هو سيطرتها على مدينة #البوكمال ومعبرها الحدودي مع العراق، ما مكّنها من تحقيق حلمها منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية عام 1979، وهو فتح ممرٍّ بري إلى #البحر_المتوسط ولبنان عبر سوريا والعراق.

وهو ما كانت تخشاه الدول العربية وإسرائيل لسنواتٍ عديدة، والخوف من أن تشدد إيران سيطرتها على الطرق البرية الممتدة من العراق إلى البحر المتوسط، والسيطرة على عقدة نقل بري مهمة، كذلك خشية المجتمع الدولي من نفوذ إيران في البوكمال، خوفاً من أن تصبح المدينة جسراً إيرانياً في البلاد.

البحث عن تعزيزٍ أكبر للنفوذ

بعد التركيز على توسيع نفوذها الأمني ​​والعسكري عبر محافظة دير الزور، بدأت إيران بتعزيز سلطتها خارج تلك المجالات، بذريعة تخليص المجتمع المنهك من سيطرة تنظيم #داعش والحرب التي دمرت معظم اقتصاد المحافظة وبنيتها التحتية والمؤسسات الاجتماعية فيها.

لذلك حاولت تحقيق هذا النوع الجديد من النفوذ من خلال تقديم خدمات – غالباً ما تكون غير كافية – للمجتمع، وهو تكتيك اتبعته إيران سابقاً في سوريا، مع التركيز على الكمية وليس الجودة، خاصة في مجال الخدمات والاستثمارات الاقتصادية.

اتسمت الفترة التي أعقبت السيطرة على البوكمال عام 2018، برغبة إيران في ترسيخ سيطرتها العسكرية والأمنية على مناطق نفوذها، مع عدم الرغبة في تكرار الأخطاء التي ارتُكبت في مدينة #حلب، حيث أدى استمرار الخلاف بين الميليشيات الأجنبية والمحلية إلى تقويض سلطة #الحرس_الثوري الإيراني.

خطة التوسّع الإيرانية

سعت طهران إلى توزيع المهام بين ميليشياتها على الأرض، لضمان الحفاظ على المكاسب واستمرار النفوذ الإيراني. وفيما يلي تفصيل للميليشيات الإيرانية في محافظة دير الزور:

الحرس الثوري الإيراني: نشرت #طهران آلاف المقاتلين والمستشارين العسكريين في سوريا، لكنها تعترف فقط بالمستشارين الذين يساعدون القوات الحكومية.

الميليشيات الشيعية العراقية: وهي مجموعات عراقية تقاتل إلى جانب قوات #بشار_الأسد بطلب من إيران، وانتشرت بشكل أساسي على الشريط الحدودي بين العراق وسوريا منذ انتهاء العمليات ضد تنظيم داعش في 2018-2019. إضافة إلى وجود بعض المليشيات العراقية في البوكمال، أبرزها: كتائب #حزب_الله وكتائب بدر وحركة #النجباء.

حزب الله اللبناني: يُعدُّ أقوى قوة عسكرية مدعومة من إيران في سوريا، وثقل حزب الله في دير الزور ليس استثناءً، حيث يشار إلى أن التنظيم الشيعي المتشدد يشارك بشكل علني في القتال إلى جانب قوات الأسد منذ 2013.

لواء فاطميون الأفغاني ولواء زينبيون الباكستاني: أنشأ الحرس الثوري الإيراني هذين اللواءين مع مقاتلين شيعة أفغان وباكستانيين، وشاركوا في العديد من المعارك الرئيسة في سوريا ويحافظون على وجود كبير في دير الزور اليوم بنحو 2500 مقاتل في المجموع، وفي مناطق أخرى في جميع أنحاء البلاد.

قوات الدفاع الوطني: جنّدت إيران مقاتلين من محافظات حلب ودير الزور والرقة تحت مسمى قوات الدفاع الوطني (المحلي)، حيث تعدُّ جزءاً من الجيش السوري النظامي، ولديها أكثر من خمسين ألف مقاتل، ومن أبرزها: لواء الباقر وقوات 313 والمقاومة الإسلامية وجيش المهدي ولواء الإمام المهدي.

صراعٌ على النفوذ بين إيران وروسيا 

على مدى الصراع السوري، كانت مصالح #روسيا وإيران متوائمة على أكثر من جبهة، حيث يهدف كلا البلدين إلى حماية #بشار_الأسد ونظام حكمه وتقويض قوة المعارضة السورية وتنظيم داعش.

مع ذلك، بدأت مصالح موسكو وطهران تتباعد في السنوات الأخيرة، وتشتد المنافسة بينهما، على الرغم من أنها ليست ظاهرة بالكامل الآن.

وعلى مدى السنوات العديدة الماضية، كررت روسيا نفس الأخطاء في التعامل مع الانتشار العسكري الإيراني في سوريا، بعد أن سمحت للميليشيات المدعومة من إيران بالتحرك بحرية، وسد الثغرات التي خلقتها عدة اتفاقيات أبرمتها روسيا مع المعارضة السورية.

كما فشلت روسيا في تجنب تكرار هذا الخطأ في دير الزور، ما سمح للحرس الثوري الإيراني بتوسيع قوته في المحافظة.

ومع ذلك، في عام 2020، بدأت روسيا محاولات لفرض قوتها العسكرية في دير الزور، بسبب رغبتها في الاحتفاظ بنوع من السيطرة لمراقبة التمدد الإيراني في هذه المنطقة والقضاء على خلايا تنظيم داعش.

تغييرٌ في الاستراتيجية وإعادة تمركز

بدأ التغيير في استراتيجية موسكو بالتبلور في شهر كانون الأول 2020، بعد أن نشرت قواتها وعناصر #الفيلق_الخامس في عدة مدن بريف دير الزور الشرقي، المتاخمة للحدود مع العراق، ما شكّل تهديداً مباشراً لأبرز معاقل إيران في شرقي سوريا.

لكن حالة الاستياء التي أبداها قادة الميليشيات المحليين الذين يتمتعون بقاعدة قوية في المجتمع، أجبرت روسيا للتوصل إلى اتفاق مع إيران يحد من مناطق انتشار القوات الروسية.

من جانبها، لم تعارض طهران التحركات الروسية، وقدّم الحرس الثوري الإيراني للروس دعماً لوجستياً، بالمقابل، تأملُ إيران بأن يساعد الانتشار الروسي الجديد في الحد من الهجمات الصاروخية التي تشنها الطائرات الأميركية دون طيار على مناطق النفوذ الإيرانية في منطقة دير الزور.

وفيما يلي أبرز النقاط التي تضمنتها الاتفاقية بين روسيا وإيران:

1- انسحاب حركة النجباء وحزب الله اللبناني والعراقي من أكبر قواعدهم في قرية #الهري. وسيحل محلهم الفيلق الخامس والشرطة العسكرية الروسية للقيام بدوريات دورية.

2- الميليشيات المدعومة من إيران التي تسيطر على البوكمال، سمحت وساعدت الشرطة العسكرية الروسية في إقامة عدة حواجز على المدخل الغربي للمدينة. وفيما بعد، انخفض الوجود الروسي مع انسحاب الشرطة العسكرية الروسية في آذار 2021 من نقطة وجودها في البوكمال إلى مدينة #الميادين لأسباب مجهولة.

3- دعم عسكري مباشر من الميليشيات المدعومة من إيران للفيلق الخامس ضد خلايا تنظيم داعش النائمة في دير الزور. لكن هذا الترتيب استمر أقل من شهر، حيث تكبدت هذه الميليشيات خسائر كبيرة ورفض الروس السماح لها بقيادة العملية.

إيران تخسر المراهنة على الوجود الروسي

في بداية عام 2021، فشلت طموحات إيران في استخدام الوجود الروسي بالقرب من مناطق نفوذها كدرعٍ لردع أية هجمات للتحالف بقيادة الولايات المتحدة، فشلاً ذريعاً.

حيث شهدت أوائل عام 2021 أعنف الضربات على مواقع إيران في محافظة دير الزور، تلك الهجمات كشفت بوضوح سياسة الإدارة الأميركية الجديدة تجاه الوجود الإيراني في سوريا، وتحديداً في دير الزور.

لذلك، أدركت إيران أنه يجب عليها تغيير سياستها تجاه الانتشار الروسي، بعد أن تحوّل وجودها من مصلحة مشتركة إلى تهديد مباشر، خاصةً وأن هذا الوجود لم يحمي الميليشيات الإيرانية من الضربات الجوية الأميركية.

ولعل أبرز تغيير في طريقة تعامل إيران مع الروس، كان تقليص الدعم العسكري من ميليشياتها لقوات الفيلق الخامس ولواء القدس الفلسطيني في معاركهم ضد تنظيم داعش.

وكان هذا سبباً رئيساً في تصاعد هجمات التنظيم على القوات الحكومية في الربع الأول من عام 2021 الجاري، كما أدى ذلك إلى زيادة كبيرة في الخسائر في صفوف الفيلق الخامس وكتائب القدس الفلسطينية.

وبسبب عدم وجود اهتمام دولي بالمناطق التي تسيطر عليها #الحكومة_السورية في دير الزور وغياب المراقبة الدولية لخطط الحرس الثوري الإيراني في تلك المنطقة، تمكنت إيران من بناء إمبراطورية عسكرية وأمنية في شرقي سوريا.

ويبقى السؤال: إلى أي مدى ستتمكن إيران من الحفاظ على نفوذها العسكري في دير الزور، إذا أصبحت روسيا أقل تسامحاً مع تدخلات طهران؟


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة