سوف تعزز التكاليف الباهظة للغزو الروسي لأوكرانيا، استخدام الصين المستمر لتكتيكاتها الفعالة في “المنطقة الرمادية” و”تقطيع السلامي”، فيمكن للغزو الروسي لأوكرانيا أن يلقي الضوء على صراع افتراضي في مضيق تايوان، وكان موضوع الكثير من الجدالات والنقاشات الدولية، وقد قارنت العديد من المنشورات الغزو الروسي لأوكرانيا والغزو الصيني المحتمل لتايوان، مع إيلاء اهتمام خاص للدروس المستفادة فيما يتعلق بالتنسيق الجوي – الأرضي، وضرورة تدريب القوات ووظيفة قوات الدفاع المدني ومتطلبات القيادة العسكرية الماهرة، وأخيرا جودة الأسلحة.

يجب أن يأخذ نهج المقارنة هذا، الأنواع المختلفة من النزاعات التي قد تحدث في مضيق تايوان في الاعتبار، بدلا من التركيز حصريا على الدروس المستفادة من القتال العسكري التقليدي عندما يأخذ ذلك في الاعتبار، فإن الدرس الرئيسي المستفاد من الغزو الروسي لأوكرانيا، هو أن الصين ستستمر في استخدام تكتيكات “تقطيع السلامي” الفعالة وتكتيكات المنطقة الرمادية السابقة.

اقرأ أيضا: نهاية سريعة لتهديدات الصين بغزو تايوان؟

يتوقع حدوث حالة ستحاول فيها الصين تطويق مكانة تايوان الدولية وتعريض وجودها الاقتصادي والسياسي للخطر، من خلال الإجراءات الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية، وربما باستخدام الحصار الجوي أو البحري أو كليهما معا. بحسب تقرير لموقع “الدبلومات” وترجمه موقع “الحل نت”، مع ذلك، قد يكون التحول إلى الحصار الجوي والبحري إستراتيجية محفوفة بالمخاطر بالنسبة للصين. فسوف يؤدي هذا إلى طريق مسدود، لأن الصين ستحتاج إلى توسيع عملياتها نوعا وكما في “المنطقة الرمادية”، ولكن في نفس الوقت يجب أن تتأكد من أن هذه الإجراءات لا تؤدي عن قصد أو عن غير قصد إلى تصعيد الوضع خارج المنطقة الرمادية.

الانتقال من الرمادي إلى الأبيض والأسود

أحد الدروس الرئيسية التي يجب تعلمها من الصراع الروسي الأوكراني، الذي لم يبدأ فقط مع الغزو الروسي الشامل في شباط/فبراير الفائت، هو الفائدة الاقتصادية والعسكرية والسياسية وفاعلية عمليات واستراتيجيات “المنطقة الرمادية” لقاء التكاليف الباهظة للحرب التقليدية، وعندما يتم التعامل مع الصراع في أوكرانيا على أنه صراع معقد في “المنطقة الرمادية”، بدلا من سيناريو القتال العسكري التقليدي، فإن له آثار معرفية كبيرة حينها، وقد نجح بوتين في توظيف “الرجال الخضر الصغار” وتقنيات “المنطقة الرمادية” في أعمال سابقة، لاسيما في ضم شبه جزيرة القرم الناجح، كجزء من الحرب الروسية الأوكرانية التي بدأت في عام 2014. كما أن توظيف بوتين الماهر لقوات روسية غير معترف بها في السيطرة العسكرية والسياسية، مكنه من الحفاظ على سيطرته السياسية على شبه جزيرة القرم بنجاح.

استجابت في الوقت نفسه الدول القومية (الغربية) والشعب لهذه الأنشطة في “المنطقة الرمادية” بطريقة محسوبة. فتقريبا لم يكن هناك أي ميل للقيام بعمل عسكري في مواجهة مناورات “المنطقة الرمادية” الروسية هذه، وفي المقابل، كان الرد الغربي يتألف بشكل أساسي من ضغوط اقتصادية معتدلة، وضغوط سياسية ودبلوماسية محدودة ضد روسيا ومساعدة عسكرية لأوكرانيا، وعلى سبيل المثال وحتى بعد طرد روسيا من مجموعة الثماني، واصل القادة الأجانب محاولة الاتصال بروسيا وسلطاتها.

 بعد ضم شبه جزيرة القرم في العام 2014، استمرت لقاءات العديد من رؤساء الولايات المتحدة وزعماء الاتحاد الأوروبي ببوتين، وشخصيات روسية بارزة أخرى لسنوات، بالإضافة إلى ذلك لم تكن هناك مناقشات متعمقة حول العقوبات الواسعة كأسلحة اقتصادية، مع بقاء العلاقات الاقتصادية بين الاتحاد الأوروبي وروسيا مستقرة وودية.

لكن كل هذا تغير بعد أن صعدت روسيا إلى حرب تقليدية شاملة ضد أوكرانيا في شباط/فبراير 2022. ويتضح من الغزو الروسي أن الأهداف السياسية والاقتصادية للأطراف المتحاربة تتقوض من خلال تحويل معركة عسكرية سياسية مقيدة، يتم تنفيذها من خلال عمليات “المنطقة الرمادية” إلى حرب تقليدية كاملة، وهذه الحالة تدعم ثلاثة دروس مهمة مستفادة من الغزو الروسي لأوكرانيا ذات صلة بالوضع الحالي في مضيق تايوان:

  1. معدلات الفشل لدى العمليات العسكرية التقليدية أعلى بطبيعة الحال، ومن وجهة نظر عسكرية، فإن التصعيد لا يؤدي إلى النتيجة المرجوة في كثير من الأحيان.
  2. أظهر الغزو الروسي أنه حتى في أكثر مستويات الحرب وحشية، فإن التدخلات العسكرية تؤثر على المساعي السياسية والاقتصادية، وتزداد تعقيدا بسبب التصورات الشعبية وردود الفعل تجاه العدوان العسكري، لاسيما عندما يستهدف المدنيين علانية.
  3. غزو بوتين لأوكرانيا يظهر العديد من علامات الفشل الإستراتيجي، وأن لديه فرصة ضئيلة للنجاح سياسيا.

الصراع المستمر في أوكرانيا والوضع المتنازع عليه للأراضي التي تحتلها روسيا، وغياب دعم الحكم السياسي الروسي على نطاق واسع، كل هذا يعني أنه على الرغم من النجاحات العسكرية السابقة لروسيا، معظمها في جنوب وشرق أوكرانيا، فإنها لا تزال بعيدة عن تحقيق حتى انتصار تشغيلي أو استراتيجي معتدل، وعلى العكس من ذلك، فإن القوات العسكرية الروسية متورطة في تمرد متصاعد، بينما قوتها السياسية في هذه المناطق محدودة ومتنازع عليها.

ثانيا، من منظور غير عسكري وبالنظر إلى العوامل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، فقد ثبت أن تصعيد النزاع خارج المنطقة الرمادية لم ينجح، والعمليات العسكرية المكثفة لاسيما تلك التي تستمر لفترة طويلة، تتطلب موارد كبيرة مما يشير إلى الحاجة إلى الابتعاد عن اقتصاد السلام في المجالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وهذا يؤدي إلى اضطرابات كبيرة وعدم استقرار سياسي واقتصادي. هذا صحيح في كل من الدول الديمقراطية وغير الديمقراطية. ومع ذلك، فإنه لدى القادة الاستبداديين مخاطر أكبر، فالفشل والاضطراب المجتمعي والاستياء يمكن أن يخلق صراعا محتملا يهدد استقرار النظام وبقائه.

ثالثا، ثبت من منظور دبلوماسي وسياسي أن تصعيد بوتين للأزمة والصراع كان رهانا سيئا وسوء تقدير، مما أدى على الفور تقريبا إلى رد مخلص وقوي على الغزو الروسي، حيث ساهم الغرب بشكل كبير في الدعم السياسي والاقتصادي والعسكري لأوكرانيا، وبغض النظر عما إذا كان مواطنوها يدعمونها أم لا، فقد أظهرت العديد من الحكومات الغربية استعدادا كبيرا لمواصلة مساعدة أوكرانيا مع تفاقم الأزمة، على الرغم من ارتفاع أسعار الطاقة والتضخم. وفي الوقت نفسه، عانى الاقتصاد الروسي من آثار شديدة ويبدو أنه “ينهار من الداخل”، مما أدى إلى عزله سياسيا وتحويله إلى منبوذ على المسرح العالمي.

إن قرار بوتين بتصعيد الصراع إلى حرب شاملة جعل الوضع الجيو سياسي في العالم أكثر خطورة ولا يمكن التنبؤ به. يبدو أن التكاليف السياسية الباهظة (العقوبات والعزلة) التي عانت منها روسيا بالفعل، والتي ستستمر في تحملها هي خصائص ثابتة للبيئة السياسية والاقتصادية في المستقبل المنظور.

الرمادي الصيني لا يزال رمادي

بالنظر إلى الخطوات التصعيدية التي اتخذتها روسيا وفشلها في تحقيق النجاح، يجدر تقييم الدروس التي يمكن أن تستخلصها الصين من ذلك.

إن مراقبة السلوك الصيني في مضيق تايوان أو في هذا الصدد، وفي العديد من صراعاتها الجيوسياسية والأمنية، يوضح التزاما قويا بتكتيكات واستراتيجيات “المنطقة الرمادية”. وفي الواقع، عند النظر إلى مضيق تايوان، فإننا نجد بوضوح الحسم الذي استخدمت به الصين تكتيكات “المنطقة الرمادية” وتقنيات “تقطيع السلامي”، وقد اتبعت الصين مثل هذه التكتيكات عبر طيف واسع، من خلال عدد متزايد من خرق الأجواء في منطقة الدفاع الجوي في تايوان. كذلك استخدام أنظمة غير مأهولة فوق جزيرة كينمن، وعبور الخط الأوسط في مضيق تايوان (في البداية بالوسائل الجوية، والآن بالوسائل الجوية والبحرية)، بالإضافة إلى الجهود المبذولة لتقييد الاعتراف الدبلوماسي الدولي بتايوان، ومشاركتها السياسية والاستخدام المتزايد باستمرار لأدوات الضغط الاقتصادي.

نظرا لانتشار مثل هذه الأساليب في قواعد اللعبة الصينية في كل مكان، والفشل الواضح للتصعيد الروسي في أوكرانيا، فمن المحتمل أن تواصل الصين مسارها الحالي. وعندما قامت الصين بحركة ملحوظة في تكتيكات طويلة المدى بعيدا عن تكتيكات المنطقة الرمادية ونحو عمليات أكثر تقليدية، كان ذلك فقط عندما سمح مسرح العمليات بذلك، وعلى سبيل المثال، شهدنا في بحر الصين الجنوبي تحولا واضحا من “تقطيع السلامي” وعمليات “المنطقة الرمادية” إلى العمليات العسكرية المنتظمة التي تستهدف تعظيم القوة والنفوذ. ومع ذلك، لم تعتزم الصين القيام بذلك في منطقة العمليات هذه إلا بعد إقامة سلطة عسكرية وسياسية فعلية على المنطقة أولا باستخدام تقنيات المنطقة الرمادية.

بالرغم من ذلك، يبدو هذا التحول غير محتمل في سياق الصراع على مضيق تايوان فأولا، يختلف الميزان العسكري لمضيق تايوان عن التوازن العسكري في بحر الصين الجنوبي، وتكتسب الصين مزايا عسكرية، لكنها لم تحقق بعد السيطرة والتفوق، ومن غير الواضح ما إذا كانت الصين ستنجح في فرض سيطرة عسكرية من خلال نشر “المنطقة الرمادية” وطرق “تقطيع السلامي” بعد مراقبة السيناريو الحالي وردود تايوان.

ثانيا، في حين أنه كثيرا ما تستجيب الدول الأخرى بشكل سلبي للمبادرات والأساليب الصينية في بحر الصين الجنوبي، فمن الواضح أن هذا ليس هو الحال في مضيق تايوان، ففي مضيق تايوان، تنتقم تايوان والولايات المتحدة وحتى اليابان من الإجراءات الصينية في “المنطقة الرمادية” من خلال وضع تلك الأعمال الانتقامية موضع التنفيذ.

كيف سيبدو تصعيد المنطقة الرمادية؟

مع ذلك، يشير منطق تكتيكات “تقطيع السلامي” في الصين إلى أن تراكم الضغط أمر لا مفر منه، ومجرد الحفاظ على الوضع الراهن غير كاف. كما أثبتنا بالفعل، فإن نطاق حملة التصعيد الناجحة وصعوبتها على الساحة التقليدية يجعل منها خيارا غير مستساغ. وهذا يطرح السؤال: ما هي الخيارات الأخرى (التصعيدية) المتاحة؟

ربما نكون قادرين على إلقاء نظرة على اتجاه محتمل في رد الفعل الصيني على زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي، إلى تايوان في أوائل آب/أغسطس الماضي، وكرد فعل على زيارتها، أطلق جيش التحرير الشعبي سلسلة من الأنشطة الجوية والبحرية، التي تذكرنا بجهود مبكرة لبناء حصار محتمل حول جزيرة تايوان الرئيسية. من المفيد تحليل حملة الصين الأخيرة لتقليل الاتصال البحري والجوي لتايوان، والتي سعت أساسا إلى عزل الجزيرة والضغط على تايوان وحلفائها لكسر الحظر الصيني.

كما أن الخنق المشدود التدريجي للجزر التايوانية، بما في ذلك الجزيرة الرئيسية، سوف يتناسب بسلاسة مع تكتيكات “المنطقة الرمادية” الصينية، التي استمرت لعقود طويلة والمطبقة في نزاع مضيق تايوان. ونتيجة لذلك، قد تكون الخطوة المنطقية التالية من قبل الحكومة الصينية للحد من التعاون الدولي والاعتراف والدعم المالي لتايوان، بممارسة ضغط سياسي واقتصادي إضافي على الدولة الجزيرة.

قد طبقت الدول عبر التاريخ حصارا جويا وبحريا بكفاءة للضغط على الدول الأخرى وإجبارها على الانصياع لمطالبها السياسية ومع ذلك، طغت العواقب والنتائج غير المتوقعة للعمل على صعوبة قياس كفاءة مثل هذه الحصارات، وسوف تحتاج الصين إلى تقييم عدة شروط لكي تنجح بمثل هذه الخطوة.

كما سيتعين على الصين التعامل مع مشكلة إنشاء البيئة الجوية والبحرية المحيطة والسيطرة عليها، وهذا يثر التساؤل حول ما إذا كانت القوات المسلحة الصينية قوية بما فيه الكفاية لفرض حصار جوي وبحري كامل على تايوان. فالأمر لا يحتاج فقط إلى قوات كافية لمواجهة أي قوات مسلحة تايوانية تحاول كسر الحصار، ولكن يجب أيضا التخطيط لجهود منع محتملة من قبل الولايات المتحدة أو دول أخرى أو حتى تحالف من القوى الكبرى الأخرى (لاسيما اليابان وكوريا الجنوبية وربما القوات العسكرية الأوروبية) في محاولة لكسر الحصار.

كذلك فإن الصين عرضة لحصارات مضادة! وقد يكون للعقوبات والحظر التجاري والحصار البري والبحري، تأثير على اقتصاد الصين حتى لو لم تحدث على الفور. ومن غير المرجح فرض حصار رسمي عند النظر في الموارد التي قد تحتاجها الصين للحفاظ على حصار فعال. علاوة على ذلك، هناك خطر كبير لتصعيد الصراع ليس فقط بين الصين وتايوان، ولكن أيضا بين الجهات الفاعلة الأخرى مثل الولايات المتحدة واليابان. وأخيرا، من المرجح أن تكافح الصين لإدارة عواقب مثل هذا الحظر، فسيطرة الدولة المباشرة على نتائج الحصار ضعيفة.

اقرأ أيضا: غزو صيني لـ تايوان.. ما الاحتمالات؟

قدم لنا الغزو الروسي لأوكرانيا درسا مهما، مفاده أن محاولة التصعيد من تكتيكات المنطقة الرمادية إلى العمليات العسكرية التقليدية من المرجح أن تقلل من احتمالات النجاح السياسي (والعسكري) على المدى الطويل. علاوة على ذلك، وبعيدا عن البعد المباشر للصراع، من المرجح أن يواجه الفاعل الذي يسعى إلى التصعيد ضغوطا اقتصادية ودبلوماسية وتكنولوجية إضافية، مما يوضح أن قرار التصعيد من المرجح أن يكون له تأثير سلبي على كل أوجه نزاع.

وبالنظر إلى هذا الدرس من الغزو الروسي لأوكرانيا والتاريخ الناجح للصين في استخدام تكتيكات “المنطقة الرمادية”، فمن المرجح أن تواصل الصين هذه التكتيكات أكثر. ولكن طبيعة “تقطيع السلامي” تتطلب دفع حدود ثابتة. وقد تجد الصين صعوبة في الحفاظ على تكتيكاتها في المنطقة الرمادية دون المخاطرة بالتصعيد، سواء كان ذلك مقصودا أو غير مقصود، فمن شأنه أن يعكس بشكل فعال أي مكاسب تم تحقيقها على مدى العقود السابقة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة