تُثارُ تساؤلاتٌ كثيرة حول دور #الولايات_المتحدة طويل المدى في شرقي سوريا وما الذي ستفعله حيال الهجمات المدعومة من #إيران على قواتها في #إقليم_كردستان العراق.

إذ كان دور #واشنطن في المساعدة على تحقيق الاستقرار والازدهار النسبي في المناطق الكردية في كل من سوريا والعراق؛ مفتاحاً للدور الذي تلعبه هذه المناطق اليوم. ومع ذلك، فإن كل هذا النجاح يتوقف على توازن دقيق جداً.

وفي كلا الإقليمين، (إقليم كردستان العراق وروجافا في سوريا) تعرضت السياسة الأميركية للتهديد من جانب المحاولات التركية والإيرانية لتقويض هذا الاستقرار، رغم اختلاف المنطقتين الكرديتين في #سوريا و#العراق اختلافاً كبيراً، وفق بحثٍ نشره موقع (The Jerusalem Post).

ملاذٌ آمن للعراقيين

إقليم كردستان العراق، هو رسمياً وقانونياً منطقة حكم ذاتي في العراق بحكومته الخاصة التي تقع في العاصمة #أربيل. وهذه المنطقة لديها انتخابات وسياسات معقدة، الكثير منها متجذر في عشيرتين قويتين، هما البرزاني والطالباني.

وتمتلك حكومة إقليم كردستان، قواتها المسلحة الخاصة “البشمركة”، وتنقسم هذه القوات إلى أقسام، بعضها قريب من الحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة بارزاني، والبعض الآخر مرتبط بالاتحاد الوطني للحزب الكردستاني، بقيادة الطالباني.

على الأرض، كانت المنطقة قصة نجاح اقتصادي. وقد فرّ الكثير من العراقيين إليها من أجزاء أخرى من البلاد التي تعيش في حالة من الفوضى، كما فرّ الكثير من العرب من حكم تنظيم #داعش إلى حكومة إقليم كردستان.

وعندما اندحر داعش، فرّ آخرون من حكم الميليشيات الشيعية الموالية لإيران بحثاً عن الأمان في أربيل. ويشكل الإيزيديون والمسيحيون والتركمان وغيرهم، النسيج المتنوع لمجتمع إقليم كردستان اليوم.

أطماع تركيا وإيران في كردستان

تتأثر المنطقة بشدة بالاقتصاد التركي من خلال البنوك والمنتجات، كونها تصدر إلى #تركيا المجاورة وتستورد منها. كما أن لها صلات وثيقة بإيران.

من جهةٍ أخرى، فإن لدى تركيا قواعد في إقليم كردستان، حيث تدّعي #أنقرة أنها تقاتل #حزب_العمال_الكردستاني، لكنها في الواقع تعمل على توسيع نفوذها في المنطقة. وتقول الروايات إن تركيا تريد التحرك في الداخل، إلى #سنجار أو أقرب إلى #دهوك وأربيل.

وفي الوقت نفسه، تريد إيران أن تلعب دوراً في هذه المنطقة، مدّعيةً أنها تهدف إلى سحق المعارضين الإيرانيين في إقليم كردستان، على وجه التحديد الحزب الديمقراطي لكُرد إيران وحزب الحرية الكردستاني وغيرها من الأحزاب المقموعة إيرانياً.

مفتاح الأمن والاستقرار

ساعدت الولايات المتحدة إقليم كردستان العراق، حيث درّبت #البيشمركة من خلال المنظمات المدعومة من التحالف المناهض لداعش، مثل مركز تنسيق التدريب في كردستان، ولديها قاعدة مترامية الأطراف في #مطار_أربيل_الدولي.

هذا يعني أن الدعم الأميركي هو مفتاح الأمن والاستقرار. فإقليم كردستان هو المكان الوحيد في العراق الذي يلقى فيه الجنود الأميركيون ترحيباً وإعجاباً من السكان المحليين، والتهديدات تأتي من الخارج، لا من الداخل.

ومع ذلك، فإن المنطقة تقع بين المطرقة والسندان من خلال الضغط الإيراني والتركي. فكلا البلدين يريدان أن تغادر الولايات المتحدة المنطقة، حتى تتمكنا من تقسيم دول مثل العراق وسوريا، مع وجود كردستان في وسط كل ذلك.

ولفترةٍ من الوقت، خلال الحرب ضد داعش، كانت المنطقة الكردية مفصلاً استراتيجياً وناجحاً، ولعبت دوراً كبيراً، حيث أدارت حكومة إقليم كردستان #كركوك وسنجار.

وكانت الدولة العراقية ضعيفة للغاية، لدرجة أن حكومة إقليم كردستان كانت تعمل كدولة أكثر مما كانت تعمل #بغداد، لكن الوضع تغيّر بمرور الوقت.

الطموحات الكردية وتعلُّم الدروس

شَهِد الكُرد التخلي عنهم في الماضي. وضُحّي بهم بسبب مكائد الولايات المتحدة خلال الحرب الباردة، وتحطّمت الآمال السابقة في الاعتماد على روسيا أو الولايات المتحدة أو غيرهما.

وحكومة إقليم كردستان تعرف ذلك. وقد نشأ قادتها، مثل الرئيس #نيجيرفان_بارزاني ورئيس الوزراء #مسرور_بارزاني و#لاهور_طالباني، على دروس تلقوها على يد #مسعود_بارزاني و#جلال_طالباني.

فدعم الولايات المتحدة لحكومة إقليم كردستان، أمرٌ حيوي، لكنه ليس اللعبة الوحيدة في المنطقة. فإقليم كردستان ناجح ولديه العديد من الأصدقاء، من #فرنسا مروراً بالمجر وصولاً إلى #كندا.

كما أن حكومة الإقليم تعرف كيف تتنقل بين المطالب التركية والايرانية. وهي تحظى بإعجاب بشكل عام في بعض الأوساط الإيرانية والتركية.

إيران الداعمة.. ولكن!

تتفاخر طهران بأنها أنقذت إقليم كردستان من داعش، وهناك مقطع فيديو استقبل فيه #قاسم_سليماني، الذي وصل إلى أربيل بدعم إيراني، مسعود بارزاني، في أيام آب 2014 الحالكة والتي بدا فيها كل شيء غامضاً.

وهذا صحيح جزئياً، فعندما احتاجت أربيل إلى المساعدة، كانت إيران موجودة، لأنه على عكس نظام صدام الذي يمارس الإبادة الجماعية في الماضي، لم ترتكب إيران قط إبادة جماعية ضد الكُرد. وعلى عكس تركيا، التي أنكرت وجودهم، لطالما كان لإيران مقاطعة كردية.

والمنطقة الكردية في العراق، المسماة باشور، أو كردستان الجنوبية، هي واحدة فقط من المناطق الكردية المهمة والناجحة.

كردستان في جزئها الثاني

(روجافا)، غرب كردستان، هي المنطقة الكردية في سوريا. وهي منطقة صغيرة نسبياً وأقل كثافة سكانية من المناطق الكردية في تركيا وإيران والعراق. وقد تم تجاهلها والتخلي عنها إلى حد كبير من قبل الأسدين الأب والابن.

فقط عندما اندلعت الاحتجاجات الشعبية في سوريا، بدأ #بشار_الأسد يُدرك أنه بحاجة إلى المنطقة الكردية وحاول تخفيف القمع السابق.

ولم ينجح هذا الأمر بشكلٍ جيد، ومع ذلك، عندما ظهرت #وحدات_حماية_الشعب الكردية، بدأ الوجود الحكومي  يتلاشى مع إبقاء بعض الجنود في أماكن مثل #القامشلي. وتعتزم #دمشق العودة إلى المنطقة، بعد أن تلاشى وجودها خلال سنوات الحرب التي شهدتها البلاد.

وكانت وحدات حماية الشعب والسلطات المدنية المكونة لإدارتها الذاتية من بين المستفيدين من الحرب الأهلية السورية. وبحلول عام 2014، عندما كانت داعش تتمدد وترتكب إبادة جماعية في العراق، ساعدت وحدات حماية الشعب الإيزيديين على الفرار عبر سوريا إلى مخيمات النازحين داخلياً. وهذا منع حصول إبادة جماعية أسوأ.

الدعم الأميركي لـ (قسد)

شهدت السلطات الأميركية والتحالف الناشئ هذا النجاح، وبدأت أميركا في دعم وحدات حماية الشعب، التي ساعدت في تشكيل قوات كبيرة مناهضة لداعش تسمى #قوات_سوريا_الديمقراطية.

وهنا لعب #بريت_ماكغورك، القيصر المناهض لداعش، وآخرون، دوراً رئيساً، فدخلت القوات الأميركية الخاصة للقتال وسرعان ما كانت (قسد) تدفع داعش للتراجع، ودمرته في النهاية بالكامل في الرقة في عام 2017 وخنقته حتى الموت في #الباغوز على ضفاف #نهر_الفرات في عام 2019.

الانتصار الذي أرعب تركيا

كان لنجاح قوات سوريا الديمقراطية تأثيرٌ مرتد في تركيا عبر الحدود. فتركيا، التي تديرها حكومة إسلامية يمينية متطرفة في #حزب_العدالة_والتنمية، أرادت سحق التطلعات الكردية وشنت حرباً ضد حزب العمال الكردستاني في عام 2015.

كما اتهمت وحدات حماية الشعب بأنها تابعة لحزب العمال الكردستاني، فقامت بغزو سوريا في عامي 2016 و 2018، ونفّذ الجيش التركي ومرتزقته من فصائل المعارضة السورية تطهيراً عرقياً بحق الكُرد في #عفرين.

مكيدة اللوبي التركي في إدارة ترامب

كانت السلطات الأميركية قلقة إزاء ما يحدث، ولكن في ظل إدارة ترامب، وصل اللوبي المؤيد لأنقرة إلى السلطة في جميع أنحاء الحكومة الأميركية. وأراد هذا اللوبي، الذي يعمل به دبلوماسيون سابقون خدموا في تركيا وأحبوا أردوغان، أن تتحول الولايات المتحدة من دعم (قسد) والكُرد إلى دعم الجهاديين في #إدلب، مثل #هيئة_تحرير_الشام ومختلف الجماعات المتطرفة المدعومة من تركيا والتي تسمى بـ “الجيش الوطني السوري”.

وقد قتلت فصائل هذا الأخير، الإيزيديين علانية وتعهدت بـ “قتل الكفار” ونشرت صوراً لنساء يطلقن الرشاشات. لقد كانوا مشابهين لداعش، لكن بالنسبة لبعض المسؤولين الأميركيين، كانت هذه هي الجماعات التي يمكن أن تسير نحو دمشق ومن خلالهم، ستعود الولايات المتحدة إلى أنعام تركيا الجيدة.

مطالب بمثابة انتحار

ومثل عقلية الحرب الباردة الأميركية، التي تخلت عن الكُرد في السبعينيات وراقها هجمات نظام #صدام_حسين بالغازات السامة على المدنيين، أحب بعض المسؤولين الأميركيين الجهاديين المتطرفين ووجدوهم “مصدر قوة” في المنطقة.

وفي ذات الوقت، مسؤولون أميركيون آخرون، ممن فضّلوا السلام والاستقرار اللذين جلبتهما (قسد)، بدلاً من الفوضى والإبادة الجماعية لجماعات مثل هيئة تحرير الشام، قالوا للكُرد إن الولايات المتحدة «ستلتزم بالدفاع عنهم إذا ما قدموا بعض التنازلات هنا وهناك».

هذه التنازلات، كانت تعني السماح لتركيا باحتلال #عفرين وطرد سكانها الكُرد بالكامل، نحو 170 ألف شخص، ثم احتلال #تل_أبيض و#رأس_العين وطرد الكُرد من هناك أيضاً.

تغييرٌ ديمغرافي مُنظّم

قالت تركيا في #الأمم_المتحدة في عام 2019 إنها ستستولي على “منطقة عازلة” على طول الحدود السورية وتطرد الكُرد وتستبدلهم بعرب من سوريا. وسيكون هذا تطهيراً عرقياً شاملاً، على غرار #بولندا في الأربعينيات عندما احتلتها ألمانيا النازية.

وأشادت الأمم المتحدة بخطط تركيا، لكن الشيء الوحيد الذي يقف في الطريق هو عدد قليل من القوات الخاصة الأميركية.

وفي النهاية، أصيبت تركيا بالإحباط من هدفها بتدمير #كوباني و#القامشلي و#ديريك ومدن كردية أخرى، من خلال استراتيجيةٍ روسيّة وسوريّة سمحت لبعض جنود الأسد بالاندفاع إلى المناطق الكردية ورفع علم النظام.

وأذعنت تركيا لعمليات تطهير عرقي أصغر حول تل أبيض. وكان لدى مرتزقتها مهمة أخيرة: قتل الشابة الكردية #هفرين_خلف، التي كانت سياسية كردية ونجمة صاعدة واعدة في شرقي سوريا.

وأشادت صحف تركية بالعملية، فشعر البعض في إدارة ترامب بالفزع، بينما شرب آخرون نخب عمليةٍ ناجحة قد تكسر دعم الولايات المتحدة لقوات سوريا الديمقراطية.

هل سيستمر الدعم الأميركي؟

لكن الرئيس الأميركي #جو_بايدن فور وصوله، أزال اللوبي الموالي لأنقرة، في محاولة للحفاظ على الاستقرار في شرقي سوريا، لكن لا تزال هناك بعض المخاوف.

ويبدو أن شركة نفط مُنحت امتيازاً في عهد ترامب تفقد امتيازها اليوم. وتقول تقارير متضاربة إن التمويل سيقطع عن قوات سوريا الديمقراطية. وكانت الولايات المتحدة قد درّبت نحو 80 ألف عنصر من (قسد) على محاربة داعش.

كما أن هناك عشرات الآلاف من النازحين داخلياً في #مخيم_الهول وآلاف من معتقلي داعش في شرقي سوريا، كثير منهم من الأجانب، بما في ذلك من أوروبا. لكن هذه الأخيرة لا تنوي استعادة مواطنيها، وهذا يخلق عبئاً اقتصادياً وأمنياً على الإدارة الذاتية الكردية.

ويبقى السؤال، ما إذا كانت الولايات المتحدة قادرة على الحفاظ على الاستقرار الذي ساعدت على خلقه في شرقي سوريا، كون المنطقة كانت ركيزة للاستقرار.

كما أن ما يحدث في “روجافا” مهم كذلك لحكومة إقليم كردستان العراق، على الرغم من حقيقة أن السلطات في حكومة إقليم كردستان لا تتوافق مع السلطات التي يقودها الكُرد في شرقي سوريا. هذه سياسة لها أسبابها الخاصة، ولكن أيضاً بسبب الضغط التركي.

تريد تركيا اليوم تقسيم المناطق الكردية وتطويعها، لذلك فهي تريد خروج الولايات المتحدة. والسؤال هو ما إذا كانت الولايات المتحدة ستبقى وتفعل أكثر مما فعلته في الماضي أم لا.


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.