تسلط الرسومات التي كُشِفت حديثاً وعرضها الأرشيف الوطني العراقي، الضوء على ذهنية آخر ملوك البلاد، الملك فيصل الثاني.

ولعقودٍ من الزمان، احتُفِظت بـ 143 صورة في الأرشيف، مع عدد قليل فقط متاح للباحثين والزوار الذين لديهم فضول بشأن ما يسمى بالعراق بـ “الملك الصبي”، الذي اعتلى العرش في سن الثالثة.

وتسلط هذه الصور، وفق تقريرٍ لصحيفة (The National)، الضوء على فترة مضطربة في تاريخ العراق الحديث، بما في ذلك حياة الملك وموته البشع.

حياته

ولد فيصل الثاني عام 1935، وأصبح أصغر ملك في العالم، عندما تولى العرش وهو رضيع، بعد وفاة والده #الملك_غازي الغامضة في حادث سيارة في شهر نيسان 1939.

ولما يقارب من 20 عاماً، حكم الملك الصبي العراق، خلال فترة من الاضطرابات الشديدة، بما في ذلك الحرب العالمية الثانية.

لكن حياة الملك فيصل الثاني انتهت برصاصة في 14 تموز 1958، على إثر انقلابٍ شنته مجموعة من ضباط الجيش لتأسيس أول جمهورية عراقية.

رسوماتٌ تروي ما جرى

تكشف الرسومات أن بداية حياة الملك فيصل كانت تهيمن عليها خلفية الحرب خلال الأربعينيات.

وتصوّر معظم الرسومات، بالقلم الرصاص أو أقلام التلوين، معارك شرسة في الحقول المفتوحة وفي البحر وفي المدن.

ويظهر في إحداها طائرة تلقي قنابلها على مدفع، وردِّ جنديين على الهجوم بنيران مضادة للطائرات.

ويبدو أن القتال في العراق قد استحوذ على خيال الملك الشاب. ففي عام 1941، غزت القوات البريطانية العراق للإطاحة بالحكومة الموالية للمحور، والتي أطاحت بعم الملك فيصل الثاني، “ريجنت عبد الإله”.

وفي إحدى الصور التي رسمها الملك عندما كان طفلاً، اشتعلت النيران من نوافذ مبنى من طابقين، بينما تمرُّ ثلاث دباباتٍ تحمل الأعلام البريطانية.

سر مضمون اللوحات

يقول مدير دار الكتب والأرشيف الوطنية العراقية “علاء أبو الحسن العلاق”، إن موضوع الرسوم «كان نتيجة الفترة التي عاشها الملك».

ويتابع “العلاق” قائلاً: «كانت هناك الحرب العالمية الثانية ووجود القوات البريطانية في مطارات وقواعد البلاد».

لكن بعض الرسومات تصوّر موضوعات أكثر هدوءاً، بما في ذلك المناظر الطبيعية والطيور والمباني، وكذلك خرائط لأوروبا وشمال إفريقيا.

فخلال فترة الحرب المذكورة، ذهب الملك إلى بريطانيا للعيش مع والدته في غروف هاوس، بيركشاير، قبل أن يعود إلى بغداد لمواصلة تعليمه في القصر الملكي.

وعندما كان مراهقاً، درس فيصل الثاني في مدرسة “هارو” في إنجلترا مع ابن عمه الثاني وصديقه المقرب، ملك الأردن المستقبلي “حسين”.

ويرى “العلاق” بأن نشأة الملك فيصل الثاني غير العادية في العراق وبريطانيا «أعطته منظوراً فريداً للحياة».

حيث يقول: «عاش حياته كملك وفتى في نفس الوقت، وهذا مكّنه من التفكير بشكلٍ مختلف».

أرشيفٌ يكشف الكثير

ويحتوي أرشيف العائلة المالكة على صورٍ ورسائل وأفلام وخرائط للمملكة وقصر الرحاب، الذي نجا من الدمار خلال الاجتياح الأميركي عام 2003 الذي أطاح #صدام_حسين.

ويؤكد “العلاق” بأنه «خلال الغزو والاضطرابات اللاحقة، دُمِّر أو سُرِق 40 في المائة من أصول محفوظات هذا الأرشيف».

وباعتباره أصغر حاكم ملكي في العالم، اشتهر فيصل الثاني في حياته. وقد بنى رسام الكاريكاتير البلجيكي “هيرج” إحدى الشخصيات في مغامرات “تان تان” على فيصل الثاني والأمير المدلل والمؤذي “عبد الله من أحمد”.

لقد أدى سقوط الحكومة الموالية للمحور إلى خلق فراغٍ في السلطة، ما مهد الطريق لأعمال عنف الفرهود سيئة السمعة، أو المذبحة كما يسموها، ضد الجالية اليهودية في البلاد، حيث قُتِل مئات اليهود ونُهِبت ممتلكاتهم أو دُمِّرت، إيذانا ببدء هجرتهم من البلاد.

وبحلول عيد ميلاد الملك فيصل الثاني الثامن عشر في عام 1953، عندما انتهت الوصاية، بدأ صعود الشيوعية والاضطرابات الشعبية والقومية العربية في تهديد ممالك المنطقة.

وكان إطاحة النظام الملكي المصري الموالي لبريطانيا قبل عام، قد قوّض بالفعل مطالبة فيصل الثاني بالسلطة.

النهاية المفجعة

واعتمد الملك، عديم الخبرة، بشكلٍ كبير على نصيحة ولي العهد الأمير “عبد الإله” ورئيس الوزراء “آل سعيد”، وكلاهما يُنظر إليه على أنهما متحالفان بشكل وثيق مع بريطانيا.

وقبل فجر يوم 14 تموز 1958، سار ضباط الجيش المعارضون للنظام الملكي، بقيادة العميد #عبد_الكريم_قاسم والعقيد #عبد_السلام_عارف، إلى #بغداد وهاجموا القصر الملكي.

وقالت عمة الملك فيصل الثاني، الأميرة بديعة بنت علي – آخر أميرة عراقية كانت على قيد الحياة – في مقابلة عام 2012 مع تلفزيون الشرقية، مستذكرةً: «سمعت انفجاراً في حوالي الساعة 6 – 6:30 صباحاً، وقفزت من الفراش. ألقيت نظرة على قصر الرحاب ورأيت الدخان يتصاعد منه».

وقالت الأميرة “بديعة” إن الملك فيصل الثاني عرض إرسال حراس لحمايتها لكنها رفضت. وبمجرد دخول القصر، أمر الضباط الملك وعمه وأفراد الأسرة الآخرين بالدخول إلى الحديقة، حيث أُعدِموا جميعاً.

وكان الملك فيصل الثاني، الذي كان يبلغ من العمر 23 عاماً، قد خطط للزواج من خطيبته الأميرة “فضيلة إبراهيم سلطان” في اليوم التالي.

وتذكرت الأميرة “بديعة” كيف هرع أحد أفراد العائلة المالكة إلى منزلها بعد بضع ساعات، ملطخاً بالدماء وصرخ قائلاً: «قتلوهم! قتلوا الملك وعائلته».

وتابعت قائلةً: «بدأت في البكاء والصراخ، وعندما سألتني مربية الأطفال الإنجليزية ما الخطب، قلت: لقد قتلوا عائلتي».  وقد توفيت الأميرة “بديعة” العام الماضي في لندن عن عمر يناهز المائة عام.


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.