لازَم #الاقتصاد_السوري على مدار السنوات العشر الماضية من عمر #الحرب في #سوريا، حركة  استنزاف سريعة في كافة موارده، وبرزت أزمات في إدارته، سببت اختلالاً هيكلياً.

وساهمت بشكل مباشر في تجميد الحركة #الاقتصادية التي حدّت من الحوافز التي تشجع على الاستثمار، كما غابت المؤسسات الاقتصادية الوطنية الفاعلة في المشاركة في عملية التنمية الحقيقية.

وتصدرت طبقة رجال الأعمال السوريين الصاعدين الجدد والنخب الاقتصادية المستحدثة في زمن الحرب المشهد الاقتصادي المحلي، بيّدَ أن الوافدين الجدد لم يختلفوا كثيرا عن نظرائهم من نخب رجال الأعمال  ما قبل الأزمة السورية عام  2011.

ولم يختلفوا من حيث التركيز على الاستثمار في القطاعات الخدمية الريعية، بحثاً عن الربح السريع، وعلى أمل أن هذا التوجه الاقتصادي سوف يطغى خلال مرحلة “#إعادة_الإعمار”.

طبعاً هذا النوع يكتسب من العلاقات النفعية  قدراتٍ خارقة، في بلدٍ تكبر فيه الثروة كلما اقترب صاحبها من مراكز أصحاب القرار في الحكومة السورية.

رجال أعمال جدد أبرزتهم الحرب

وقال الباحث الاقتصادي “محمد الحسن” لموقع (لحل نت) إن «الأعوام الأخيرة في سوريا بدأ تداول أسماء  لرجال أعمال جدد من #روسيا، وباشرت شركاتهم بالاستثمار في قطاعات حيوية هامة».

ومن أبرز رجال الأعمال الروس في سوريا، غينادي تيموشينكو، الذي ظهر اسمه من خلال الاستثمار لميناء طرطوس الساحلي عبر شركته “ستروي ترانس غاز” وإعطائه تصريحاً باستخراج الفوسفات من مناجم تدمر.

إضافة إلى رجال الأعمال الإيرانيين وتوجههم إلى الاستثمار في قطاعات حيوية وإبرام عقود للاستثمار في استخراج  الفوسفات والكهرباء والموانئ والطرق والجسور في سوريا، بحسب الحسن.

و يعتقد الحسن أنه «في ظل الظروف الاقتصادية القاسية التي تعصف بسوريا، فقد صعد رجال أعمال جدد إلى الساحة الاقتصادية وخرج آخرين من المشهد الاقتصادي، حيث نقلت النخب الاقتصادية السورية المعروفة تاريخياً، أعمالها إلى الخارج، كتركيا ولبنان والأردن ومصر وأوروبا، لحماية مصالحها وممتلكاتها».

«بالمقابل برزت شخصيات جديدة على الساحة الاقتصادية تعتمد على الولاءات وتقربها من أصحاب القرار في الحكومة السورية والتحالف معها، على حساب المؤسسات والدوائر الاقتصادية الحكومية التي تعيش الآن حالة من الموت السريري بعد توقف معظمها عن الإنتاج في القطاعات كافة»، بحسب الباحث الاقتصادي “محمد الحسن”.

 توظيف سياسي للاقتصاد

وبما أن رجال الأعمال السوريين، يعتبرون جزءاً رئيسياً من النخب السياسية الحاكمة، فقد باشروا بتشكيل شركات جديدة تساهم في مشاريع إعادة الإعمار، وهذا الأمر انصب في تقديم حوافز للذين يدينون بالولاء أكثر للسلطات السورية.

وذلك على الرغم من أن الطبقة الجديدة لرجال الأعمال سواءً المقربين من الحكومة السورية أو من هيئات المعارضة، يجدون مصالحهم  في إطالة عمر الصراع، وهذا يدلل  على العلاقة الزبائنية القائمة  بين النخب الاقتصادية المستحدثة ورغبتهم في استمرار الصراع لتدوير أموالهم عبّر قنواتهم الخاصة وبعيداً عن العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية.

وأشار الباحث السوري “محمود اللبابيدي”، ويعمل ضمن مشروع بحثي يحمل عنوان “زمن الحرب وما بعد الصراع في سوريا” في برنامج مسارات الشرق الأوسط، والذي يشرف عليه مركز روبرت شومان للدراسات العليا بالجامعة الأوروبية في فلورنسا، إلى أن «صعود شريحة جديدة من رجال الأعمال المُقرَّبين من الحكومة السورية، لا تمثّل حالةً من الندّية، بل نوعاً من التوظيف السياسي للاقتصاد».

وفي الدراسة البحثية للبابيدي “رجال أعمال دمشق: أشباح ماروتا سيتي” لفت إلى أن مفهوم الحكومة السورية لإعادة الإعمار مستند إلى إقامة مشاريع سياحية وخدماتية فاخرة، بما يضمن تحويل سوق #العقارات في دمشق إلى مولد رئيسي للدخل.

وتمثل ما تعَرف بـ “ماروتا سيتي” وهي مشروع استثماري في دمشق، نموذجاً ريادياً لقطاع الأعمال في سوريا ما بعد الحرب كما تصّورها الحكومة السورية ويمثل رجال أعمال “ماروتا سيتي” حالةً من الزبائنية المفرطة في الاقتصاد السوري، حيث يتصرف معظمهم كمدراء أعمال لمتنفّذين كبار في دائرة أصحاب القرار الضيّقة، أكثر مما يتصّرفون كأصحاب رساميل من القطاع الخاص.

اقتصاد الظل

لا شك أن القضاء على الطبقة الوسطى في المجتمع السوري، وخروجها من الدور الرئيسي والحيوي الذي كان من الواجب أن تضطلع به داخل المجتمع، قد ساهم في الحدّ من التطور التاريخي التي كان من الواجب أن تشهده البلاد.

وبخاصة بعد إقصاء العديد من رجال الأعمال الوطنيين، الذين غادروا البلاد، خصوصاً بعد بداية الأحداث في سوريا 2011، بحيث أصبحت البلاد مرتعاً للبرجوازية الطفيلية التي اغتنت وتنامت ثروتها على حساب تفقيّر الشعب السوري.

بينما كان عمل رجال الأعمال السوريين الصاعدين الجدد والنخب الاقتصادية المستحدثة في زمن الحرب السورية، يصب في نشاطات غير قانونية وغير معلنة، مغلفة في إطار العمل بالمشاريع الإنشائية والعقارات وغيرها.

بالمقابل فإنه على الضفة الأخرى من القاع السوري، هناك الغالبية العظمى من الشعب السوري في الداخل يعمل ضمن قطاع الأعمال الحرة غير المنظم، والذي لا يخضع إلى قوانين العمل التي ترعاه مؤسسات حكومية.

وبالتالي أدرج هذا العمل تحت اسم الاقتصاد غير المنظم (اقتصاد الظل) الذي لا يمكن حصره في إطار عمر الأحداث في سوريا، بل يمتد إلى حقبة الثمانينات من القرن الماضي، وقدر نسبته  الخبير الاقتصادي “عابد فضلية”  قبل الحرب في سوريا حيث كان يشكل حوالي 55% من حجم الاقتصاد السوري، لكنه اتسع خلال سنوات الحرب، ليقدر حالياً بنحو 70%.

ويعرف “المكتب المركزي للإحصاء” التابع للحكومة السورية اقتصاد الظل بأنه “القطاع الذي تعود ملكيته لأفراد أو جهات خاصة سواء كان يمارس نشاطه ضمن منشأة أو خارجها لكنه لا يمسك دفاتر محاسبية نظامية، أي أنه  القطاع الذي يمارس أفراده العمل في أعمال البناء والنقل و الزراعة أو الذين يمارسون عملهم ضمن أشباه المنشآت التي ليس لها صفة الديمومة والثبات كالأنشطة التي تمارس ضمن منازل مغلقة الأبواب… وغيرها”.

خارج عين الرقابة

ساهم تقلص النشاط الاقتصادي في سوريا وتجاوز نسبة البطالة فيها 50% وفق تقرير دولي 2020 حين صنف  سوريا بالمرتبة الثانية ثانياً، كأكثر الدول بطالة بعد بوركينا فاسو، أدى ذلك في تمدد اقتصاد الظل على حساب الاقتصاد الوطني الحقيقي.

وفي هذا المنحى قال مسؤول في اتحاد عمال دمشق لموقع (الحل نت) فضل عدم ذكر اسمه إن «العمالة غير المنظمة في سوريا في المرحلة الراهنة أصبحت تشكل بوتقة لجذب واستقطاب جميع المخالفين للأنظمة والقوانين داخل البلد، ولا يمكن للمنظمات النقابية ضبط هذه المخالفات كون العمالة المنظمة في الحكومة غير منضبطة».

وأضاف «لا يمكن للنقابة أن تعلم بهذه المخالفات إلا من خلال الشكاوى التي تتقدم ،وسبب ذلك عائد لعدم توفر آليات وإمكانيات لضبط هذا الواقع»، موضحاً أن «المشكلة مسؤولية الجميع ويجب متابعتها من قبل الحكومة السورية وإلا ستصل نسبتها في السنوات المقبلة إلى نسبة 70% وأكثر ، فهذا القطاع يسير دون أي رقابة أو تحمل لأي مسؤولية تجاه العامل».

جولة على الأرض

في صحنايا وجديدة الفضل والمناطق المحيطة بدمشق وريفها، تكثر الورش والمشاغل صغيرة في أقبية الأبنية وتضم آلاف العمال الذين يعملون في أجواء عمل بعيدة كل البعد عن  الحد الأدنى من السلامة المهنية والأمن الصناعي التي نادت  بها قوانين العمل والتأمينات الاجتماعية.

صاحب مشغل للخياطة يعمل في مشغله 15 عاملة، وعن رأيه بظروف العمل الحالية قال مبرراً إن «العاملات قريباتي ومن عائلتي وهو مشغل خاص بنا لذلك لا حاجة لتسجيل هؤلاء في التأمينات الاجتماعية أو إقامة سجل صناعي أو تجاري، ولا أستطيع أن أدفع #الضرائب».

أما صاحب مشغل للأحذية في ريف دمشق رفض الكشف عن اسمه، يضم مشغله  أكثر من 20 عاملاً فقال إن «تكليف مشغله بالدوائر المالية سيزيد من الكلفة على المنتج وهذا سيؤدي إلى تضاؤل حجم الربح وخاصة أن الوضع الراهن في سوريا والهوامش الربحية قليلة جداً مقارنة مع السنوات ما قبل الأحداث في سوريا».

بالمحصلة نجد أن الاقتصاد في الداخل السوري يسير في خطين متوازيين، الخط الأعلى يمثل التجار وأثرياء الحرب الجدد والخط الثاني يمثل الطبقة الفقيرة المسحوقة وهي الغالبية العظمى لليد العاملة، والمحزن أن معظم هذه الشريحة من العمال هي إحدى الأذرع المسلوبة الحقوق في مشاريع أثرياء الحرب الجدد.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.