كشفت صحيفة الشرق الأوسط السعودية، عن رسائل «سريّة» بين الرئيسين الراحلين  السوري “حافظ الأسد” والعراقي “صدّام حسين“، مشيرةً إلى أنها حصلت على تلك الرسائل عن طريق نائب الرئيس السوري السابق “عبد الحليم خدّام“.

وبحسب التسريبات، فقد بادر الرئيس العراقي “صدّام حسين” في منتصف التسعينيات من القرن الماضي إلى فتح قنوات التواصل مع “حافظ الأسد” بشكل «سرّي»، إلا أن الأخير قابل ذلك بـ«شكوك» بحسب نائبه “عبد الحليم خدّام” الذي سرّب معلومات تلك الرسائل.

وحاول “الأسد” إخضاع “صدّام” لاختبارات عديدة قبل المضي قدماً في التجاوب مع مبادراته، ذلك بسبب تجارب الماضي بين الجانبين ودور الرئيس في إحباط تنفيذ «ميثاق العمل الوطني المشترك» بين سوريا والعراق عام 1979.

وتقول «الشرق الأوسط» إنها تكشف عن تلك الرسائل للمرة الأولى، وهي جزء من الوثائق التي حملها نائب الرئيس السوري الراحل “عبد الحليم خدّام” معه عندما خرج من سوريا متوجهاً إلى باريس عام 2005، حيث أعلن انفصاله عن النظام الحاكم في سوريا.

وفي أولى الرسائل إلى “حافظ الأسد” أبدى “صدّام حسين” رغبته «الشديدة» بإعادة فتح السفارتين اللتين أُغلقتا في 1982، على خلفية قطيعة طويلة بين نظامي «البعث» في دمشق وبغداد.

غير أن الأسد «الشكّاك»، قرر إجراء مشاورات عربيّة قبل الاستجابة لمبادرة الرئيس العراقي «لضمان تحقيق مصلحة الأمة العربيّة والقطرين الشقيقين» بحسب ما يقول خدّام.

وتؤكد التسريبات أن واحدة من بين تلك الرسائل أرسلها الرئيس العراقي عبر سفيره في تركيا الذي التقى السفير السوري هناك، في آب /أغسطس من عام 1995، وطلب إبلاغ “الأسد” بالرسالة.

وجاء فيها: «أؤكد أن الخطوة التي نتقدم بها نحو سوريا بهدف بناء الثقة والتقارب بين البلدين هي خطوة جدية جداً، وبأن أي حساسية من حساسيات الماضي لن تعاد. إن تجارب الماضي لها ظروفها وملابساتها، وعلينا أن ننساها وأن نبدأ بانفتاح حقيقي وجدي وبقلوب مفتوحة حيال هذه المرحلة الخطيرة».

ورسالة صدّام القادمة كانت عبر السفير العراقي في قطر “أنور صبري عبد الرزاق القيسي” الذي اتصل في أواخر الشهر ذاته، بالمدير العام لـ«المنظمة العربية للتنمية الزراعية» “يحيى بكو“، طالباً منه إبلاغ دمشق برغبته في القيام بزيارة حاملاً رسالة من “صدام“.

يقول “عبد الحليم خدّام” إن الرئيس السوري ناقش معه إلى جانب وزير الخارجيّة “فاروق الشرع” طلب السفير العراقي، ثم وافق على حضوره بصورة سرية، ويضيف خدّام: «حصر اتصالاته معي، وكان الحرص على أن تتم الاتصالات مع السفير العراقي في قطر وليس في أنقرة، لأسباب كثيرة».

وعن الأسباب يؤكد «الأسباب متعلقة بأمن المعلومات، لاحتمال أن تكون السفارتان (السورية والعراقية) في أنقرة مخترقتين بوسائل الاستماع من أجهزة مخابرات عديدة، ذلك لعدم قناعتنا بجدية النظام العراقي في تغيير جوهري في سياساته، وفي بناء علاقات جدية معنا، لأن مخزون العلاقات مليء بالسلبيات والأذى والأضرار الكبيرة التي لحقت بسوريا وبالأمة العربية، إضافة إلى حرصنا على استمرار علاقاتنا مع المعارضة العراقية… وعلاقاتنا العربية التي تقوم بينها وبين النظام العراقي حالة من العداء العميق.»

وفي الخامس من شهر أيلول /سبتمبر من العام 1995 جرى اللقاء بين نائب الرئيس السوري والسفير العراقي في دمشق، جدد خلاله السفير العراقي رغبة بلاده بإعادة العلاقات مع سوريا إلى طبيعتها وإنهاء التوتر المستمر منذ أكثر من 13 عاماً.

ليقرر الرئيس “حافظ الأسد” أن يكون الرد إيجابيّاً، أعقبه لقاء آخر بين خدّام الذي أصبح ممثل الرئيس السوري “حافظ الأسد” والسفير العراقي “أنور صبري عبد الرزاق القيسي” ممثلاً عن الرئيس العراقي “صدّام حسين”.

ويقول النائب “عبد الحليم خدّام”، بعد عدّة لقاءات متبادلة كانت القيادة العراقية على استعداد لإجراء لقاء على الحدود السوريّة العراقيّة، بتحديد سوري لدرجة سريّته، إلّا أن الجانب السوري استمر في قلقه بسبب عدم الثقة بالجانب العراقي على خلفيّة تجارب الماضي.

وعن ذلك يضيف خدّام «هذا التقارب السريع دون تحضير عربي مسبق له، كان سيؤدي إلى تشويش علاقاتنا العربية وإلى قيام حالة من البرود مع التيار القومي في المعارضة العراقية، وشكوك بيننا وبين التيار الإسلامي والجبهة الكردية التي تربطنا بها علاقات جيدة».

واستمر تبادل الرسائل بين الجانبين عدّة أشهر، وفي واحدة منها وصلت إلى خدّام في فبراير عام 1996، ارتفعت خلالها مطالب “صدّام حسين” حيث جاء في الرسالة: «الرئيس العراقي يقترح على سوريا ضرورة فتح أنبوب النفط الذي يمر عبرها، واتخاذ الخطوات الفنية لتهيئة هذا الأنبوب ليكون من المنافذ الخمسة التي سوف يعتمد عليها العراق في تصدير النفط خلال تنفيذ عرض الأمم المتحدة».

وعن موقف “حافظ الأسد” من تلك الرسائل قال خدّام إن الرئيس السوري أكد أن «ما تعرضه القيادة العراقية فيه نفع كبير لسوريا وسياستنا، وفي الوقت نفسه كان الخوف من التراجع العراقي، لأنه سيؤدي إلى خسارتين: خسارة كتلة عربية تقف إلى جانبنا وترفض السلام مع إسرائيل قبل أن يتحقق مع سوريا، وخسارة العراق ستكون مضاعفة بما يتحمله من انتكاسات كبرى».

وكانت العلاقة بين سوريا والعراق معقّدة ومتداخلة عبر عقود في النصف الثاني من القرن الماضي، ذلك بسبب الكراهية بين “حافظ الأسد” و“صدّام حسين” وخلافهما على الكثير من القضايا العربيّة والإقليميّة، كذلك التنافس على تصدر زعامة الإقليم في المنطقة، ما انعكس سلباً على العلاقة بين البلدين، حيث فشلت كل الجهود في التهدئة بينهما خلال تلك الفترة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.