حراك دبلوماسي أميركي في شمال وشرق سوريا: تمهيد للاعتراف بالإدارة الذاتية أم مناورات سياسية ضد الخصوم

حراك دبلوماسي أميركي في شمال وشرق سوريا: تمهيد للاعتراف بالإدارة الذاتية أم مناورات سياسية ضد الخصوم

شهدت مناطق شمال وشرق سوريا نشاطاً دبلوماسياً واسعاً، تبدّى أساساً في زيارة الفريق الأميركي الخاص بالملف السوري، الذي يضمّ “جوي هود”، مساعد وزير الخارجية الأميركي، و”زهرة بيل”، مديرة مجلس الأمن القومي لسوريا والعراق في البيت الأبيض، لمناطق #الإدارة_الذاتية، ولقاء عدد من مسؤوليها؛ إضافة للزيارة، التي قام بها للمنطقة الجنرال “كينز ماكينزي”، قائد القيادة المركزية في الجيش الأميركي؛ فضلاً عن وفد من الخارجية السويدية، في أول زيارة رسمية إلى شمال وشرق سوريا.

تزامنت هذه الزيارات مع مستجدات عسكرية وسياسية، وأبرزها التصعيد العسكري في #دير_الزور وريف #الرقة؛ واستهدف القواعد الأميركية وحقل “العمر” النفطي من قبل المليشيات الإيرانية؛ والانتخابات الرئاسية السورية؛ إضافة إلى التهديدات العسكرية، التي أطلقتها #تركيا، حول استمرار عملياتها العسكرية في سوريا. الأمر الذي طرح تساؤلات حول ماهية هذه الزيارات وأهدافها، وما يمكن أن يتبلور عنها في المستقبل على الصعيد السياسي والعسكري، وهل يمكن اعتبارها بمثابة رسائل موجه إلى الأطراف المعنية بالملف السوري.

وللوقوف أكثر على هذا الموضوع التقى موقع «الحل نت» عدداً من المتابعين والمحللين، ومسؤولاً في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا.

 

الأسباب الكامنة وراء الحراك الدبلوماسي

“عبد الكريم عمر”، الرئيس المشترك لدائرة العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية، أكد لموقع «الحل نت» أن «هذه الزيارات تأتي في إطار ترسيخ العلاقات الدبلوماسية بين الإدارة الذاتية وعدد من الدول الغربية، التي ترسل وفودها إلى شمال وشرق سوريا. وقد التقينا بالمسؤولين الخارجيين لعدد من الدول، وما زالت هذه اللقاءات مستمرة، فنحن على علاقة طيبة مع مختلف الدولة الغربية، بما فيها الولايات المتحدة الأميركية. وقد وصلت علاقاتنا معها إلى مستوى مسؤولي وزارات الخارجية فيها».

مضيفاً: «أغلبية الزيارات تجري بهدف التعرّف على واقع المنطقة من الناحية السياسية؛ وسبل حل الأزمة السورية؛ إضافة إلى مخاطر الهجمات التركية؛ ومناقشة أوضاع المخيمات والنازحين، الفارين من هول العمليات التركية في الشمال السوري».

إلا أن “بدر ملا رشيد”، الباحث في “مركز عمران للدراسات الاستراتيجية”، أكد في حديثه لموقع “نون بوست”: «يمكن تقسيم التحركات الدبلوماسية في شمال وشرق سوريا إلى نوعين: الأول أمني، خاص بالأوضاع الداخلية في الدول الغربية، التي تسعى للوقوف على أوضاع مواطنيها في المنطقة، وأغلبهم من المقاتلين الداعشيين وعوائلهم، المحتجزين في سجون ومخيمات الإدارة. ويكون المحور الرئيسي لهذا النوع من  الزيارات البحث في كيفية إرجاع هؤلاء إلى بلدانهم، وأساليب إعادة تأهيلهم؛ أما النوع الثاني من التحركات فتقوم بها وفود تهدف لفتح قنوات تواصل مباشرة مع الإدارة الذاتية، لتمكين المجتمعات المحلية، فيما يخصّ الاستقرار وتنمية البنية التحتية، وهو ما تهتم به بشكل خاص الوفود الأميركية والفرنسية».

“د عمار قناة”، أستاذ العلاقات الدولية والعلوم السياسية في جامعة “سيفاستوبول” الروسية، يدلي لـ«الحل نت» برأي أكثر تشككاً، إذ يعتقد أن «الحراك الدبلوماسي في شمال وشرق سوريا مرتبط بالمتغيرات التي تمرّ بها المنطقة، فالدول الغربية، وبشكل خاص الولايات المتحدة الأميركية، تحاول الإبقاء على وجودها في سوريا، وإعطائه الشرعية، من خلال الورقة الكردية، وسط تعدد اللاعبين الإقليميين والدوليين في المنطقة، مثل الإيرانيين والروس والأتراك. ويمكن اعتبار هذا رسالة سلبية لتركيا، التي تمرّ علاقاتها حالياً مع الولايات المتحدة بأسوأ فصولها».

 

ماذا يريد الأميركيون من المنطقة؟

«يحاول الأميركيون خلق استقرار مستدام في شمال سوريا من الناحية السياسية؛ أما من الناحية العسكرية فيسعون  إلى القضاء التام على التهديدات المستمرة لتنظيم #داعش. لذلك يمكن تلخيص التحركات الدبلوماسية الأميركية بهدف محاربة الإرهاب، وضمان عدم عودته»، بحسب ما يقوله “بدر ملا رشيد”.

“د.غابرييل صوما”، البرفسور في القانون الدولي، يدلي بوجهة نظر شبيهة، إذا يؤكد لموقع «الحل نت» أن «الزيارات الأميركية تركز على مسألة عدم عودة تنظيم داعش؛ وكيفية معالجة أوضاع معتقلي التنظيم لدى #قوات_سوريا_الديمقراطية؛ والحفاظ على الاستقرار في منطقة شمال وشرق سوريا، لضمان عدم وصول الإيرانيين إليها. فالولايات المتحدة الأميركية لا ترغب بتاتاً بتكرار التجربة العراقية في هذه المنطقة، أي وقوعها تحت سيطرة ميلشيات تابعة لإيران؛ أما على الصعيد المنافسة الدولية فهي تريد أن تغلق الباب على أية محاولة روسية، ولربما صينية، في الاستحواذ على المنطقة».

وحول التنافس الأميركي الروسي يقول “د.عمار قناة”: «لا يمكن الفصل بين الزيارات الأميركية إلى شمال وشرق سوريا، والعلاقة الأميركية المتوترة مع #روسيا، فأميركا تحاول تمكين وجودها في الملف السوري من خلال تواجدها العسكري في شمال وشرق سوريا، وهي تتخوّف من المستجدات العراقية، وخاصة فيما يخصّ تصاعد عمليات الميلشيات الموالية لإيران ضدها، لذلك فهي تدعم الكُرد في شمال وشرق سوريا، وتحاول سد الثغرات الموجودة في المنطقة، لإزالة أية مهددات قد تؤثر على مصالحها، وفي الوقت نفسه تجعل حلفاءها في المنطقة حجر عثرة في وجه السياسة الروسية».

 

تمهيد لاعتراف دولي بالإدارة الذاتية؟

الباحث السياسي السوري “إيفان قرجولي” يجيب موقع «الحل نت» على هذا السؤال بالقول: «الإدارة الأميركية لم تحدد أية استراتيجية واضحة المعالم للتعامل مع الملفين السوري والعراقي، وبدلاً من هذا قررت الحفاظ على حلفائها الموثوقين، ومنهم قوات سوريا الديمقراطية، لأنها متأكدة أن القوى الفاعلة على الأرض حالياً، وبالذات روسيا وتركيا، لا تستطيع الخروج بنتائج توافقية تُنهي #الحرب_السورية، وكُل مساعيها بحُكم المُستنفذة في المستقبل المنظور، وبالتالي فإن حفاظ الولايات المُتحدة على موطئ قدم لها على الأرض سيساعدها على فرض شروطها في المرحلة المقبلة. ولذلك أعتقد أن الزيارات الأميركية تأتي ضمن سياسة الحفاظ على الوضع القائم حالياً، ولن تتجاوزه إلى الاعتراف الرسمي بالإدارة الذاتية، لأن هذا قد يخلق وقائع جديدة على الأرض، لا تريد الإدارة الأميركية التورّط فيها».

وحول موضوع الاعتراف الرسمي بالإدارة الذاتية يقول “عبد الكريم عمر”: «نحن نسعى للحصول على اعتراف دولي بالإدارة، ونركز معظم اهتماماتنا، على الصعيد الدبلوماسي، حول هذا المنحى، سواء من خلال عمل ممثلينا في الخارج، أو من خلال اللقاءات مع الوفود التي تزورنا. وعموماً الإدارة نالت الاعتراف الدولي على أرض الواقع منذ زمن، وصار الوقت مناسباً لنيل الاعتراف الرسمي».

إلا أن “د.غابرييل صوما” يبدو أكثر تشاؤماً، فبالنسبة له «مسألة الاعتراف بالإدارة الذاتية رسمياً أمر شديد الصعوبة، فما يجري الآن مجرد مناورات سياسية من قبل كل طرف، بما فيها الولايات المتحدة الأميركية، التي تملك أولويات استراتيجية، في ظل المتغيرات التي تمرّ بها المنطقة والساحة الدولية عموماً. والاعتراف بالإدارة الذاتية مرتبط بالضرورات التي تفرض نفسها على المصالح الأمريكية، ولا توجد في اللحظة السياسية الراهنة ضرورات من النوع الذي يدفع الأميركيين لاعتبار الإدارة طرفاً معترفاً به رسمياً».

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.