نشرت صحيفة “لوموند” الفرنسية تقريرا لها، تساءلت من خلاله عن مصير اللاجئين السوريين في الأردن، بعد أن فتح الملك الأردني عبدالله الثاني خطوط التواصل والحوار بينه وبين الرئيس السوري بشار الأسد، مطلع شهر تشرين الأول/أكتوبر الجاري.

حتى الآن، لم يتغير موقف الحكومة الأردنية تجاه اللاجئين السوريين، والذي يخلط بين الاعتبارات الإنسانية والأمنية. ويصل عددهم إلى أكثر من 670 ألف وفقاً للأمم المتحدة، مع إضافة بضع مئات الآلاف، وفقاً للسلطات الأردنية. فيما كان قد بلغ عدد الوافدين ذروته في عام 2013. ففي ذلك الوقت، تم تسهيل استقبال الهاربين في الدول المجاورة.

قابل مراسل الصحيفة في الأردن، عدد من اللاجئين السوريين، كان أغلبهم يخشون من تغير المزاج السياسي في الأردن تجاه دمشق، فيقول أبو محمد، 52 عاماً يقيم حالياً في المفرق، ويعمل في بيع البالونات “طالما تقبل بنا الحكومة الأردنية، سأبقى هنا”.

لكنه يدرك تماماً بأن وضعه بات غير مستقراً، وأن رياح التغيير قد هبت بالفعل. فالدول العربية، والأردن في المقدمة، تستأنف علاقتها مع دمشق. وعمان تطرح مصالحها الاقتصادية وحاجتها إلى الاستقرار لتبرير هذا التقارب، حيث تتوقع المملكة أرباحاً سريعة من إعادة فتح معبر نصيب – جابر الحدودي في الشمال مؤخراً.

إنذار للناشطين

بينما يعتبر متابعون أن إغلاق مكتب “سوريا على طول” هذا الصيف في عمان، وهو موقع إخباري معاد للسلطات السورية، بمثابة تعهد لدمشق بالتعاون، وإنذار للمعارضين. وقد اتصلت صحيفة “لوموند” بهيئة تحرير الموقع المذكور، لكنها رفضت التعليق على هذا القرار. لكن وفقاً لمجلة “ذا سيريا ريبورت” الإلكترونية، تم إغلاق المبنى بأوامر من أجهزة المخابرات الأردنية. ويؤكد موقع المجلة قائلاً: “إذا لم تقدم الدولة الأردنية أي سبب رسمي، فقد أكدت مصادر في عمان (…) أن هذا الإغلاق مرتبط بالتقارب الأخير بين الأردن وسوريا”.

وفي الأردن، ينحدر أغلب اللاجئين السوريين من محافظة درعا الجنوبية الحدودية، حيث تتغير هناك أيضاً الظروف الميدانية على الأرض، فقرية أبو محمد، حيث ذهبت اثنتان من بناته للعيش مع أزواجهن، في طريقها للعودة إلى حضن دمشق. ومنذ عام 2018، كانت الشرطة العسكرية الروسية الداعم الرئيسي للقوات الحكومية السورية، كما هو الحال في مناطق أخرى في محيطها. فأعادت القوات الحكومية بدعم من موسكو، فرض سلطتها على هذه المناطق.

ذلك لا يمنع أم محمد، زوجة بائع البالونات، من الرغبة في العودة بنسبة 200 بالمئة. “لقد غلبها الحنين، لكن المنطق يقول إننا أفضل هنا: الخدمات لا تزال متوفرة ونعيش في أمان”، يقول زوجها معلقاً. ولا يزال الخوف من الاعتقال من قبل المخابرات أو التجنيد الإجباري في الجيش يشكل عقبة رئيسية أمام العودة. كما تلعب حالة البنية التحتية السورية المتدهورة دوراً في ذلك أيضاً.

من جهة أخرى، تدفع الأزمة الاقتصادية في الأردن، والتي تفاقمت مع انتشار جائحة كورونا، اللاجئين السوريين إلى التساؤل من جديد عن مصيرهم. “العودة إلى سوريا لم تكن من ضمن خططنا، لكن الوضع الراهن هنا يجعلنا نفكر. فزوجي لا يستطيع العثور على عمل، وبتنا نتلقى مساعدة أقل”، تقول ضحى، 19 عاماً، في فناء المنزل الصغير الذي تعيش فيه في المفرق مع أهل زوجها البالغ عددهم 12 فرداً في المجموع.

كما يتناقض إحساسها بالتعب مع صغر سنها، حيث يعد ضمان الحياة اليومية لأطفالها اليوم “وجع رأس”. “على الأقل في درعا لدينا منزل”، تتابع ضحى. ومع ذلك، ينصح الأقارب هناك بعدم العودة بسبب غلاء المعيشة ونقص المياه أو الكهرباء.

من جانبها، تؤكد دينا الخالدي، من جمعية سما البادية في المفرق، تدهور أوضاع اللاجئين السوريين. ففي الربيع الماضي، كان هناك تخفيض في المساعدات من برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة.

وتتذكر الخالدي كيف صبّ اللاجئون غضبهم على مقر الجمعية. وهي ترى بأن جائحة فيروس كورونا، الذي يعيق مراقبة المشاريع، جعل المانحين أكثر تردداً. ومع ذلك، تعتقد الخالدي بأن “الكثير من اللاجئين السوريين لا يريدون العودة”.

“أحلم بأن أجد نفسي”

أما إلهام، في الأربعينيات من عمرها بعيون جميلة باهتة، فلم تعد تحتفظ بالكثير من الذكريات عندما فرت من سوريا في عام 2012. وهي تكافح اليوم لتربية أطفالها بمفردها في إربد. إنها تخيط وتطبخ لضمان إعالة أسرتها الصغيرة. وفقط ابنها الأكبر، البالغ من العمر 18 عاماً، لا يزال يحتفظ بذكريات بلده الأصلي، بينما لا يعرف الثلاثة الأصغر سناً عن وطنهم إلا ما يرونه من خلال كاميرا الهاتف، عندما يتصلون بأقاربهم في سوريا. “الوطن” بالنسبة لي هو سوريا، أما بالنسبة لأطفالي فهو هنا في الأردن”، تؤكد إلهام.

وتقول أنه يمكنها بسهولة أن تتخيل العيش مرة أخرى في قريتها، ولكن من أجل العودة، يجب أن يستقر الوضع الأمني. “ما أحلم به هو أن أزور سوريا لأجد نفسي، ثم أعود إلى هنا”، تضيف إلهام. لكن هذه وهم محض! فاللاجئون الذين يعبرون الحدود يفقدون وضعهم القانوني كلاجئين. وقد يحدث لإلهام بأن تحس بأنها “مندمجة” في الأردن، فلا يسعها إلا أن تتساءل: “ماذا لو طُلب مني العودة إلى الوطن؟ ماذا سيحدث لابني إذا تم تجنيده في الجيش السوري؟”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.